نشرت صحيفة "نيويورك تايمز تقريرا للكاتب ريك غلادستون، يقول فيه إن الباحث والأكاديمي المتخصص في الشرق الأوسط أندرو سكوت كوبر، يلقي الضوء من زاوية مختلفة على اختفاء الإمام موسى
الصدر في سبعينيات القرن الماضي في كتابه، الذي سيصدر قريبا تحت اسم "ذي فول أوف هيفن"، الذي يعني "سقوط السماء"، حيث أشار في كتابه إلى أن "الشاه كان على استعداد للتفاوض مع موسى الصدر"، الذي لا يزال اختفاؤه عام 1978، بعد زيارة قام فيها إلى ليبيا، يشكل لغزا كبيرا حتى يومنا هذا.
وتقول الصحيفة إنه أجريت التحقيقات، وكتب الكثير من الكتب والمقالات حول مصير الإمام موسى الصدر، ذي الشخصية الكارزماتية، الذي ولد في
إيران، وهو سليل عائلة متدينة ذات نفوذ، واختار
لبنان ليعيش فيها، وبقي فيها عقدين، مدافعا عن الشيعة الفقراء، وآخر مرة تمت رؤيته ومرافقيه فيها كانت في 31 آب/ أغسطس 1978 في مطار طرابلس. وأشار الكثير بأصابع الاتهام في اختفائه إلى مخابرات الزعيم الليبي السابق العقيد معمر
القذافي، مع أن الدوافع غير واضحة.
ويستدرك التقرير بأن كتاب كوبر، الذي سيصدر قريبا، يشير إلى أن سقوط الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979، يلقي الضوء من زاوية جديدة على اختفائه، ويشير الكاتب إلى أن رجال الدين الثائرين في إيران، الذين كان يقودهم آية الله
الخميني من المنفى، قد يكونون رأوا في الصدر تهديدا.
ويقول كوبر في الكتاب، الذي يتحدث عن آخر أيام الشاه، إنه كانت هناك اتصالات سرية بين الشاه والصدر، بالرغم من التوتر العلني، ويضيف أنه ربما كان الشاه يرغب بأن يعود الصدر إلى إيران لإحباط طموحات الخميني في الأشهر التي سبقت الثورة، الأمر الذي لو تم لكان غير مسار التاريخ.
ويشير التقرير إلى أن الكتاب يقدم أدلة تشير إلى عدم تقة الصدر بالخميني، حيث كان يعده "مجنون خطر"، خلاف ما كان يظهر علنا من علاقات نسب، ويقول أيضا إن الصدر أخبر الشاه بعدم ثقته.
وينقل غلادستون عن مؤلف الكتاب كوبر، وهو الأستاذ في جامعة كولمبيا، قوله: "القصة التي ستراها في الكتب إلى الآن هي أن موسى الصدر كان ضد الشاه ومؤيدا للخميني، ولكن هذا (الكتاب) ينسف هذه الرواية".
وتلفت الصحيفة إلى أن كوبر متخصص في الشرق الأوسط، وكان قد كتب "ذي أويل كنغز" ويعني "ملوك النفط"، أرخ فيه لتطور صناعة النفط في الخليج عام 2012، وقضى الثلاثة أعوام الماضية يبحث لكتابه الجديد، الذي سينشر في شهر تموز/ يوليو، عن طريق الناشر هنري هولت أند كومباني.
ويشير التقرير إلى أن الفقرات التي يذكرها الكاتاب حول الإمام المختفي، تأتي بناء على مقابلات مع عائلة الشاه ومع رجال دين سابقين في إيران، بحسب ما قاله كوبر، لافتا إلى أن أكثر الأمور أهمية هو أن كوبر تحدث مع مستشارين سابقين وذوي علاقة مع الشاه، الذين قال عنهم إنهم كانوا صامتين، أو لم يعيروا اهتماما بشأن ما سبق سقوط نظام الشاه.
يقول كوبر: "كان الشاه على استعداد للدخول في مفاوضات مع موسى الصدر، وأزعم أنه كان الأمل الكبير من ناحية تعايش التشيع مع المعاصرة. ولكن اختفاءه حطم ذلك، وفتح الطريق أمام التشيع المتطرف في إيران".
ويجد الكاتب أنه مع أن الموضوع الرئيسي للكتاب هو الشاه، الذي توفي عام 1980 في مصر، إلا أنه يشير إلى خيوط مؤامرة مثيرة ضد الصدر، الذي صار شهيدا لشيعة لبنان، وبقيت حركة "أمل"، التي أسسها عام 1975 للدفاع عن شيعة لبنان في الحرب الأهلية اللبنانية، قوة سياسية إلى يومنا هذا.
وتبين الصحيفة أن النظرية السائدة حول اختفاء الصدر ومرافقيه، هي أن القذافي الذي دعاهم إلى طرابلس، أمر باختطافهم وقتلهم. وأن القذافي، الذي كان يدعم المجموعات المسلحة، كان ربما قد تصرف بناء على طلب من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، وقد غضب عرفات من الصدر؛ لمعارضته وجود قواعد للفدائيين بالقرب من الحدود اللبنانية مع إسرائيل.
وينوه التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن روايات أخرى تقول بأن تبرعات أرسلتها ليبيا لحركة "أمل" فقدت، وأخرى بأن سوريا كانت تعد نفوذ الصدر في لبنان عقبة لطموحاتها هناك، أو أن الصدر كان في الجانب الخاسر من صراع شيعي داخلي على السلطة في لبنان، والبعض يقول إن مخابرات الشاه قامت بقتله.
ويورد غلادستون أن العقيد القذافي كان يصر على أن الصدر ومرافقيه غادروا ليبيا إلى إيطاليا، مستدركا بأن هذا الادعاء يصطدم بتحقيقات المحققين الإيطاليين.
ويقول الكاتب إنه بغض النظر، فإن الاهتمام بالقضية لا يزال قائما، لدرجة أنه عندما سقط نظام القذافي عام 2011، تزايدت التوقعات باحتمال وجود الصدر حيا في أحد السجون السرية على مدى الثلاثين عاما الماضية.
وتذكر الصحيفة أن التساؤل عن مصير الصدر عاد إلى الواجهة الشهر الماضي، عندما تم احتجاز ابن القذافي الأصغر هنيبعل، والتحقيق معه حول لغز اختفاء الإمام.
ويجد التقرير أنه بينما قد يعد زعماء إيران الكتاب استرجاعا للتاريخ، يقول المختصون بتاريخ الشرق الأوسط إن تعاونا بين الصدر والشاه أمر محتمل.
وينقل غلادستون عن الأستاذ في جامعة بوسطن أوغستس ريتشارد نورتون، الذي كان أحد مراقبي الأمم المتحدة في لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، قوله في كتاب حول "أمل"، نشره عام 1987: "أنا سمعت أيضا أنه كان هناك دور إيراني في اختفاء الصدر"، ويقول إنه يعتقد أيضا بأن الصدر "تقارب مع الشاه، ولا شك في أنه كان يحصل على تمويل من الشاه".
ويقول كوبر إن كتابه يقدم المعلومات التي لم تنشر حول الاتصالات بين الصدر والشاه، ومنها تحذير بعث به الصدر للشاه حول المحاضرات الهدامة لآية الله الخميني، وعرض في أوائل صيف عام 1978 قبل أسابيع قليلة من اختفائه، بتحويل زخم آية الله.
وتورد الصحيفة أنه بينما كان معروفا أن الشاه حاول التوصل إلى حل سياسي مع رجال الدين المعتدلين في إيران، يقول كوبر "ما هو جديد هو أن المعتدلين كانوا يحاولون تقديم استراتيجية للتغلب على الخميني، وكانت إحدى الأفكار المطروحة أن يعود الصدر إلى إيران".
ويلفت التقرير إلى أن هذه المعلومات الجديدة مأخوذة بشكل جزئي من علي كاني، الذي كان مستشارا مهما للشاه، وكان صديق طفولة للصدر. وكاني، الذي يعيش الآن في أوروبا وهو في الثمانينيات من عمره، عمل همزة وصل بين الصدر والشاه.
ويشير الكاتب إلى أن لبنان انحدر في أواسط السبعينيات إلى فوضى طائفية، وجذب الكثير من المعارضين الإيرانيين، الذين تدربوا على فنون القتال. واعتبر الشاه الصدر مسؤولا بشكل جزئي عن ذلك، وسحب منه جواز سفره.
وتستدرك الصحيفة بأنه في تموز/ يوليو عام 1978 أرسل الصدر رسالة للشاه من خلال عميل إيراني في بيروت، يعرض فيها التحدث إلى الخميني نيابة عن الشاه، ويساعد الشاه على إرضاء المعارضين في المؤسسة الدينية، بحسب ما يقول الكتاب.
وبحسب التقرير، فإن الكتاب يذكر أن الشاه وافق على إرسال مبعوث عنه ليقابل الصدر في ألمانيا الغربية في أيلول/ سبتمبر، ولكن لم يكن ذلك اللقاء ليحصل. وبحسب الكتاب فإن العقيد القذافي عرض أن يرتب لقاء في آب/ أغسطس بين الصدر وكبير مستشاري آية الله الخميني، آية الله محمد بهشتي، المنظم الرئيسي للتمرد على الشاه.
ويفيد غلادستون بأن الصدر سافر من إلى ليبيا ومعه مستشاره الشيخ محمد يعقوب والصحفي اللبناني عباس بدارين، وبعد أيام من الانتظار في فندق في طرابلس، فقد الصدر صبره، وقرر أن يغادر في 31 آب/ أغسطس، دون لقاء آية الله بهشتي، مشيرا إلى أن هذه رواية ليس عليها اختلاف، ولكن ما حصل بعد ذلك، هو ما لم يتم تأكيده.
وتورد الصحيفة أنه بحسب كتاب "ذي غود سباي"، الصادر عام 2014، الذي يروي سيرة مسؤول محطة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في بيروت في ذلك الوقت روبرت أميس، فإن الصدر ومرافقيه شوهدوا في قاعة الـ"في آي بي" في مطار طرابلس، وقد اعتدى عليهم رجال القذافي وحملوهم في سيارة. كما يذكر كتاب السيرة هذا أن آية الله بهشتي اتصل بالقذافي، وطلب منه إيقاف الصدر من المغادرة، وقال له إن الصدر عميل غربي.
وتتابع بأنه عندما علم الشاه باختفاء الصدر، أرسل كاني ليسأل الزعماء العرب ماذا حصل له، بحسب كتاب كوبر، وأخبر كاني بأن الصدر قتل بأوامر من القذافي. ويستشهد الكتاب بقول كاني بأن الرئيس المصري آنذاك، أنور السادات، قال له وبحسب مصادره الاستخباراتية، بأن الكولونيل القذافي "وضع جسد موسى الصدر في صندوق، وغلفه بالإسمنت، وأسقطه من طائرة هيلوكبتر في البحر الأبيض المتوسط".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الكتاب يستشهد أيضا بقول كاني، إنه عندما أخبر الشاه بذلك "غضب غضبا شديدا، وبقي جالسا في كرسيه لمدة 10 دقائق".