قضايا وآراء

ليلة الخوف.. وما زال الفاعل مجهولا

1300x600
أيام ونودع عام 2015 بكل ما له وما عليه، لنستقبل عام 2016 بمزيد من الترقب والتطلع بأن يكون أفضل وأكثر عدلا وإنسانيه.

وليلة رأس السنة كانت في الماضي القريب، وقبل دقات منتصف الليل للعام 2011، ليلة احتفالية بامتياز، اعتدنا ومنذ الصغر أن نلبس فيها الملابس زاهية الألوان ما بين الأحمر والأخضر، وأمنيات وتراتيل استقبال العام الجديد.

وفي تلك الليلة (ليلة رأس السنة للعام 2011) التي لم تكن كأي ليلة أخرى؛ لأنها تخضبت باللون الأحمر القاني، نسمع الأخبار التي حملت لنا نبأ وقوع تفجير كنيسة القديسين ليخلف نحو 20 شهيدا و100 مصاب إصابتهم ما بين الخطيرة والمتوسطة.

وقتها جاء وقع هذا النبأ المحزن كوقع الصدمة المفجعة لسائر المصريين، وأتذكر أن من نقلت لي هذا الخبر هي صديقة طبيبة تعمل في المستشفى العام بالإسكندرية، وكانت تبكي وتصرخ وصوتها متهدج، ولا تقوى على مواصلة جملة واحدة دون التوقف لأخذ الأنفاس من هول وصفها لكم الدماء والأشلاء. وقد كانت قلوبنا إنسانية بعد، و لم تعتد مثل هذه الفواجع والأحزان العظيمة. لم تكن القلوب ممتلئة بكل هذه الفواجع والمشاهد شبه اليومية للقتلى والجرحى والدماء والأشلاء.

وواقعة كنيسة القديسين بالذات أحدثت ما يشبه مرض ما بعد الصدمة، وتظهر علينا مع الوقت علامات أمراض ما بعد الصدمة وخاصة إذا تعاقب بعدها صدمات أكثر وحشية ومأساوية، كأحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والحرس الجمهوري وأحداث فض ميداني رابعة والنهضة.. تلك الكوارث التي لم تفسد حياة الضحايا وأسرهم فقط، ولكنها أصابت المجتمع كله باضطراب الإجهاد اللاحق للصدمة، ومن سماته الشعور باليأس والاكتئاب وتوتر الأعصاب، والخمول الذهني، وكثرة الأخطاء في أمور العمل نتيجة لعدم القدرة على التركيز، والانعزال الاجتماعي، والشعور بالعجز عن إصلاح الظروف القائمة. وهذا بالطبع ينطبق على الفرد كما ينطبق علي المجتمع بقطاعاتة المختلفة. ومع أن كل تلك الكوارث تصيب الجسد الواحد، ولكن وقوعها على فصيل بعينه وإصباغها بالصبغة الطائفية يفرز المزيد من "طوأفة" المظلومية، على الرغم من نجاح  قطاع من الشباب المسيحي وتجاوزهم لتلك الصدمة بمشاركتهم في 25 يناير.

ولنعد لأحداث كنيسة القديسين التي ما زالت تبحث عن العدالة علي الرغم من مرور ما يقارب الخمسة سنوات ولكن ما زال الفاعل مجهولا؟!! وما يسترعي الانتباه كل تلك البلاغات التي تم تقديمها ضد مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، لضلوع الثاني في تلك الجريمة لتحجيم مطالبات الأقباط وإعادتهم للقفص وحدوده، ولتعميق الخوف والانقسام مع الشعور المتنامي لدى النظام وقتها بتعاظم الغضب الشعبي وسوء الأحوال وتعقيد المشهد السياسي في البلاد، قبيل أحداث يناير المجيدة.

ومن الثابت حتى الآن؛ أن هناك أطرافا لها مصلحة في إعاقة سير العدالة وعرقلة الوصول للجناة وإثبات الإدانة بحكم قاطع، ولا أدل على ذلك من إقامة محامي كنيسة القديسين في شباط/ فبراير الماضي دعوى قضائية ضد وزير الداخلية ومدير أمن الإسكندرية لعدم تنفيذ أوامر نيابة أمن الدولة المختصة بالتحقيق وإجراء التحريات، وكذلك دعوى أخرى لاحقة رقمها 8829 لسنة 68 قضائية أمام القضاء الإداري؛ لإلزام الدولة باستكمال التحقيقات وإلزام وزارة الداخلية، التي لم تتعاون ولم تقم بإرسال التحريات الخاصة بأحداث كنيسة القديسين، تلك التحريات التي تاهت في طريقها وخرجت ولم تعد حتى الآن؟!!!

وفي الوقت الذي يتهم محامي الكنيسة في دعواه وزارة الداخلية بإساءة استعمال السلطة ورفضها التعاون مع النيابة المختصة في إنهاء التحقيقات المتعلقة بالواقعة، نسمع الأخبار التطمينية الآن بعقد اجتماعات على أعلى مستوى أمني لبحث خطط تأمين احتفالات عيد الميلاد، واتخاذ الإجراءات التأمينية اللازمة. وتشمل الخطة، كما جاء في تصريح مصدر أمني، تأمين 2626 كنيسة على مستوي الجمهورية، بينها 1326 كنيسة أرثوذكسية و1100 كنيسة بروتستانتية و200 كنيسة كاثوليكية..

وبالطبع مع قرب ليلة رأس السنة الميلادية، واحتفالات أعياد الميلاد للطائفة الأرثوذكسية التي تمثل غالبية مسيحيي مصر، وهي توافق يوم 7 كانون الثاني/ يناير، تعاودنا التخوفات من تكرار مثل تلك الأحداث، وبات تصور وقوع مثل تلك الأحداث واقعيا، لتزايد العوامل المرجحة لتكرار مثل تلك الكوارث سواء داخليا أو إقليميا.

فداخليا، هناك عزوف الناس عن الانتخابات البرلمانية، وتشكيل برلمان يشبه برلمان 2010 وسط شبه عزوف كامل من المجتمع بقطاعاته، وتزايد الأزمات السياسية والاقتصادية، والإمعان في سياسات النظام لتهميش الآخر والإقصاء لكل معارض حقيقي، بل التنكيل في السجون بقطاع كبير من المخالفين والقتل بالإهمال الطبي والتعذيب في أماكن الاحتجاز، وكارثة سقوط الطائرة الروسية وتداعياتها على قطاع السياحة الذي يتداعى في الأساس، وما دار حول تلك الكارثة من اتهامات بتقصير أمني وإهمال في التأمين وتراخ ما تسبب في خروقات أمنية سهلت وقوع تلك الكارثة.. هذا على الصعيد الداخلي المتأزم.

وخارجيا وإقليميا، نجد خطر سيطرة الجماعات الإرهابية كداعش وغيرها، والتي يتم استخدامها بحرفية بالغة التعقيد لإعادة تشكيل المنطقة، واستهداف التركيبة الديمغرافية والتقسيم الطائفي الذي يخدم الغرب ومصالحه في المنطقة.  ومع الالتزام بنص الرواية الرسمية من الأجهزة عن سيناء، لا نعرف حقيقة وقدرة تنظيم الدولة داخل سيناء. ولقد حرض تنظيم داعش على استهداف المسيحيين في مصر وخارجها.

كل تلك المؤشرات تجعلنا أمام تخوفات حقيقية، لا ظنونا، في واقع يبعدنا دائما عن معرفة الجاني وتحميل الجهات المقصرة بمسؤولياتها الجنائية والسياسية عن أرواح وممتلكات الأبرياء.

طوبي لشهداء يناير المجيد.. ورحم اله. شهداء كنيسة القديسين وسائر شهداء الوطن. وأمنياتنا للعام الجديد 2016 أن يكون أقل ألما وأكثر عدالة وإنسانية.