لم تتوقف ارتدادات التضارب في حالة الطقس في الأردن حول المنخفض الجوي المفترض قبل أيام، على اختلاف وجهات النظر الجوية بين الجهات الرسمية والجهات الأهلية، حول الطقس..
هذا التنافس حمل معه أيضا فرصا محتملة للظهور وإبداء الاهتمام والمشاركة من قبل بعض الشخصيات الرسمية السابقة من "الوزن الثقيل"، وتطرق البعض في تحليلاته إلى أنها محاولات من بعض الشخصيات لتلميع نفسها بل والمزاودة على الحكومة.
وهو ما ذهب إليه محللون أردنيون في تصنيف زيارة رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي ووزير الداخلية السابق حسين المجالي، لموقع "طقس العرب" المنافس لدائرة الأرصاد الجوية الرسمية، بأنها مناكفات سياسية من شخصيات أردنية باتت خارج المنصب الرسمي للحكومة الأردنية وأجهزتها.
وتأتي الزيارة بعد تضارب في التنبؤات الجوية بين "طقس العرب" (قطاع خاص) وبين دائرة الأرصاد الجوية الحكومية، حول قوة المنخفض القطبي الذي يضرب المملكة وتأثيره.
ولائم في المحافظات الأردنية
في الأثناء، فقد تم رصد زيارات لشخصيات رسمية سابقة للمحافظات الأردنية بوتيرة غير مسبوقة، عموديا من حيث نوعية الحضور من مختلف الطبقات الاجتماعية بميل نحو الطبقات الشعبية غير الحكومية، وجغرافيا امتدت لمحافظات فقيرة وقرى نائية، بعد أن كانت تلك التحركات والصالونات السياسية متركزة في العاصمة عمّان.
وقامت هذه الشخصيات السابقة، المقربة من القصر، بمناكفة الحكومة الأردنية الحالية ورئيسها، من خلال تصريحات مباشرة أو في الصالونات السياسية..
وكان آخرها انتقاد رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي لقرارات حكومة رئيس الوزراء عبد الله النسور بفرض الضرائب، قائلا: "الحقيقة أن معدلات الضريبة مرتفعة جدا اليوم وعائدات الضرائب منخفضة جدا، الطريقة الصحيحة لرفع الإيرادات على المدى الطويل هي خفض معدلات الضرائب".
الكاتبة الصحفية عطاف الروضان، ترى أن "رجال الدولة السابقين بدأوا نشاطهم بشكل مختلف للعودة للواجهة مرة أخرى، إما لاستلام منصب جديد أو لإثبات نجاحهم في مهماتهم السابقة وفشل من جاءوا بعدهم من باب ذر الرماد بالعيون".
وتقول الكاتبة لصحيفة "
عربي21": "الآن وخاصة بعد سنوات ما عرف بالربيع العربي فقد بدأ الخزان البشري في المحافظات بصياغة رأي خاص به. بدأت تظهر عليه ملامح التفرد والاستقلالية الأمر الذي يشي بتأثير حقيقي بدأت ملامحه تظهر ببطء ومرشحة لأن تكون أكثر عمقا".
مضيفة أن "بعض الأسماء الحالية والتي تولت أعلى المناصب في السلطة التنفيذية قبل سنوات بدأت استراتيجية جديدة لإثبات وجودها في الساحة العامة، وتتلخص بالاشتباك العام المباشر مع مكونات المجتمع الأردني والظهور الإعلامي المكثف في مختلف المناسبات، اجتماعية كانت أم سياسية".
زيارات مدفوعة الأجر
وبحسب مسؤولين أردنيين سابقين، فإنه "يمول بعض رؤساء الوزراء السابقين ولائم مدفوعة الأجر في المحافظات للإيحاء بأنهم شعبويون"، كما يقول وزير الثقافة ووزير التنمية السياسية الأسبق الدكتور صبري ربيحات لصحيفة "
عربي21"..
بل إن بعض المسؤولين السابقين يحاولون الظهور اجتماعيا من خلال المشاركة في عقد قران مواطنين في المحافظات، وأصبحت الجهات التي تتضمن شخصيات رسمية سابقة "برستيجا" اجتماعيا.
ويقول ربيحات إن "بعض المسؤولين السابقين الذين شغلوا منصب رئيس الوزراء تنقصهم المعرفة والتواصل والخبرة، كون العاصمة عمان كانت تشكل لهم الأردن السياسي إن جاز التعبير، لكن بعد أحداث الربيع العربي أدرك الناس حجم الفجوة ما بين عمّان والمحافظات، وأدرك المسؤول الأردني البعد الخفي للتركيبة السكانية وامتداداتها مثل المحافظات، معظمهم تنقصهم هذه الخبرة فحاولوا إعادة تـأهيل أنفسهم من خلال هذه الزيارات".
مسؤول قابل للتدوير.. ومنصب قابل للتوريث
وتسري مقولة مشهورة في الأردن مفادها أن "ابن الحراث حراث، وابن الوزير وزير" وأخرى أن "المسؤول الأردني لا يفنى إنما يستحدث من جديد"، في إشارة إلى توريث المناصب في الأردن وتدويرها بين طبقة محددة، حيث شغلت عائلات (الأب والأبن والجد) مناصب وزارية، بينما تقلبت شخصيات من منصب لآخر في وقت قياسي.
وقامت الحكومة الحالية بإعادة تعيين مسؤولين سابقين "عجزة" في القطاع الحكومي، بعد أن حصلوا على تقارير "عجز طبي" كامل أو ما نسبته 80 بالمائة، وبررت الحكومة الأردنية ذلك بأنه لا بديل عن خبراتهم.
ولم يرق تدوير المناصب للحراك الأردني المطالب بالإصلاح؛ فقد شهدت المملكة على مدار الثلاث سنوات الماضية حراكا يطالب بعدة مطالب منها "وقف عملية تدوير المناصب التي شهدتها بعض المؤسسات"، معتبرين ذلك "احتكارا للسلطة".
الناشط في حراك ذيبان محمد السنيد، يرى في زيارات شخصيات أردنية سابقة للمحافظات الأردنية، أنها تأتي بهدف "إعادة تدويرهم من جديد".
ويقول لصحيفة "
عربي21"، إنهم "يتوجهون للمحافظات بهدف إعادة تدويرهم في السلطة، وأعتقد أن هذه الطريقة فاشلة، فالمشكلة أنها ليست بأشخاصهم، إنما بفكرهم ونهجهم الذي أغرق البلد، وسياساتهم الاقتصادية التي تسببت بارتفاع
المديونية والعجز، وتعويض ذلك من خلال جيب المواطن للحفاظ على استثماراتهم".
محافظات أطاحت بحكومات
واستطاع حراك مدينة ذيبان الذي كان الشرارة الأولى للحراك الأردني عام 2011، إسقاط حكومة سمير الرفاعي، ليرفع الحراك الأردني عدد الحكومات التي تم تغييرها إلى أربع حكومات في أقل من عامين، ليكون لعامي 2011 و2012 خمس حكومات لم تسلم من النقد في مسيرات انطلقت بالمحافظات الأردنية.
ويقول السنيد: "الآن يقصدون المحافظات بحثا عن الشرعية بعد أن فقدوها سابقا في المحافظات المنكوبة والفقيرة التي كانت ضحية لسياساتهم وتسلطهم. الآن يقصدون هذه المحافظات من أجل طلب المغفرة كي يرضى عنهم صاحب القرار، ويعيدهم إلى السلطة مرة أخرى".
شارع غير قادر على التأثير
ولا يتفق الكاتب والمحلل السياسي بسام بدارين، مع السنيد، في قدرة الشارع الأردني في هذه الأوقات على "إعطاء شرعية والتأثير في إعادة تدوير المسؤول"، ويتساءل بدارين: "هل يوجد شارع في الأردن؟ وهل هو مؤثر؟ إذا خاطب رئيس وزراء سابق أهل مدينة معنية، فهل سيعود رئيسا للوزراء؟ لا أحد يحسب حساب الشارع كبقية الشعوب".
ويفسر بدارين توجه مسؤولين سابقين لزيارة المحافظات ومقابلة شخصيات عشائرية؛ بسعي هذه الشخصيات لسد نقص كان لديها وتغييره وإصلاحه، معتبرا إياه "أمرا إيجابيا"..
إلا أن الكاتبة الروضان، ترى أن "هذه الشخصيات تلمست هذا التغيير بسرعة وسارعت إليه حتى بتنا نلحظ مبادرات وولائم ومشاريع تنطلق من المحافظات، وبرعاية وحضور بارز لتلك الشخصيات، عبر وكلائها ومسيريها في المحافظات والقرى النائية".
بدوره، يقول رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، في رده على استفسارات المتابعين له على شبكات التواصل حول سبب جولاته في المحافظات، إنها "ليست بهدف عودته من جديد لمنصب حكومي"، معتبرا ذلك "من باب الضيافة من قبل بعض أبناء الشعب".
تنمية بمكرمة ملكية
وتعاني المحافظات الأردنية من تهميش في التنمية، مقارنة بالعاصمة عمّان التي تحظى بفرص أكبر في الاستثمار والمشاريع والبنية التحتية. وبعد أحداث الربيع العربي، تنبه النظام الأردني للمحافظات التي يتمركز فيها الثقل العشائري، وأطلق العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني صندوق تنمية المحافظات في عام 2011، إلا أن الصندوق لم يكتب له النجاح بعد شح التمويل اللازم.. فقد بلغ تراجع المشاريع التي مولها الصندوق بنسبة 80% عام 2015، وانخفض عدد المشاريع بمقدار 33 مشروعا، ليصل إلى 8 مشاريع فقط، بحجم تمويل مباشر من الصندوق يقدر بحوالي 6.1 مليون دينار.
ولم تتوقف مطالب المحافظات الأردنية عند التنمية، فقد شعر أبناء محافظات بأن المناصب الحكومية تدور بفلك شخصيات "ليبرالية" يعاد تدويرها أو توريثها،. وطالبت أربع عشرة عشيرة من إربد بحقها في تولي المناصب الرئيسة في الدولة، من خلال مجلس أطلقوا عليه مجلس عشائر مدينة إربد.