كتاب عربي 21

تسابق اليساريين الأتراك لالتقاط سيلفي مع بايدن

1300x600
زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسطنبول واجتماعه مع مجموعة من ممثلي المجتمع المدني والصحفيين الأتراك المعارضين للحكومة والتصريحات التي أدلى بها خلال الزيارة، أثارت ضجة كبيرة في تركيا وجدلا حول طبيعة العلاقات بين واشنطن والصحفيين الذين صدعوا رؤوسنا بأنهم يساريون يناضلون ضد الرأسمالية والقوى الإمبريالية. 

اليساريون في أيام الحرب الباردة كانوا يرون الولايات المتحدة التي يصفونها بــ"قلعة الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة"، عدوهم الأول. ولما زار الأسطول السادس الأمريكي تركيا في تموز/ يوليو 1968 خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على هذه الزيارة، وسط هتافات "يانكي، عد إلى بيتك"، ولكنهم اليوم أصبحوا أمريكيين أكثر من الأمريكان أنفسهم، ويتسابقون لالتقاط صور مع نائب الرئيس الأمريكي. ومن المثير للسخرية أنه كانت بين هؤلاء الصحفيين الذين نالوا "شرف لقاء بايدن" في إسطنبول، صحفية موالية للنظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، ممن يزعمون أن ثورة الشعب السوري ما هي إلا مؤامرة أمريكية ضد محور المقاومة والممانعة.

الصحفيون المشاركون في الاجتماع مع بايدن يعملون في وسائل الإعلام المعارضة للحكومة مثل القنوات والصحف التابعة لمجموعة "دوغان" الإعلامية، وبعضهم يوالون جماعة كولن أو حزب العمال الكردستاني. وفي مستهل اللقاء، انتقد نائب الرئيس الأمريكي الضغوط المفروضة على الصحافة وحرية التعبير في تركيا، في إشارة إلى الانتقادات الموجهة إلى عريضة أصدرها عدد من الأكاديميين للاحتجاج على العمليات التي تقوم بها قوات الأمن التركية ضد عناصر حزب العمال الكردستاني. وقال بايدن: "نحن نريد أن تشكل تركيا مثالا قويا يحتذى به لكل المنطقة حول معنى الديمقراطية الناشطة".

هذه التصريحات دفعت الصحفيين المشاركين في اللقاء والمعارضين للحكومة إلى أن يطيروا فرحا، وأملا في أن يقوم بايدن بتوبيخ رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، إلا أنها كانت فقط لذر الرماد على عيون المعارضة، لأن الرجل لم يزر تركيا من أجل مناقشة أوضاع حقوق الإنسان والحريات، بل كانت هناك ملفات ساخنة على طاولة المباحثات، مثل الملف السوري والملف العراقي، ناهيك عن أن الولايات المتحدة التي دعمت الانقلاب العسكري في مصر، آخر من يحق له الحديث عن الديمقراطية وحرية التعبير.

رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، في لقائه مع نائب الرئيس الأمريكي في قصر دولمابهتشة بإسطنبول، عبر عن استيائه من مشاركة اللون الواحد فقط في لقاء بايدن مع الصحفيين وممثلي المجتمع المدني، مؤكدا أن اللقاء لو كان مع شريحة أوسع لوجد فرصة لاستماع آراء مختلفة. ووفقا لمصادر مقربة من رئاسة الوزراء، سأل داود أوغلو نائب الرئيس الأمريكي، هل قرأ العريضة التي أصدرها عدد من الأكاديميين دعما لحزب العمال الكردستاني أم لا، ثم وجَّه إليه أسئلة محرجة: "ماذا كنتم تفعلون لو قامت منظمات إرهابية مثل تنظيم القاعدة بحفر الخنادق في أمريكا وشن هجمات إرهابية؟ وكيف كانت ردة فعلكم لو أصدر بعضهم عريضة لتأييد تلك الأعمال الإرهابية؟".

لا ندري، ماذا كانت إجابة بايدن على أسئلة داود أوغلو، إلا أنه في لقائه مع نواب من حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي، شدد على أن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وأن المشكلات يجب حلها عبر طرق ديمقراطية، لا باللجوء إلى العنف والإرهاب وحفر الخنادق.

الولايات المتحدة تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية ولكنها في الوقت نفسه تدعم ذراعه السورية، حزب الاتحاد الديمقراطي، بالمال والسلاح، وتوفر له غطاء سياسيا وعسكريا، وتراه رأس الحربة في محاربة تنظيم "داعش". وهذا من أكبر نقاط الخلاف بين أنقرة وواشنطن. 

الجانب التركي وضع أمام بايدن خلال زيارته لإسطنبول أدلة قاطعة تؤكد وجود علاقات وثيقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني ووصول الأسلحة التي يتم منحها لقوات الحماية الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، إلى عناصر حزب العمال الكردستاني لاستخدامها في القتال ضد قوات الأمن التركية، مشددا على أنه في نظر أنقرة لا فرق بين حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي. وهذا هو الجانب الأهم في زيارة بايدن لإسطنبول إلا أنه لا يبدو في المستقبل القريب حلا لهذا الخلاف.