قالت مجلة "فورين بوليسي" إن النظام
المصري لعبد الفتاح
السيسي يعاني من انقسام داخلي، مشيرة إلى أن الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة المصرية لمنع المتظاهرين من إحياء الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، لا تلغي حقيقة أن الخوف على النظام لا يأتي من المتظاهرين الذين قرروا البقاء في بيوتهم، ولكن الخوف نابع من النظام ذاته.
ويقول الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إريك تريغر، في تقريره، إن شعور السيسي بالخوف له مبرراته، فشعبيته تراجعت، وهذا لا يعني بالضرورة أن هناك ثورة شعبية على الباب، مشيرا إلى أن الأشهر الماضية كشفت عن أن ضعف النظام نابع من الداخل.
ويضيف الكاتب أن مخاوف السيسي من ثورة جماهيرية ثانية تأتي من معرفته بالمحفزات السابقة التي أشعلت شرارة ثورة 25 يناير، وهو خائف من أن يعيد التاريخ نفسه من جديد، لافتا إلى أن السيسي كان في عهد الثورة الأولى، التي أطاحت بحسني مبارك، مديرا للمخابرات العسكرية، وكان عضوا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولى القيادة بعد تنحي مبارك.
ويشير التقرير إلى أنه عندما اندلعت الاحتجاجات في حزيران/ يونيو 2013، التي أطاحت بالرئيس المنتخب محمد مرسي، كان السيسي وزيرا للدفاع. وبعدها أصبح السيسي، كما كتب تريغر، العدو الأول للإخوان المسلمين، وبطلا في الوقت ذاته في عيون الكثير من المصريين، الذين خافوا من الإخوان. وبناء على هذا فاز السيسي في انتخابات الرئاسة في أيار/ مايو 2014، التي غاب فيها المنافسون.
وتكشف المجلة عن أن ما يسميها البعض "فترة شهر العسل" قد انتهت، وتنقل عن رجل أعمال على علاقة مع النظام قوله: "إن كانت نسبة دعمه عندما انتخب هي 93%، فقد انخفضت الآن إلى 60%". والسبب، كما يقول، هو شعور المصريين بالضغوط الناجمة عن بطء النمو الاقتصادي، وتراجع الاحتياط من العملة الصعبة، وارتفاع التضخم، وزيادة نسب البطالة التي لا تزال في تزايد مستمر.
ويذكر تريغر أن الشكوى من الأوضاع أصبحت علانية، وأكثر من أي وقت مضى، مشيرا إلى أن "المصريين رغم الظروف الصعبة التي يواجهونها، فإنهم ليست لديهم الرغبة بإعلان ثورة شعبية جديدة، خاصة أن تجربة السنوات الخمس الماضية جعلت الكثيرين منهم يترددون في المخاطرة، خاصة في ظل غياب البديل عن السيسي".
ويجد التقرير أنه بناء عليه، فإن ثورة أخرى قد تؤدي إلى الدخول في حالة من عدم الاستقرار، لافتا إلى أن حذر المصريين نابع مما حدث للربيع العربي، والفوضى التي خلفها في دول أخرى، مثل اليمن وسوريا وليبيا والعراق، وهو ما يجعلهم يفضلون الوضع القائم على الفوضى.
وتستدرك المجلة بأن العامل الأهم الذي يعد حاسما في مصير النظام هو ما رصد من توتر جديد ظهر داخل النخبة الحاكمة، وعلاقة الرئيس برجال الأعمال والشرطة والجيش والاستخبارات.
ويلفت الكاتب في هذا السياق إلى أن المحللين عادة ما يتحدثون عن "
الدولة العميقة" وكأنها كتلة واحدة ذات أجندة موحدة، إلا أنهم يتجاوزون ما يربط بين أفرادها، وهم أصحاب المصالح من النظام الماضي.
ويقول تريغر: "الدولة العميقة هي تحالف غير متماسك، يضم عددا من مراكز القوى: الجيش والمخابرات والشرطة والقضاء، بالإضافة إلى الكيانات القبلية المؤثرة في منطقة الدلتا وعشائر الصعيد، والإعلام الخاص، ومجتمع رجال الأعمال. وكل مجموعة لها مصالحها الخاصة، وتتنافس فيما بينها، كما كان الحال بين وزارتي الداخلية والدفاع في عهد مبارك".
ويرى الكاتب أن ما جمع هذا الشتات المتناقض، وجعل تلك المجموعات تدعم السيسي هو العداء للإخوان المسلمين، فقد اتحدت هذه المجموعات معا؛ لمنع عودتهم إلى الحكم.
ويلاحظ التقرير هنا أن مسألة الخوف من الإخوان اختفت في الأشهر الأخيرة، فلم تعد الجماعة تهديدا؛ بسبب سجن الآلاف من أبنائها، وإجبار قادتها على الهروب، ومن بقي منهم داخل مصر لا يرغب بالمخاطرة بحياته، في وقت انقسمت فيه الجماعة على نفسها، ولم تعد في هذه الحالة حركة متماسكة قادرة على التعبئة والتجنيد كما كانت في الماضي.
وتنقل المجلة عن جنرال في الجيش قوله، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015: "لم نعد نسمع عن الإخوان كثيرا الآن"، وأضاف: "يقومون بإحداث بعض المشكلات، لكنهم لا يحققون أي نتائج".
ويعتقد تريغر أنه بتلاشي تهديد الإخوان، الذي وحد قاعدة الحكم الرئيسة لدى السيسي، فإن توترات بدأت بالظهور داخلها، ويرى الكاتب أن أوضح مثال على تصدع النظام، هو تدهور علاقة السيسي بمجتمع رجال الأعمال، مع أن هؤلاء كانوا يشكون في قدراته عندما تولي الحكم منتصف عام 2014، إلا أنهم شعروا بالخوف عندما اعتقل رجل الأعمال صلاح دياب في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر، ووجهت له تهم فساد مالي وحيازة سلاح بطريقة غير قانونية.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، نقلا عن عدد من رجال الأعمال قولهم إن المشكلة ليست في اعتقال دياب، وقال أحدهم: "فنحن مع تطبيق القانون"، ولكن المشكلة هي في الطريقة التي اعتقل فيها؛ حيث داهمت قوات مكافحة الإرهاب بيته في الساعة الخامسة صباحا، وكان نائما في غرفة النوم، وبجانبه زوجته، وقاموا بتقييده وابنه، وسربوا صور الاعتقال للإعلام.
وتنقل المجلة عن رجل أعمال قوله إن طريقة الاعتقال "ذكرتنا بأيام عبد الناصر عندما كانوا يعتقلون الناس من بيوتهم عند الفجر"، أو ما عرف بـ"زوار الفجر". وأكد رجل أعمال تحدث إليه الكاتب أن اعتقال دياب لم يكن ليتم دون موافقة من السيسي.
وينوه الكاتب إلى أنه "بدلا من تطييب خاطر رجال الأعمال، قام السيسي بمهاجمتهم في خطاب ألقاه في بور سعيد قبل ثلاثة أسابيع. وتساءل في الخطاب عن سبب قلق رجال الأعمال، قائلا بصرامة: (اعملوا وابنوا وعمّروا). ورغم هذا، فلا يرى رجال الأعمال بديلا عن السيسي؛ لأنه من يملك القرار، وقال أحدهم: (الناس لا يحبوننا، الناصريون واليساريون والإعلام كلهم يكرهون رجال الأعمال)".
ويفيد التقرير بأن حادثة اعتقال دياب أثارت خوف مجتمع رجال الأعمال، فيما يخشى المسؤولون الاقتصاديون أن يبحث المستثمرون المحليون والأجانب عن أماكن أخرى.
وتشير المجلة إلى أن الجانب الثاني من التصدع متعلق بالتوتر مع الأجهزة الأمنية، لافتة إلى الطبيعة الغامضة التي تعمل من خلالها وعلاقتها المؤثرة على شبكات الإعلام الخاصة، مبينة أنه من غير المستبعد أن تكون هذه الأجهزة تقوم بالإيحاء وتشجيع النقد للسيسي، كما بدا خلال الأشهر الماضية.
ويلفت تريغر هنا إلى مهاجمة مقدمة البرامج لميس الحديدي، التي قالت بعد اعتقال رجل الأعمال دياب والناشط في مجال حقوق الإنسان حسام بهجت إنها "مؤامرة أجنبية". وعلقت قائلة: "لا نريد مؤامرة أجنبية"، في إشارة إلى ولع الحكومة بالحديث عن نظريات المؤامرة، وإلقاء مظاهر فشل الحكومة كلها عليها. وأضافت الحديدي: "نحن نظرية مؤامرة؛ لأننا نتآمر على أنفسنا". وفي السياق ذاته انتقد زوجها عمرو أديب في برنامجه التلفزيوني النظام بلهجة أوضح، عندما قال إن مصر لن تموت لو رحل السيسي، وقال: "مصر مش هتموت لو مشيت، عبدالفتاح السيسي ابن من أبناء مصر، ولها أبناء كثيرون مستعدون لخدمة البلد".
وتقدم المجلة أدلة على التنافس بين أجهزة الأمن المصرية، التي عادة ما تتنافس للحصول على التمويل والتأثير السياسي، مشيرة إلى أن ملامح من هذا التنافس ظهرت في البرلمان المنتخب حديثا، فقد قرر "حزب مستقبل وطن"، الذي يعزى نجاح أعضائه للمباحث العامة، الانسحاب الشهر الماضي فجأة من الكتلة الموالية للسيسي، التي يقودها جنرال سابق، وعندما عاد وانضم للكتلة بعد أيام، قال المتحدث باسمه إنه حصل على حصة للتأثير في المكتب السياسي.
ولا يفوت التقرير الإشارة إلى تصريحات توفيق عكاشة، كونها مثالا عن التنافس بين الأجهزة الأمنية، لافتا إلى أنه في كانون الأول/ ديسمبر، زعم عكاشة، الذي يعد من أكبر المروجين لنظريات المؤامرة، في مقابلة أجراها معه يوسف الحسيني، أن المخابرات المصرية العامة تحولت ضده، بعدما قدمت له الدعم، وقال: "أخذوا ما يريدون ثم أصبح عكاشة مشكلة". وقال إن أجهزة الأمن دعمت موقفه المتشدد والمعارض للإخوان المسلمين خلال فترة حكم مرسي، قائلا إن المخابرات اختبأت وراءه. وفي اليوم التالي، دعا الحسيني السيسي إلى التدخل، وإنهاء تدخل المخابرات في السياسة المصرية.
ويعلق الكاتب بأن "تدخل المخابرات في السياسة ليس جديدا، ولكن السماح لحكومة قمعية بانتقاد المخابرات يعكس نوعا من الصدع الداخلي في النظام".
وفي جانب الجيش وعلاقته المتوترة مع السيسي، تنقل المجلة عن مسؤولين أجانب قولهم عن وجود صدع بين الرئيس، الذي كان وزيرا للدفاع، ومؤسسة الجيش، وفي الوقت الذي تظل فيه المؤسسة العسكرية القاعدة الطبيعية لدعمه، لكن المسؤولين نسبوا التوتر إلى الحلقة السياسية الصغيرة، التي تفرخ، كما يقول الكاتب، حالة عدم ثقة، بل حسد، بين قيادات الجيش البارزة.
وبحسب التقرير، فإن مشكلات مصر الأمنية والاقتصادية زادت من مظاهر القلق داخل المؤسسة، وقال مسؤول للكاتب: "يقول الجنرالات إن السيسي معزول، وإنه أحاط نفسه بمجموعة من الرجال الذين لا يملكون أجوبة. وبدأوا يطرحون أسئلة، لماذا تغرق الإسكندرية؟ ولماذا قتل السياح المكسيكيون؟، هذا مثير للخجل".
ويبين الكاتب أنه بالإضافة إلى التوتر بين السيسي والجيش، فإن هناك انقساما بين القادة أنفسهم، الذين يظهرون حس لامبالاة للقادة الأكبر منهم في اللقاءات مع المسؤولين الأجانب، مشيرا إلى أنه يظل من الصعب تقييم عمق وخطورة الصدع داخل النظام، فطريقة عمل نظام السيسي تظل بعيدة عن عين المراقب الخارجي، وتظل حتى للقاعدة الرئيسة مثيرة للتشويش نوعا ما.
ويورد التقرير أنه رغم ذلك، فإن رجل أعمال مرتبطا بالنظام يؤكد أن هناك "بالتأكيد صراعا على السلطة"، ولكنه لا يعرف من هم "اللاعبون الرئيسون" داخل النظام، ويقول: "هناك نظام كان قائما (في عهد مبارك) تتوازن فيه المصالح، ثم انهار خلال الثورة، وهو لا يزال محلا للتنافس". وفي الوقت الحالي لا يتوقع المقربون من النظام تعديلا سياسيا مهما، علاوة على التغيير فيه. وبحسب مقدم برامج تلفزيونية معروف، فإنه "لو حدث شيء لهذا الرجل، فستدخل البلد في مرحلة صعبة".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أنه لو ظل السيسي في السلطة، فإنه لن يحافظ على موقعه في القمة بطريقة سهلة، فلو تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير، "فستبدأ المشكلات في غضون عام" بحسب المذيع التلفزيوني.