شتاء قاس يجتاح المناطق المحررة في
سوريا، والتي باتت تفتقر لأبسط مقومات الحياة، لتتجه أنظار الأقلية الباقية فيها إلى
تركيا البلد المجاور.. ساعات طوال يقضيها مئات الأطفال والنساء تحت أشجار الزيتون، منتظرين ساعة
العبور التي هي بالنسبة لهم "ساعة الخلاص" كما يقولون.
يقول أحد الشبان الذين حاولوا العبور إلى تركيا عبر طرق غير شرعية، إنه بعد ساعات من الانتظار؛ أعلن المهرب أننا سننطلق إلى الحدود التركية السورية، عبر الجبال الشاهقة، لكن سرعان ما تكتشف الأمر دورية للجندرما التركية (حرس الحدود)، وتطلق الرصاص باتجاهنا؛ لتعيد العائلات السورية إلى مكان الانطلاق عند الأشجار.
وأضاف الشاب الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ"
عربي21": "كثيرا ما يكون المهرب هو سبب هذه
المعاناة، حيث يقتادهم للحدود، ويتركهم هناك بعد أن يقبض منهم مبالغ كبيرة، وتستمر المعاناة بعد إغلاق المعابر، وتبقى هذه الطريقة الأمثل للهروب من الموت".
وقال "أبو محمد" أحد العابرين إلى تركيا من أبناء مدينة جسر الشغور السورية: "كنت أسكن في إحدى القرى المجاورة لتركيا، حيث استأجرت منزلاً بمبلغ 30 ألف ليرة سورية، وكنت أعمل ليل نهار حتى أستطيع توفير المال لدفع إيجار المنزل، وتأمين الطعام لعائلتي، لكن ضاقت بي الأحوال؛ فلم أجد أمامي سوى تركيا".
وأضاف لـ"
عربي21": "التقيت أحد المهربين، وبعد جدال طويل وأخذ ورد؛ اتفقت معه على دفع 15 ألف ليرة عن كل شخص، ورغم أن المبلغ كبير بالنسبة لواحد مثلي فإنني وافقت، فليس باليد حيلة".
وتابع "أبو محمد": "في الواحدة ليلا؛ انطلقنا باتجاه الحدود، بعد انتظار لساعات طويلة تحت أشجار الزيتون، ولم نكن وحدنا، فقد كان معنا عشرات الأطفال والنساء والرجال، حيث مشينا في الجبال الشاهقة لمدة تقارب الساعة، وهناك ألقت الجندرما التركية القبض علينا، ولاذ المهرب بالفرار".
وأردف: "هنا بدأت الحكاية. عشرات الأطفال والنساء تجرهم الجندرما خلفها كقطعان الغنم. وبعد مسير نصف ساعة ذقنا فيها الذل بألوانه، أدخلونا إلى باحة لا سقف لها، وأرضها من البحص والرمل".
وبيّن أن "بكاء الأطفال وأنين النساء كان يخيم على المكان، وكانت ليلة قاسية ذقنا فيها المرارة"، مشيرا إلى أنه "في الصباح الباكر؛ اقتادونا إلى حدود قرية خربة الجوز مكان عبورنا، وقاموا بتسليمنا إلى أشخاص مسلحين تابعين لأحد فصائل الثورة داخل الأراضي السورية".
وقال "أبو محمد": "عدنا إلى سوريا من جديد، ولم يبقَ لنا مكان سوى العراء، فمدينتنا باتت مدمرة بشكل شبه كامل، ولا تصلح للسكن بسبب قصفها المستمر بمختلف الأسلحة، وريف المدينة أسعار منازله باهظة لا تُطاق".
قصة "أبي محمد" تحاكي واقع آلاف السوريين الذين مروا من تلك المنطقة الواقعة على
الحدود السورية التركية، فمنهم من قضى نحبه برصاص الجندرما التركية، ومنهم من حالفه الحظ ودخل، وبعضهم ما زال ينتظر على الحدود، في أجواء شديدة البرودة.