نشرت صحيفة سلايت الفرنسية تقريرا حول الحياة في مدينة
الرقة، التي يتخذها
تنظيم الدولة عاصمة له، وأشارت إلى أن آراء الناس في هذه المدينة أصبحت متباينة، بين من لا يزال ينتظر الفرصة للوقوف ضد هذا التنظيم والتحرر من سيطرته، وبين من وجد فيه فرصة لتحقيق حياة أفضل ورضي بهذا الوضع وتأقلم معه.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن روايات شهود العيان تبيّن أن نمط الحياة في مدينة الرقة يعتمد على مجموعة من القواعد الدينية الصارمة، التي يجب إبقاؤها في البال والتقيد بها لحظة بلحظة، من أجل النجاة من الموت في أرض "الدولة الإسلامية"، وكل من يقترف خطأ أو يظهر جهلا بهذه القواعد يتم مباشرة إلحاقه بدروس دينية، يقدمها بعض المدرسين في المسجد، تتمثل في دروس تهدف لزرع إيديولوجيا التنظيم في كل المتعلمين، سواء كانوا من الصغار أو من الكبار.
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض من يحضرون هذه الدروس الدينية لا يزالون في سن الطفولة، وهم بالأساس من الأولاد الذين كانوا يعانون في محيطهم العائلي، أو كانوا يتعرضون للاستغلال وسوء المعاملة في المصانع والورش، ولذلك فإنهم فضلوا الالتحاق بتنظيم الدولة لكي يصبحوا "أشبال الخلافة"، بحثا عن حياة أفضل. كما أن بعض الكبار يلتحقون بهذه الدروس طمعا في مبلغ 400 دولار يتقاضونه عند نهاية الدروس.
كما ذكرت أن هذه الدروس تمثل عقوبة لمن يرتكبون بعض المخالفات البسيطة، مثل التدخين وعدم غلق المحلات في وقت الصلاة، وهي مفروضة أيضا على الفقراء الذين يريدون الحصول على أموال الزكاة، وعلى من تلقوا تعليما علمانيا في جامعات الدولة السورية أو في خارج البلاد.
وأشارت الصحيفة إلى أن "دروس الشريعة" ليست العقوبة الوحيدة التي يعتمدها تنظيم الدولة، فقد تم إجبار مجموعة من الشباب في الصيف الماضي على حفر خنادق حول مدينة الرقة، ما تسبب في قتل عدد منهم بسبب الغارات الجوية التي تستهدف مواقع التنظيم.
وأشارت الصحيفة إلى تباين مواقف شابين من مدينة الرقة، أحدهما هو حمدان، وهو منشق عن جيش النظام السوري، والآخر خليل المتخرج من جامعة حلب، وقالت إنه عند الاستماع إلى الحوار الذي دار بينهما، يمكن الوصول إلى فكرة واضحة حول حجم الانقسام وتباين الآراء الذي وصل إليه السوريون، فيما يخص تعريف هويتهم وأهدافهم، حيث إن البعض يعتبر أن
سوريا هي دولة صنعها اتفاق سايكس بيكو، وبالتالي فهذه الحدود هي من بقايا الاستعمار البغيض، والبعض الآخر يعتبر أن هويته هي الإسلام. وينقسم هؤلاء إلى عدة مجموعات حسب مذاهبهم وإيديولوجيتهم، بينما يعتبر آخرون أن هويتهم هي العروبة، وهو ما يمثل مصدر خوف للأكراد والكاثوليك السريانيين، الذين يعتبرون الحديث عن الهوية العربية للدولة، تهميشا لهم ولوجودهم في سوريا.
وقالت الصحيفة إن خليل، الذي كان قبل سنتين في لبنان ومنع من الحصول على عمل، عاد إلى مدينة الرقة وحصل على عمل كمحاسب في إدارة المياه، بمرتب يبلغ 100 دولار شهريا، وبذلك نجح في الاستفادة من تنظيم الدولة دون الاضطرار للقتال معه.
وذكرت الصحيفة أن خليل عبّر عن رضاه على العيش تحت راية تنظيم الدولة، واعتبر أن هذا التنظيم نجح في إدارة الأمور بشكل جيد رغم أنه عاجز عن وقف الغارات الجوية، كما أن خليل تزوج منذ فترة، ولذلك فهو يشعر أن حياته تسير للأمام.
أما حمدان فهو لا يخفي كرهه لعناصر التنظيم، ورفضه التام لكل ما يقوم به، خاصة معاملته الوحشية للمدنيين في سوريا، حيث إن الأكراد الذين عاشوا طيلة حياتهم في الرقة تم إجبارهم على مغادرة المدينة. وقد شهدت الرقة منذ سيطرة تنظيم الدولة عليها في كانون الثاني/ يناير 2014 تغيرا كبيرا في خارطتها الديمغرافية، حيث توافد عليها المقاتلون الأجانب مع عائلاتهم فيما يشبه الاستعمار، وشرعوا في السيطرة على المنازل الفاخرة والوظائف المهمة.
وقالت الصحيفة إن تنظيم الدولة نجح في مرحلة لاحقة في استقطاب عدد من السكان المحليين، يتمثلون خاصة في الشباب العزاب، من الذين كانوا يعيشون مع والديهم وأغراهم تنظيم الدولة بتزويجهم بعد إنهاء التدريب العسكري.
كما ذكرت الصحيفة أن سكان الرقة ممنوعون من مغادرة المدينة، دون الحصول على ترخيص كتابي من مكتب "الحسبة"، وهي الشرطة الدينية. وقد تمت مصادرة منازل أولئك الذين نجحوا في الهروب من المدينة، وقام التنظيم أيضا بالسيطرة على منازل الموظفين الحكوميين وكل المباني التي كانت تسيطر عليها الدولة السورية، لأن مبدأ التنظيم في التعامل مع هذه المباني هو بكل بساطة: "هذه المباني هي ملك للدولة، ونحن الدولة".
وقالت الصحيفة إن مدينة الرقة لم تعد فقط معقلا لـ"الإرهاب"، فقد أصبحت أيضا تعاني من العزلة بسبب الحصار الخانق الذي يفرضه تنظيم الدولة، والذي حرم السكان من تغطية شبكة الإنترنت، بعد إزالته كل معدات التقاط الإشارة، كما أصدر قرارا في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بمنع امتلاك اللاقط الهوائي لاستعمال الإنترنت، وقرر غلق كل مقاهي الإنترنت وعدم السماح بفتحها إلا بترخيص من إدارة التنظيم.
وأشارت الصحيفة إلى أن سكان الرقة لا يعانون فقط من تنظيم الدولة، بل أيضا من غارات
التحالف الدولي، حيث أصبحت هذه الغارات تتم بشكل يومي وتكثفت وأصبحت أكثر عشوائية وحدّة، مع دخول الطائرات الروسية والفرنسية على الخط، وقد تسببت بتدمير بعض المنشآت التي تقدم خدماتها لسكان المدينة، ودمرت أيضا جسرا على نهر الفرات يستعمله السكان في تنقلاتهم، وألحقوا ضررا بالمدنيين بزعم قطع طرق إمداد تنظيم الدولة، رغم أن التنظيم لا يستعمل هذه البنى التحتية.
وقالت الصحيفة إن الناس في الرقة يحاولون مواصلة حياتهم بصفة طبيعية رغم الواقع المرير، فكلما سمعوا هدير الطائرات فوقهم يلتفتون إلى السماء، ولكن بمجرد سماع سقوط القنابل في مكان آخر يعودون إلى شؤونهم بشكل عادي، حيث إنه لم يعد هناك فرق بين الحياة والموت في هذه المدينة.