تُعرض الخصومة المتزايدة بين
السعودية وإيران مساعي
السلام في
اليمن للخطر، حيث منحت الحرب المستمرة منذ تسعة أشهر موطئ قدم لمتشددين إسلاميين في البلد المتاخم للمملكة.
وجرت محادثات الشهر الماضي في سويسرا بين الفصائل الرئيسية المتحاربة في اليمن، وهم المقاتلون الموالون للرئيس اليمني المدعوم من السعودية عبد ربه منصور هادي الذين يحاربون جماعة الحوثي المدعومة من
إيران والمتحالفة مع أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وتهدف المحادثات إلى إنهاء الحرب التي قتلت قرابة ستة آلاف شخص.
وكان من المقرر أن تلتقي الفصائل مرة أخرى في الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير في محاولة لإبرام اتفاق دائم، لكن الرياض قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران في خلاف فجره إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر يوم الثاني من كانون الثاني/ يناير.
وبعد فترة قصيرة من الخلاف الذي جرى خلاله اقتحام السفارة السعودية في طهران، تأجلت المحادثات التي تجرى بين الطرفين بوساطة الأمم المتحدة، ولم يعلن موعد محدد لاستئنافها.
وترى السعودية أن إيران تمثل خطرا كبيرا على الاستقرار في الشرق الأوسط بسبب دعمها لفصائل شيعية تقول الرياض إنها أججت العنف الطائفي.
وبالنسبة لأسرة آل سعود الحاكمة، فقد مثل الاتفاق النووي الذي أبرم أخيرا بين إيران والقوى العالمية الست ضربة مزدوجة، إذ إنه حرر إيران من العقوبات التي كانت المملكة تعتقد أنها ساهمت في كبح جماح الطموح الإيراني في المنطقة، كما أثار شبح تحسن العلاقات بين طهران وواشنطن حليفة الرياض.
ورغم أن حكومة اليمن غارقة منذ فترة طويلة في صراع مع المتشددين الإسلاميين والانفصاليين ومقاتلين قبليين، فإن الحرب تتزامن مع اضطرابات لم يشهدها الشرق الأوسط من قبل.
وتعد حملة السعودية في اليمن المرة الأولى التي تواجه فيها الرياض بشكل صريح ما ترى أنها سياسة إيران التوسعية بالمنطقة.
وما دامت الحرب مستمرة في اليمن، تتزايد الفرص أمام المتشددين لكسب أراض مع استغلالهم الفراغ الأمني في البلاد.
وظهر تنظيما "الدولة" و"القاعدة" في مناطق في اليمن لم يكن لهما فيها وجود قبل دخول السعودية في الصراع، وقبل بدء حملة التحالف الذي تقوده الرياض في قصف
الحوثيين في آذار/ مارس 2015.
وتتبادل السعودية وإيران اللوم بشأن صراع اليمن، الأمر الذي فاقم الخصومة في المنطقة بين البلدين والتي تتجلى في دول مثل سوريا والعراق ولبنان والبحرين.
وقالت أبريل لونجلي آلي، كبيرة المحللين المختصين بشؤون شبه الجزيرة العربية لدى مجموعة الأزمات الدولية: "الوضع في المنطقة سيشدد على الأرجح موقف السعوديين من الحوثيين الذين يعتبرونهم وكلاء لإيران".
وأضافت أنه في المقابل، فإن هذا قد يقوي شوكة "التوجهات الأكثر تشددا داخل الحركة الحوثية التي ترى الأحداث في المنطقة بداية النهاية للملكية السعودية".
"ضرورة وجودية" للسعودية
على المستوى الميداني وصل الصراع في اليمن إلى طريق مسدود.
فرغم الضربات الجوية التي تقودها السعودية، لا يزال الحوثيون يحكمون سيطرتهم على صنعاء. وسيطر المقاتلون الموالون لهادي والمدعومون من قوات أغلبها إماراتية وسعودية على مدينة عدن الجنوبية التي أصبحت العاصمة الفعلية للبلاد.
وقال دبلوماسي كبير يتابع شؤون اليمن، إنه بالنسبة للسعوديين فإن نجاح الحرب في اليمن هو "ضرورة وجودية".
وتابع يقول: "مما أراه على الأرض، فإن الحوثيين وصالح يخسرون بشكل متزايد... لكن هناك حدود لذلك.. فالحوثيون لا يقهرون في الشمال"، مضيفا أن هذا يعني أن احتمال أن يتوقف أي من الجانبين عن القتال أمر مستبعد.
والولايات المتحدة التي تدعم المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة هي مورد كبير للأسلحة للسعودية، ويقول مسؤولون أمريكيون إن تبادل المعلومات مع الرياض بشأن أهداف محتملة في اليمن زاد منذ آذار/ مارس.
وبالتزامن مع قطع السعودية للعلاقات مع إيران، كثف التحالف الذي تقوده المملكة الضربات الجوية على مواقع الحوثيين.
وبعد أيام من قطع العلاقات، اتهمت طهران السعودية بقصف سفارتها في العاصمة اليمنية صنعاء، وهو اتهام نفته الرياض بشدة. وقال شهود عيان وسكان على الأرض أيضا إن السفارة لم تتضرر.
ويظن معلقون مؤيدون للسعودية أن إيران وجهت ذلك الاتهام لصرف الانتباه عن هجوم متظاهرين غاضبين بسبب إعدام نمر النمر على السفارة السعودية في طهران.
وأظهر الاشتباك مدى سرعة تأثير الكلمات الصادرة عن مكاتب السلطة في طهران والرياض على الأرض في اليمن، الأمر الذي شدد المواقف بين الوكلاء، وعرقل التقدم صوب إنهاء الحرب التي شردت عشرات الآلاف.
وقال مختار الرحبي، السكرتير الصحفي لمكتب الرئاسة اليمنية، لرويترز، إن الهجمات على السفارة السعودية زادت من تشدد مواقف الدول العربية السنية في الخليج والتي قلص بعضها تمثيله الدبلوماسي مع إيران بشكل ما.
وقال الرحبي: "ستجد إيران نفسها معزولة وهي تقاتل الجميع، وسينعكس هذا على الأزمة اليمنية لأن إيران سيكون عليها أن تقدم بعض التنازلات في اليمن مقابل بعض المرونة في مواقف دول الخليج".
وحمل الرحبي إيران مسؤولية فشل المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة لأن الحوثيين "ماطلوا" في تنفيذ مطالب رئيسية.
وأجريت أحدث جولة من المحادثات في كانون الأول/ ديسمبر في ظل هدنة هشة تعرضت لانتهاكات على نطاق واسع.
أولوية منخفضة بالنسبة لإيران
ما تراهن عليه إيران في اليمن على المستوى الاستراتيجي أقل منه في سوريا، حيث إنها الداعم الوحيد للرئيس بشار الأسد في المنطقة، وكذلك في العراق، حيث ترتبط بعلاقات أيديولوجية وثيقة مع الحكومة التي يقودها الشيعة.
لكن مراقبين سعوديين على قناعة بالتزام إيران بدعم حلفائها في اليمن. ويستشهد كثيرون بتصريحات مسؤول إيراني أشاد بما وصفه بسيطرة إيران على أربع عواصم عربية هي بيروت، ودمشق، وبغداد، وصنعاء، كدليل على ما يرونها مخططات خطيرة من إيران بشأن اليمن.
وقال المعلق السياسي السعودي البارز جمال خاشقجي: "من الخطر للغاية بالنسبة للسعودية حتى على المستوى الداخلي أن تتقبل هيمنة الإيرانيين على اليمن أو سوريا، لذا، فإن الثمن باهظ جدا بالنسبة للسعودية".
وعلى النقيض من الصراعات في سوريا، حيث أرسلت إيران مقاتلين من الحرس الثوري، وفي العراق حيث يعمل مستشارو الحرس الثوري إلى جانب فصائل شيعية مسلحة تقاتل الدولة الإسلامية فإن مدى وقوة الدعم الإيراني للحوثيين أكثر غموضا.
لكن "آلي"، المحللة لدى مجموعة الأزمات الدولية، تقول إن إيران "قامت باستثمار صغير للغاية في الحوثيين، وجنت عائدا سياسيا كبيرا".
وأضافت قولها: "من قبيل المفارقة أن الصراع يشجع العلاقة التي تخشاها السعودية، فهو يدفع الحوثيين أكثر فأكثر نحو المعسكر الإيراني رغم تردد إيران في المشاركة بشكل أكثر عمقا".
ويقول علي فتح الله نجاد، الخبير في الشؤون الإيرانية في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، إنه رغم أن إيران قد تلعب دورا إيجابيا في تهدئة بعض القوى في اليمن، فقد كانت هناك مبالغة في تقدير دورها هناك لتبرير تدخل الرياض.
ويتكهن البعض بأن حرب اليمن ربما تتحول يوما ما إلى ورقة تستخدم في إطار الصراع الأكبر على السلطة في المنطقة.
وقال كريم سجاد بور، كبير الباحثين في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: "إيران لديها إستراتيجية في اليمن.. وأظن أنها سترغب في أن تتنازل الرياض عن سوريا والعراق لإيران مقابل تخلي إيران عن دعمها للحوثيين".
ويعتقد دبلوماسي غربي مشارك في المساعي الدبلوماسية في المنطقة أن حل الأزمة في اليمن يعتمد على التقدم في سوريا.
وقال الدبلوماسي: "إذا كان هناك تحرك جاد وحاسم في سوريا- عملية سياسية تصاحب الصراع على الأرض أو العكس - فإن السعوديين وحلفاءهم سيودون إنهاء أزمة اليمن بشكل أسرع حتى يتسنى لهم التركيز على سوريا".