أظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة "
الغارديان" البريطانية، ازدياد آمال زعيم
حزب العمال البريطاني جيريمي
كوربين في إعادة تشكيل الحزب. وكشف الاستطلاع دعما كاسحا له وانتقالا حاسما نحو اليسار وشجارا بين نواب الحزب في البرلمان.
ومن خلال المقابلات التي أجرتها الصحيفة مع موظفي الحزب وأعضائه من مختلف المستويات والمناصب من 632 دائرة، تبين تضاعف عدد أعضاء الحزب في كل دائرة ضعفين أو ثلاثة أضعاف أو حتى أربعة وخمسة أضعاف، ناهيك عن إحياء فروع كانت ضامرة لسنوات وتوشك على الإغلاق.
وفيما يعكس ارتفاعا في مستوى اهتمام الشباب، سجلت المدن والبلدات التي تؤوي جامعات أكبر نسبة من ارتفاع العضوية، من نماذج ذلك مدينة باث التي قفزت العضوية فيها من 300 إلى 1322 ومدينة كولشيستر التي ارتفع فيها العدد من 200 أو 250 إلى ألف. ولم تكن أي من هاتين المدينتين مواقع تقليدية لحزب العمال.
وأوضحت الصحيفة أن نتائج الاستطلاع ناجمة عن الأرقام الخاصة بحزب العمال على المستوى الوطني، كان الحزب قد زودها بها مخالفا بذلك تقليدا التزم به طويلا وهو الإبقاء عليها طي الكتمان، وتشير الأرقام إلى أن العضوية ارتفعت من 201293 في السادس من أيار/مايو في العام الماضي إلى 388407 بحلول العاشر من كانون الثاني/يناير من هذا العام.
وأشارت "الغارديان" إلى أن أرقام العضوية في حزب العمال تبقى قضية خلافية، فهذا بيتر ماندلسون، الوزير السابق، الذي يعارض كوربين، يعلن في اجتماع لحزب العمال في مجلس اللوردات الشهر الماضي بأن "30 ألفا من الأعضاء القدامى قد تركوا الحزب، إنها أعداد حقيقية، عشرات الآلاف".
إلا أن الأرقام التي أعلن عنها مؤخراً تقوض مزاعمه، حيث يتبين منها أن عدد الذين تركوا الحزب منذ الانتخابات العامة هو 13860، بعضهم استقال بشكل رسمي وبعضهم مضى في سبيله كجزء من الزبد الطبيعي. ويستمر الارتفاع في عدد الأعضاء، ويكاد يقترب عدد الذين انضموا منذ أعياد الميلاد فقط ما يقرب من ألف شخص.
يأتي استطلاع "الغارديان" بعد شهور من الشجار والتطاحن في أوساط مجموعة من نواب البرلمان عن حزب العمال، أشعل فتيلها فوز كوربين بزعامة الحزب، ويشكل فرصة أمام جماهير الحزب وقواعده لتسمع صوتها.
وكشف استطلاع الصحيفة أن نسبة الارتفاع في عدد الأعضاء متباينة من مكان إلى آخر عبر البلاد، فمقارنة بالارتفاع الحاد الذي شهدته لندن ومناطق أخرى في إنجلترا وفي ويلز، كان الارتفاع في اسكتلندا متواضعا نسبيا، وذلك في حد ذاته نذير شؤم للآمال التي يعلقها الحزب على الانتخابات البرلمانية الاسكتلندية التي ستجرى في شهر أيار/مايو.
يكاد أعضاء الحزب يجمعون على أنه بالرغم من عدم سرورهم بالشقاق العلني داخل المجموعة البرلمانية التابعة لحزب العمال، إلا أنه لا توجد رغبة لديهم في استبعاد أحد من البرلمانيين في الانتخابات المقبلة، إلا أن بعضهم يعترف بأن التغييرات المقترحة لحدود الدوائر الانتخابية في عام 2018 قد ينجم عنها بأمر الحكم الواقع استبعاد البعض.
وفيما يتعلق بأعضاء الحزب الذين عادوا إليه بعد أن غادروه احتجاجا على غزو العراق في عام 2003، يلاحظ أن عودتهم كان لها تأثير مباشر، ربما نظرا لأنهم يعرفون القواعد المعمول بها ولديهم الخبرة الكافية.
معظم الأعضاء العائدين والأعضاء الجدد ينزعون بشكل رئيسي نحو اليسار، وهناك ادعاءات قليلة بحدوث محاولات اختراق من قبل جماعات تنتمي إلى اليسار المتطرف.
طالما كانت أرقام العضوية في حزب العمال غير ثابتة، ويذكر أن عدد أعضاء الحزب ارتفع إلى 408 آلاف عندما أصبح طوني بلير زعيما له في عام 1998، ولكنه ما لبث أن اتجه نحو الانخفاض بسبب ما أصاب اليساريين من خيبة أمل، ثم جاءت حرب العراق فتسببت في انشقاقات جماعية، وبحلول عام 2010 ثبتت أرقام العضوية عند 185 ألفا.
تشير أحدث الأرقام لدى حزب العمال إلى أن العام الماضي شهد ارتفاعين، كان الارتفاع الأول، ولو جزئيا، رد فعل على نتيجة الانتخابات ودخول كوربين حملة التنافس على الزعامة، بينما جاء الآخر بعد أن أصبح زعيما.
ما بين السابع من أيار/مايو والحادي عشر من أيلول/سبتمبر، انضم إلى الحزب 116753 وخرج منه 5393، ألغى 4066 منهم اشتراكهم المالي دون إبلاغ الحزب لماذا قاموا بذلك، بينما كان عدد الذين استقالوا بشكل رسمي 1327.
وما بين فوز كوربين بزعامة الحزب في الثاني عشر من سبتمبر وعشية عيد الميلاد (24 ديسمبر)، انضم إلى الحزب 87158 وغادره 8567، ألغى 4692 اشتراكاتهم المالية دون إنذار، بينما كان عدد الذين استقالوا بشكل رسمي 3875، (أعداد الذين انضموا والذين غادروا لا تتفق مع العدد الكلي للأعضاء وذلك لأن الحزب يسمح بمهلة مدتها ستة شهور قبل أن يلغي العضوية).
وقد عكس استطلاع "الغارديان" ذلك، إذ يقول مسؤولو مكاتب الدوائر الانتخابية بأن الارتفاع الكبير حدث ثلاث مرات خلال العام الماضي: كان الأول بعد فوز المحافظين في شهر مايو، وكان الثاني بعد أن دخل كاميرون حلبة السباق على الزعامة، ثم بعد أن أصبح زعيما للحزب.
تعزو الدوائر الانتخابية ذلك إلى ما تسميه تأثير كوربين، يقول غاري بارفين، سكرتير دائرة هاي بيك، إن عدد الأعضاء في دائرته ارتفع من 100 إلى 463، وأن 259 شخصا انضموا إلى الحزب بعد انتخابات مايو وقبل الـ30 من سبتمبر، ويضيف: "بشكل رئيسي، نعم، هم من مؤيدي كوربين".
وحينما سئل عما إذا كانت إعادة تشكيل الحزب حتى يعكس القيم اليسارية أكثر أهمية بالنسبة لهم من الفوز بالانتخابات العامة سنة 2020، قال بارفين: "بصراحة، نعم، هناك الكثير من الناس المدفوعين أيديولوجيا ممن يشعرون بأننا سنخسر الانتخابات على أي حال، فالأحرى بنا ألا نخسر أيا من مبادئنا".
وفي ذلك تقول جوان هيبوارث، سكرتيرة دائرة بونتيفراكت وكاسيلفورد في ويست يوركشير: "انضم إلينا 360 عضوا جديدا منذ الانتخابات، والآن لدينا 610 أعضاء. وما بين السابع من مايو والثاني عشر من أغسطس، انضم إلينا 144 عضوا جديدا، وأما البقية فقد انضموا إلينا منذ ذلك الوقت، ومعظمهم انضموا خلال السباق على رئاسة الحزب".
ليس هذا رأي الجميع على كل حال، فهذا بريمور هوليويل، سكرتير دائرة كارفيلي في جنوب ويلز يقول: "كثير منا منزعجون بشأن كوربين، إنه إنسان رائع ولكنه لا يصلح رئيسا للوزراء".
ورغم ذلك، وبشكل عام، يشير الدعم الذي يحظى به كوربين على مستوى قواعد الحزب إلى أنه سينتصر في نهاية المطاف في معركته مع الكتلة البرلمانية التابعة للحزب فيما لو فكر هؤلاء بالانقلاب عليه.
تشكو بعض الدوائر من أن الأعضاء الشباب إما أنه لم يحضر أي منهم الاجتماعات بعد، أو أن بعضهم حضروا لمرة واحدة فقط. ولكن هناك من يقول بأن الأعضاء الشباب يشاركون بهمة وفاعلية، وبعض الدوائر تقول بأن هوة بدأت تظهر وتتسع بين الأعضاء القدامى المتعودين على النقاشات المحكومة بأصول متعارف عليها داخل الحزب والأعضاء الجدد الذين ينشدون جرعة أكبر من الحماسة والعاطفة في الممارسة السياسية.
تقول كريستينا واتكينز، سكرتيرة دائرة ساوثامبتون ورومزي: "لدينا الكثير من الأعضاء القدامى العائدين الذين يعتقدون بأن الاجتماعات وأسلوب إدارة السياسة المحلية ينبغي أن تجري بالنمط نفسه الذي كانت عليه في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بدلا من اللقاء في الحانة أو التوجه إلى منزل شخص ما لتناول قدح من النبيذ، يرغب الأعضاء العائدون في الاجتماع في قاعة المدينة والجلوس متحلقين ينادي كل منهم الآخر (أيها الرفيق) أو (السيد الرئيس)".
وتضيف: "عند نقطة ما سوف يقع صدام بين هؤلاء الأعضاء القدامى والأعضاء الجدد، بين أولئك الذين يرون أن بصدد العودة إلى السياسات القديمة وأولئك الذين يرون أننا بصدد سياسات من نوع جديد".
يقول منظمو مجموعة "مومينتام" التي تأسست في وقت متأخر من العام الماضي، والتي تشرع أبوابها لاستقبال الأعضاء من خارج حزب العمال ومن داخله، بأن الهدف من هذا المشروع ليس التخلي عن أعضاء البرلمان المناهضين لكوربين أو المنتسبين لتيار طوني بلير، وإنما للاستفادة من الحماسة التي يبديها الجيل الجديد.
وتقول جين ميدلتون، رئيسة دائرة باث الانتخابية: "هؤلاء بشكل رئيسي هم من مؤيدي كوربين، بعضهم من مؤيدي كوربين المتحمسين، وانضموا إلى الحزب تحديدا بسببه ولأجله، منذ أن انضموا وهم يبدون استعدادا للعمل وجلبوا معهم خبراتهم. ينشطون في إنجاز العمل وليسوا ممن يكتفي بالكلام. بعضهم كان في الحزب وتركه خلال فترة طوني بلير والحرب العراقية، وليس صحيحا أنهم من أتباع اليسار المتطرف، فهم لا يشبهون غلاة اليسار في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي".
يظهر الاستطلاع اهتماما ضئيلا على مستوى الدوائر الانتخابية بإقصاء النواب الحاليين من الترشح في الانتخابات المقبلة، إلا أن الأعضاء يقرون بأنه فيما لو مضت الحكمة قدما في خطتها تغيير حدود الدوائر في عام 2018، وتخفيض مقاعد البرلمان إلى 600، فقد يحصل إقصاء بأمر الواقع.
ولدى سؤال داميان كورفيلد، سكرتير دائرة دادلي نورث، عن احتمال إقصاء النواب الحاليين قال: "نعم، لقد تحدث الناس عن ذلك، ولكنها قضية لا تؤخذ على محمل الجد داخل الكتلة البرلمانية للحزب".
تشير فروع الحزب في الدوائر الانتخابية إلى أن الأعضاء يرغبون في أن يكون لهم قول في القضايا الكبيرة مثل التصويت في مجلس العموم الشهر الماضي حول مسألة قصف سوريا.
وهذا ستيف ويلسون، الوكيل الانتخابي للنائبة أنجيلا سميث، والتي تمثل دائرة بينيستون وستوكسبريدج في ساوث يوركشير، والتي صوتت لصالح الضربات الجوية، يقول: "وصلنا إلى ما يقرب من أربع عشرة رسالة إيميل أو مكالمة هاتفية سلبية من أعضاء كانوا غير مسرورين بالطريقة التي صوتت بها أنجيلا".
وأما دافيد بلاومان، سكرتير دائرة ساوث سافوك فيقول إن القضية السورية كشفت عن مدى تأثير الأعضاء الجدد، ويضيف: "أجرينا حوارا عبر الإنترنيت وكان 90 بالمائة من المشاركين ضد الضربات الجوية وعشرة بالمائة معها. قبل انضمام الأعضاء الجدد كانت النسبة ربما 60 بالمائة مقابل 40 بالمائة، وما كانت لتكون بهذا الشكل الحاسم، فالناس عارضوا هذه الهجمات بقوة وبعاطفة جياشة".