نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا، حول إعدام
السعودية رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، وقالت إن المملكة تراهن من خلال هذا القرار الخطير على إيصال رسائل حازمة لأعدائها في الداخل والخارج، دون أن تعبأ بتبعاته على الاحتجاجات الداخلية أو الصراع الطائفي في المنطقة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن المملكة من خلال إعدامها للنمر وعدد من المتشددين السنة المرتبطين بتنظيم القاعدة، وأربعة قياديين آخرين من
الشيعة متهمين بممارسة التحريض، أرادت توجيه رسالة حازمة لكل أعدائها، سواء كانوا من السنة أو الشيعة.
واعتبرت أن السعودية من خلال قرار إعدام المعارض نمر النمر، تكون قد سلكت طريقا خطيرا، توشك أن تؤجج الصراع السني الشيعي الذي يعصف بالعالم العربي، وهو صراع تقود فيه الرياض العالم السني، فيما تقود طهران العالم الشيعي، وتدور رحاه سواء في سوريا واليمن، أو في العراق ولبنان.
وذكرت الصحيفة أن التنديدات جاءت سريعا من
إيران، التي توعدت السعودية "بدفع الثمن"، ومن البحرين التي تعاني فيها الأغلبية الشيعية من الإقصاء، ومن اليمن الذي يخوض فيه الطرفان حربا بالوكالة، ومن العراق ولبنان اللذين تتسع فيهما الهوة الطائفية يوما بعد يوم.
وقالت الصحيفة إن المملكة من خلال إعدام رجل الدين الشيعي؛ أرادت توجيه رسائل طمأنة لإرضاء الأوساط الأكثر تشددا داخلها، وخاصة المتأثرين بفكر تنظيم الدولة، الذين يرون بأن هذا التنظيم هو "أفضل مدافع عن السنة في مواجهة المد الشيعي الذي تدعمه إيران".
ورغم أن الرياض شددت في تعاملها مع الجهاديين المحليين منذ ربيع سنة 2014، بعد أن كانت لفترة معينة تشجعهم على الذهاب لخوض "الحرب المقدسة" ضد الديكتاتور بشار الأسد، فهي لا تزال أكبر مصدّر للمقاتلين الملتحقين بالحرب في سوريا والعراق، سواء من المنضمين لتنظيم الدولة أو جبهة النصرة، أو الفصائل التي يعتبرها الغرب الأكثر اعتدالا مثل حركة أحرار الشام.
ورجحت الصحيفة أن يكون قرار الإعدام قد أتى ردا على رسالة أبي بكر البغدادي، التي دعا فيها أنصاره "لإسقاط حكم عائلة آل سعود"؛ التي تشهد هي أيضا خلافات داخلية منذ تسلم الملك سلمان للحكم في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، بعد وفاة الملك عبد الله.
وقد أرادت المملكة إثبات عدم تهاونها في مواجهة المتشددين الموجودين على أراضيها، الذين تورطوا في عدة هجمات إرهابية تبناها فرع تنظيم الدولة في الداخل، ولكن نظرا لكثرة المتعاطفين مع إيديولوجية هذا التنظيم، فقد اعتبرت الصحيفة أن هذه المعركة تبدو صعبة وطويلة الأمد، مثلما حدث بين سنتي 2003 و2005 حين نجح تنظيم القاعدة في توجيه ضربات مؤلمة للنظام الحاكم.
وأشارت الصحيفة إلى أن عملية الإعدام تفوح منها رائحة الانتقام، على خلفية عملية اغتيال القيادي في المعارضة السورية زهران علوش في دمشق قبل 10 أيام، بعد أن أصبح يعتبر خطرا كبيرا بالنسبة للروس والإيرانيين والنظام السوري. كان علوش يقود "جيش الإسلام" المدعوم من قبل الرياض، بينما تواجه مجموعته اليوم خطر التشتت والاندثار، وبالتالي فقد قررت المملكة التعامل مع الموضوع على أساس مبدأ "العين بالعين والسن بالسن".
واعتبرت الصحيفة أن تبعات إعدام النمر، الذي يقبع ابن أخيه أيضا في السجن، ستؤدي على المدى القصير إلى "توتير" الأجواء في المحافظات الشرقية للمملكة السعودية، التي تضم الأقلية الشيعية، كما قد تؤدي لإعادة إطلاق الاحتجاجات في البحرين، وتأجيج الحرب الدائرة في اليمن.
وحذرت الصحيفة من خطورة التهديدات الإيرانية على المملكة، فالعلاقات بين القطبين الشيعي والسني بلغت مؤخرا درجة غير مسبوقة من التوتر خلال عدة السنوات، وقد شهدت الأشهر الأخيرة حلقات عديدة في مسلسل الصراع غير المباشر، حيث اختفى سفير إيراني بشكل غامض خلال الحج، قبل أن تعلن الرياض أنه قتل في حادثة التدافع الذي أودى بحياة حوالي ألفي قتيل. كما تعرض أمير سعودي للتوقيف في مطار بيروت من قبل رجال أمن من الشيعة الموالين لإيران، بالإضافة لعدة حوادث أخرى حصلت عل هامش الحرب الصامتة التي ظلت متواصلة لسنوات بين إيران والسعودية.
وفي الختام، اعتبرت الصحيفة أن هذا الموقف المتصلب من المملكة، يضع حلفاءها الغرب، وعلى رأسهم فرنسا والولايات المتحدة، في موقف محرج جدا، لأنهم لن يسلموا من انتقادات المنظمات الحقوقية بسبب تحالفهم مع النظام السعودي.