كاتب السطور أدناه، يتطاول على أصحاب السلطة والجاه، ولكنه صاحب عيال و – بالتالي – جبان، ومن ثم تخفى وراء "
وجيع الزمان"، ليكتب عما جرى في بلد شقيق، يُمنع فيه الزعم بوجود البغلة في الإبريق.
قال وجيع الزمان الزفتان: حدثني المرتعب بن مذعور، عن الخائف بن مقهور، قال: اجتمعت الشلة في إحدى ساحات طرة، وهم ينحتون أكواز الذرة، ويمصون القصب، ويلحسون الجيلاتي ويزدردون العنب، وكان
العسكر الخدم يرفدونهم بالعصائر، ويمدون الباشا منهم باللذائذ والفطائر، ومنهم من يقضم بتراخٍ ألواح الشيكولاطة، ومن تمدد تحت الشمس بألاطة، ومن جاء مدلكٌ يدلكه، ومن نهض مدربٌ يلاعبه ويحركه، ومن لبس ملابس التنس، ومن جلس مع زميله يحكي ويأتنس، وقد بدت على الجمع الجميع اللامبالاة، واسترخوا في هدوء لا متناه!
وفي منتجعه ما لبث أن قطع الهدوءَ بكاء مكتوم، ونهنهةٌ وألم مكظوم، وكلماتُ تذمر مبهمة، ولعنٍ للشعب والدستور والمحكمة! وأخذ الجامد يقول: واللا حرام، فما هذا من الوفاء أو الوطنية والإسلام، أبعد كل ما فعلناه، وما للبلد قدمناه، نعامل هذه المعاملة، ونُبهدَل هذه البهدلة.
يا له من شعب كنود، ووطن جاحد حقود، أولم نعطه شبابَنا، وفكرنا وعدلنا وعزمنا، أو لم نخطط له ونُمَعْنن، ونتكتك من أجله وننشِّن، أو لم نقض مُددَنا في جري واجتهاد، وجني للمزايا وحصاد؛ فما لهم يتمردون؟ ولحكمنا يرفضون ويعارضون؟! وهم لو طالوا رقابنا لقصفوها، ولو وجدوا فلوسنا لنهبوها! ولو تمكنوا من أعراضنا لهتكوها!
لحاك الله من بلد يعادي السادة الصِّيدا / ويسجن قادة نُجبا غطاريفا صناديدا
ويجعل يوم كَسرتنا وذلتنا لها عيدا / دهتنا تلكم الأحداث سابتْنا رعاديدا
شباب مائعٌ سيسٌ يصيِّرُنا مطاريدا!؟ / يبهدلنا.. يشردنا يصورنا عرابيدا
وكنا غاية الإنصا ف.. وفَّينا المواعيدا / ودلَّعنا وهشّكنا وما سُمناه تهديدا
ولم نسرق... ولم ننهب فكيف (نلا ق) تنديدا / تريليونا فقط نلنا بذلنا فيه مجهودا
أنأخذ حقنا سجنا وتخويفا وتنكيدا؟! / أيا رباه ساعدنا (وخل) المرَّ قنديدا.
ونهض الحبوب باكيا منهنها، ومغمغما في كلامه ومتهتها، وقد شرق بغمه ودموعه، واشتد وجيب ما بين صدره وضلوعه، وهتف: لعنة الله على الشعب، وما جلبه من هم ووجع قلب، حرمني سلطاني، وأطار النوم من أجفاني، وبعد أن كنت آمر وأنهى، وأحكم البلد وأهبش ما أشاء منها، وبعد انحناء الشنبات لي، وتذلل الأقوياء لحولي وطولي، وبعد أن كنت أعز وأذل، وأرفع وأُبهدل، وتنام البلد متى أحببت، وتستيقظ إن أردت، ألبس هذا الكاب الكئيب، والأفرول الأزرق الغريب، ولم يبق من يضرب لي تعظيم سلام، أو يحني لي الرؤوس والهام، واقتحم الغوغاء مكتبي، واطلعوا على أوراقي وتلفيقاتي ومواهبي.
ما للرئاسة تُقصيني.. وأبغيها/ كأنني لم أكن – يوما – أناغيها
كأنني لم أكن كُفوءا لها أبدا / ولم أكُ أرسيها - حتى – وأجريها
ولم أسُس دولة .. أمري يُسيِّرها/ إن شئتُ أغرقتُها أو (عُزْتُ أحييها)
ولم يكن حولي رعايا طوع مرغبتي/ إن شئتُ جوّعتُها.. بالكيف أُعطيها
يا للملايير.. كانت لعبة بيدي / لو شئت بعزقتها أو شئت أخفيها
و شئت كانت سويسرا مأمنًا حَصنًا / لليوم الَأبيض لو ثارت عواديها
والآن أرقد وحدي دون فرفشة / ودون مشْغَلَة أسلِّي زهْقتي فيها
واها لأيام الرياسة سقيا لعاطرها / متى سترجع بهجتها.. تساليها؟
ثم فجأة انقلبت سحنته، وتغيرت خلقته، وبدا يغضب ويثور، ويعوي ويخور، ويهدد ويتوعد، ويبرق، ويرعد، وأخذ يسب الدين والإيمان، ويقسم بأغلظ الأيمان: بشرفي العسكري عليهم لأخرجن، وليدفعُنَّ جميعا أبهظ الثمن، ولأحيلن حياتهم نارا، ولأضرمنّها لهيبا وأوارا!
ألا يعلم البهائم أن لي بدل الجيش جيوشا؟ وأنني ربيت للفتك بهم ضباعا ووحوشا؟ أما أتاهم حديث الجنود؟
وعملائي الذين يملؤون البلد ولا الدود؟ أين هم من جيوش البلطجية؟ والجرَّايين والعصبجية؟ ومن الأمنجية والمخبرين؟ والناضورجية والهجامين؟
أين هم من شراشيح الإعلام؟ وحملة الميكروفونات والأقلام؟ أين هم من كتبة في الكذب متخصصين؟ وأدباء على قلب الحقائق مدربين؟ أين هم من جيوش الرقاصات؟ والمغنيات والشراشيح والممثلات؟ أين هم من جيوشي وشرطتي؟ وقضاتي ونيابتي؟ أين هم من الفساد الذي أرسيت له الأوتاد، ونشرته بأنحاء البلاد؟ أين هم من الدولة الخفية العميقة؟ ومن الأنظمة المتعاونة الصديقة؟ بل أين هم من شعب كنيستي؟ وأين هم من إسرائيل صديقتي؟ وأمريكا حارستي وحليفتي؟
أولسنا السادة وهم العبيد؟ أولسنا النخبة وهم السفلة المناكيد؟ أولسنا ساداتها ومالكيها؟ أو
لسنا باشواتها ومخضعيها؟ أو لسنا مانحيها ومانعيها؟ بشرفي العسكري لأرشنَّ الفلوس على رجالي رشا، وأحش رؤوس أولئكم السفلة حشا، ولن أدع هذا البلد يستقر، ولن أدع الأمن به يستتب أو يستمر، فالتفجيرات لعبتي، والتوتيرات مهارتي، أنا أو الفوضى والخراب، ولهم مني الدمار والزوال والتباب، لأحوجنهم لقطرة الماء، ولأجعلنهم يحلمون بنسمة الهواء، ولأذلنهم من أجل لقمة الخبز، ولأجففن حلوقهم على الوقود للخَبز، فليدعوا ربهم، وليرفعوا ما شاؤوا دعاءهم، فليعلمُن أينا أشد عذابا وأبقى، ولأصيرنهم أفقر وأذل وأشقى!
سأحصِّل من دمهم ثمنا وسأجعل من عهدي الوثنا
والحسرة ستحل عليهم والجوع سيجتاح الوطنا
والخوف هو الخبز اليومي وسأملأ دنياهم عفنا
سيرون سنينا خرُّوبا يتشهى أحدُهم الكفنا
سأحرِّق كل منازلهم وسأحْرمُ أعينهم وسنا
ويل لعبيد باعوني يا ويلك يا من بهدلنا
ولم تمض غير برهة يسيرة، ومدة من الزمان يسيرة، حتى كان البهوات في قصورهم يضحكون، وفي مواقعهم يسخرون، وجاع الناس وضاعوا، ولسرّاقهم خضعوا وانصاعوا، وعادوا يهتفون بحياة القاتلين، ويهنئونهم على عودتهم سالمين.
(اعذروا وجيع الزمان، إذا اختار أن يبقى مجهول الاسم والمكان، فالأسطر الأخيرة، قد تعرضه للسجن أو القصف بالذخيرة)!