قال خبراء اقتصاديون، إن
الموازنة التي أعلنتها
السعودية قبل أيام، يشوبها الكثير من الغموض، خاصة وأنها تأتي في ظروف صعبة، وكان الموطن السعودي ينتظر الإجابة عن التساؤلات التي تدور في ذهنه بخصوص مستقبل اقتصاد بلاده خلال عام 2016.
وقالوا في تصريحات لـ"
عربي21"، إن الموازنة لم تتطرق إلى بعض البنود المهمة، حيث لم تشر البيانات التفصيلية لبنود الموازنة إلى كيفية تدبير
العجز المتوقع، إضافة إلى عدم تقدير سعر
النفط بشكل يسمح بعدم وجود فجوة كبيرة في الإيرادات وإجمالي الإنفاق العام.
وفي تقرير نشرته وكالة "الأناضول"، تناولت فيه عدة محاور تجاهلتها الميزانية السعودية، جاء أن هناك عدة جوانب تؤخذ بشكل عام، خاصة في ما يتعلق بالاستثمارات العامة أو تدبير العجز المتوقع أو مصير القطاع الخاص الذي ينتظر استمرار الدعم الحكومي.
وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور فاروق عبد الحي، إن الحكومة السعودية ورغم اتجاهها إلى ترشيد جملة الإنفاق العام، فإنها تعاملت حين وضعت موازنة 2016 بمنطق أنه لا توجد أزمة وأن المواطن السعودي سوف يكتفي بما تذكره من أرقام دون التطرق إلى التفاصيل.
وأشار في حديثه لـ"
عربي21"، إلى أن الموازنة تعني تناول كل البنوك بكل تفاصيلها، والموارد والإنفاق بأدق التفاصيل، خاصة وأن الجميع يعلم انخفاض إجمالي عائدات السعودية من النفط الذي يضخ نحو 90% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي السعودي.
واكتفى البيان المالي بذكر قيمة الإيرادات والمصروفات، فحدد الإيرادات المتوقعة للعام المالي 2016 بنحو 513.8 مليار ريال سعودي، بينما قدرت المصروفات بـ840 مليار ريال سعودي، أي إن العجز المالي في هذا العام سيكون بحدود 87 مليار دولار تقريبا.
ومن المفترض أن يعلم المواطن السعودي، كيفية تدبير هذا العجز، وما سيعود عليه من أعباء، سواء كانت تلك الأعباء بشكل مباشر في شكل ضرائب ورسوم، أم بشكل غير مباشر في شكل تخفيض برامج الدعم، ونقص الخدمات العامة.
وأوضح أن الميزانية لم تتطرق إلى الدين العام ومصيره في 2016 وحجم ارتفاعه ومصادر سداد فائدة هذا الدين، ورغم تطرقه إلى خصخصة بعض شركات القطاع الحكومي فإنه لم يذكر أية تفاصيل عن القطاعات أو الشركات التي من المتوقع بيعها وكيفية الاستفادة من عائد عملية البيع.
واكتفى البيان بذكر أن العجز سيتم تدبيره من خلال الاقتراض الداخلي والخارجي، وبما لا يؤثر على معدلات السيولة أو تمويل أنشطة القطاع الخاص. وهي إجابة إنشائية لا ترتبط بالواقع، فبلا شك أن أي اقتراض داخلي من قبل الحكومة هو خصم من السيولة بالجهاز المصرفي، ومزاحمة لاقتراض القطاع الخاص.
وقد قفز الدين العام في عام 2015 إلى 142 مليار ريال، مقارنة بنحو 44 مليار ريال في عام 2014، وسوف يزيد بقيمة عجز موازنة 2016، بنحو 326.2 مليار ريال، ليصل مع نهاية عام 2016 لنحو 468 مليار ريال تقريبا.
وتناولت الميزانية توزيع قيمة المصروفات على 7 قطاعات، منها 191.6 مليار ريال لقطاع التعليم والتدريب والقوى العاملة، دون توضيح قيمة مخصصات كل قطاع على حدة، حتى يتسنى معرفة نصيب كل بند.
من ناحية أخرى؛ ما هي مخصصات الأجور والمرتبات في بند التعليم أو التدريب أو القوى العاملة؟ وما هي النفقات الجارية؟ وما هي مخصصات الاستثمار بهذا البند، وغيره من البنود الأخرى؟
لقد خصصت الميزانية نحو 104.8 مليار ريال لبند الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية، دون أن تذكر مزيدا من التفاصيل حول هذا المخصص.
وأشار المحلل المالي مصطفى حسين، إلى أن الموازنة لم تتطرق من بعيد أو قريب إلى حجم الاستثمارات العامة وكيف سيتم التعامل معها خلال 2016، واكتفى بيان الميزانية بأن تواصل صناديق التنمية الحكومية ممارسة مهامها في تمويل المشاريع التنموية المختلفة بقرابة 50 مليار ريال.
ومع ذلك فإن هذا الرقم لا يمثل سوى نحو 2% فقط من الناتج المحلي السعودي البالغ 2.4 تريليون ريال وفق تقديرات 2015، وهي نسبة ضئيلة جدا، وتؤكد اتجاه اقتصاد المملكة نحو الانكماش خلال المرحلة المقبلة.
وأوضح في حديثه لـ"
عربي21"، أن جميع المؤشرات تؤكد أن القطاع الخاص السعودي وعلى مدار السنوات الماضية، يعتمد بشكل رئيس على الإنفاق الحكومي، وبخاصة في قطاع البناء والتشييد، وتعول الموازنة العامة السعودية الجديدة على أن يزداد دور القطاع الخاص غير النفطي، ليشكل جزءا مهما من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغم ذلك فقد توقعت الميزانية أن يحقق الناتج المحلي غير النفطي نسبة نمو 8.3%، ويتوقع أن ينمو القطاع الحكومي غير النفطي بنسبة 14.5%، في حين أن القطاع الخاص غير النفطي من المتوقع أن ينمو بمعدل 5.8%، أي إن القطاع الحكومي غير النفطي سينمو بنحو ثلاثة أضعاف القطاع الخاص غير النفطي.
ولفت تقرير "الأناضول" إلى دلائل أخرى تعكس ضعف أداء القطاع الخاص، تتعلق بتراجع الصادرات السلعية غير النفطية في السعودية خلال عام 2015، بنحو 18.8%، وإذا كانت السعودية تنتظر المزيد من تراجع الإنفاق الحكومي، فستكون النتيجة الطبيعية أن تتراجع مساهمة القطاع الخاص، الذي يعتمد على الإنفاق الحكومي على مدار عقود.
ومن الشواهد الأخرى لضعف مردود القطاع الخاص غير النفطي، ما جاء في بيان الموازنة من النمو المتوقع لذلك القطاع في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، حيث يغلب على معظم أنشطته الطابع الريعي والخدمي، ما بين أنشطة الاتصالات والنقل والتخزين وتجارة الجملة والتجزئة، والخدمات المالية والـتأمين، في حين أن الصناعات التحويلية غير النفطية لهذا القطاع تحقق أدنى معدلات نمو متوقعة بنحو 3.2%، بين الأنشطة المختلفة باستثناء الخدمات المالية والتأمين التي يتوقع لها أن تحقق معدل نمو 2.5%.