وفق كل المعايير السوية والسليمة، يجب أن يشكل إطلاق سراح الوزير اللبناني الأسبق ميشال سماحة، صفعة لحزب الله وليس لأي فريق آخر، تفوق حتى تلك الصفعة التي وُجهت لكل ما يسمى "محور المقاومة والممانعة"، يوم انكشاف تورط مستشار بشار الأسد في التجهيز لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف مسلمين ومسيحيين في لبنان، بأوامر من علي مملوك مدير مكتب الأمن القومي لنظام الأسد، بهدف إحداث فتنة مذهبية هناك.
وبشديد اختصار، فإنه بعد اعتراف سماحة بجريمته، الموثقة أصلا بالصوت والصورة، يكون السؤال: ماذا يبقى من صورة حزب الله وحلفائه المحتفين بإطلاق سراح مدان بالإرهاب قبل أيام؟
هو إطلاق سراح بحجم إدانة كاملة، جديدة وليست الأولى، لحزب الله؛ تعزز حقيقة انتهاء الحزب إلى فصيل طائفي تماماً؛ يميز بالتالي بشأن الإرهاب وفق مصالحه الطائفية فقط، بين إرهاب مقبول يحق الدفاع عنه وحتى الاحتفال به، وإرهاب سيئ بالقدر الذي يبيح مجازر جماعية كما يفعل الحزب ذاته في سوريا. وإذا كان قد تم تبرير كل جرائم الأسد، أبا وابنا، ومعهما حزب الله، باسم "المقاومة والممانعة"، فإن هذه الذريعة تحديدا تعيد اليوم التذكير بقضية ضابط الجيش اللبناني فايز كرم، أحد أبرز المقربين من رئيس التيار الوطني الحرّ ميشال عون المتحالف مع الحزب، الذي نال حكما بالسجن سنتين فقط بعد اعترافه بالتعامل مع إسرائيل!
لكن من المنظور الطائفي أيضا، يمكن اعتبار إطلاق سراح سماحة صفعة للبنان أيضا وأوسع منه. ففيما يُطلق سراح الإرهابيين والعملاء على أساس التحالفات الطائفية؛ يقبع العديد من السجناء السُنّة، من دون محاكمة، في السجون اللبنانية، بدعاوى الإرهاب والتطرف. ولتكون بذلك الرسالة واضحة، بأن على المجتمعات السُنّية وسواها الخضوع تماما لإرادة حزب الله وإيران، وبما يعني دفع هذه المجتمعات إلى مزيد من التطرف، حماية لنفسها وتحصيلا لحقوقها بعيدا عن "الدولة" ومؤسساتها.
والحقيقة أن تلك رسالة إيرانية مقصودة تماما، لكنها لا تستهدف السُنة فقط، بل وأيضاً الشيعة العرب.
إذ في هذا السياق فقط، يمكن قراءة تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، الأسبوع الماضي، عن وجود ما يقرب من 200 ألف مقاتل مرتبطين بالحرس الثوري في 5 دول، منها ثلاث عربية؛ سوريا والعراق واليمن، إضافة إلى باكستان وأفغانستان.
فإذا كان بدهيا أن إيران لا تملك هذا العدد من المقاتلين من مواطنيها في تلك الدول، فلا يعود من تفسير سوى أن هدف الجنرال الإيراني هو إثارة الريبة والشك بشأن المواطنين العرب الشيعة، الذين يريد نظام الملالي جعلهم خاضعين له بحكم انتمائهم المذهبي فقط، وتصويرهم على أنهم ساعون إلى تكرار نموذج حزب الله في لبنان، كما المليشيات الطائفية التابعة لإيران في العراق ومذابحها الأحدث في ديالى، مع كل ما يتبع ذلك من توترات طائفية قد لا يكون لها أساس منطقي على الأغلب ضمن البلد الواحد، لا تلبث أن تتحول إلى صراعات دموية.
أليست هذه هي البيئة المثلى لتنظيم "داعش" وأشباهه؟
عن صحيفة الغد الأردنية