"باتت هذه الحملة معروفة الأهداف، ومن خلفها، بهدف تشويه "صورة المقاومة" واستغلال المدنيين في ورقة سياسية خاسرة". كانت هذه الكلمات هي خاتمة بيان الإعلام الحربي لحزب الله اللبناني في معرض رده على اتهامات وسائل الإعلام والعديد من النشطاء له بالمسؤولية عن الحصار ومقتل عشرات الأطفال جوعاً في مضايا السورية.
واللافت هنا تكرار ورود "تشويه صورة المقاومة" في خاتمة البيان ومقدمته، ما يشير إلى أن شبح تشويه صورة
حزب الله هي الشاغل لقيادات الحزب وكوادره.
ليسمح لنا من كتب البيان القول إن بنوده التسعة والتي تتهم المسلحين بالمسؤولية عن قتل الأطفال جوعاً باتخاذهم من مضايا "رهينة"..، أن البيان يقر بوجود الحصار، وأن المواد الغذائية تدخل عبر نقاط التحكم التي يسيطر عليها الحزب والنظام. وهذا تأكيد على مسؤولية النظام وحزب الله عن الحصار الذي أودى بحياة عشرات الأطفال جوعاً؛ لأن المعارك الحربية تُلزم الأطراف بحماية المدنيين، ومن غير المعقول التضحية بحياة 40 ألف إنسان مدني من المسلمين في مضايا لتضييق الخناق على 600 مقاتل يتخذون المدنيين حصناً لهم، حسب زعم بيان الإعلام الحربي لحزب الله.
فإذا كان حزب الله حريص على حياة المدنيين السوريين الذين استقبلوا جمهور حزب الله أثناء العدوان الإسرائيلي عام 2006 في القصير والزبداني ومضايا ودمشق وحلب..، وعلّقوا صور السيد حسن نصر الله في بيوتهم، ورفعوا أعلام حزب الله في شوارعهم وجامعاتهم..، كان عليه حمل مسؤولية وصول المساعدات الغذائية للمدنيين ولو عبر الطائرات، بإلقاء الطرود الغذائية من الجو على الأهالي بدلاً من البراميل المتفجرة.
فإذا كانت أخلاقيات حزب الله لا تسمح بقتل المستوطنين الصهاينة المصنفين دولياً "بالمدنيين" أثناء المعارك مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، فمن باب أولى الحرص على حماية المدنيين المسلمين في سورية. وذلك حماية لصورة حزب الله حتى لا تتلطخ بدماء الأطفال في مضايا.
وإذا كان المقام للحديث عن صورة حزب الله فلا من القول بوضوح؛ أن صورة الحزب انكسرت في أعين المسلمين "السنة" - وإن كنت لا أود استخدام التصنيفات المذهبية او الطائفية في الحالة الإسلامية إلا مضطراً – منذ اللحظة التي شوهد فيها عناصره يقاتلون في دمشق وحمص وحلب..، وسقوط المدنيين المسلمين السوريين بسلاح المقاومة الذي كان محل اعتزاز وفخر لكل عربي ومسلم عندما كانت الرصاصة لا تخرج إلا في صدر الاحتلال الصهيوني. هذا هو الواقع بغض النظر عن المبررات السياسية أو العملياتية التي قد يدفع بها حزب الله للدفاع عن وجوده في سوريا.
وإذا كانت
فلسطين أحد العناوين المقدسة؛ فحزب الله يعلم جيداً أن صورته أيضاً انكسرت لدى أغلبية الفلسطينيين، الذين يستشعرون ألم المواطن السوري الذي أصبح يشاطرهم اللجوء، والجوع، والبرد، وفقدان الوطن.
هذا الانكسار في الصورة لم يكن يوماً كرهاً في حزب الله المقاوم للاحتلال الإسرائيلي، وإنما كرهاً في إراقة دماء المسلمين، وخاصة السوريين الذين لطالما حملوا عبء نصرة حزب الله، وحركة حماس، والقيادة العامة، والجهاد الإسلامي.. والذين احتضنوا اللاجئين الفلسطينيين، والعراقيين، واللبنانيين.. وفتحوا بيوتهم لكل عربي وغريب.
*كاتب ومحلل سياسي فلسطيني