نشرت صحيفة الموندو الإسبانية تقريرا حول
متحف للتعذيب يتم العمل عليه في
مصر، واعتبرت أن افتتاح مثل هذا النوع من المتاحف في منطقة معروفة بانتهاكات حقوق الإنسان تعد فكرة جديدة، قد تساهم في مجابهة هذه الظاهرة التي أصبحت خبزا يوميا للأنظمة الدكتاتورية والمنظمات المتشددة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن المؤرخ المصري محمد عبد الوهاب، جمع في منزل واحد عددا من أدوات
التعذيب والملابس والمعدات التي ترمز للرعب والاحتجاز والاستجواب، على غرار كرسي لتقييد السجين وانتزاع الاعترافات منه، وأحذية عسكرية ضخمة للاعتداء بالعنف وإثارة الذعر، ومشانق وخناجر وسياط، وأدوات لبتر الأعضاء، يتم استعمالها من قبل الجلادين للتعذيب والقتل.
ويأمل عبد الوهاب أن يصبح هذا المنزل الواقع في ضواحي القاهرة أول متحف للتعذيب في الشرق الأوسط، في منطقة عرفت بتنافس الأنظمة الدكتاتورية والمنظمات الجهادية على إحداث أكبر قدر ممكن من الرعب في قلوب الناس، عن طريق انتهاك حقوق الإنسان، والإعدامات التي تطال كل معارض.
ونقلت الصحيفة عن عبد الوهاب قوله: "إن كل شيء بدأ خلال رحلة للعراق في سنة 2003، حيث ضل السائق الطريق ودخل بنا إلى إقامة تابعة لصدام حسين، فأوقفنا حراسه، وشرحنا لهم أننا أخطأنا الطريق، وأثناء الحديث معهم أصيب السائق بحالة من الرعب، لدرجة أنه "بلل ثيابه"، وعندما سمحوا لنا بالرحيل شرح لي فظاعة التعذيب الذي يتعرض له أي شخص يقع بين أيدي الأجهزة الأمنية العراقية في ذلك الوقت".
وقالت الصحيفة إن هذا الباحث والمؤرخ شرع منذ ذلك الوقت في البحث حول العالم، وجمع شواهد حول ما يتعرض له البشر في السجون من
انتهاكات نفسية وجسدية، وقد جمع إلى غاية الآن أكثر من 650 قطعة، موزعة على خمس غرف في المنزل.
ويقول عبد الوهاب إنه "زار عدة بلدان في العالم تعاني من ظاهرة القمع والدكتاتورية، ولهذا جمع هذه الشواهد لتكون عبرة ورسالة ضد التعذيب". ويوجد في متحفه، الذي يثير الرعب في قلوب الزائرين، صليب يشبه ذلك الذي يعتقد البعض أن المسيح تعرض للتعذيب والصلب فوقه، والبدلات البرتقالية التي يرتديها السجناء في غوانتانامو، التي أصبح تنظيم الدولة لاحقا يلبسها لأسراه قبل إعدامهم.
كما نقلت الصحيفة عنه قوله: "إن بعض المعروضات قديمة، وتعود إلى أكثر من 700 سنة، ولكنها ذات قيمة تاريخية كبيرة، وأنا أشعر أن كل أداة تعذيب تسكنها أرواح البشر الذين قضوا تحت وطأتها في غياهب السجون، كما يوجد من ضمنها حبل مشنقة تم استعماله لإعدام ثلاثة أشخاص عام 2011 في مصر".
ويضيف عبد الوهاب: "منذ الانقلاب العسكري الذي حدث في صيف 2013، وفرض الحكم العسكري، أصبحت المحاكم تصدر أحكام الإعدام الجماعية بطريقة مرعبة، كما أن الشرطة عادت للممارسات ذاتها التي تعودت عليها طيلة عقود من الزمن، رغم أن مثل هذه الانتهاكات الجسدية والنفسية هي التي أججت ثورة 25 يناير وأطاحت بحكم حسني مبارك. ولكن أغلب الأدوات المعروضة في المتحف لا تعود للشرطة المصرية؛ لأننا فضلنا تجنب المشكلات".
وقالت الصحيفة إن عبد الوهاب تعرض رغم ذلك لمضايقات كثيرة، أثناء سعيه لإدخال بعض القطع من خارج البلاد؛ لأن هذا الموضوع يعد شديد الحساسية للسلطات المصرية، وهي تفضل مواصلة إنكار وجود هذه الممارسات، ولذلك لم ترحب بفكرة المتحف، ورفضت طلبا تقدم به لتمكينه من دخول أحد السجون القديمة في القاهرة".
كما أشارت الصحيفة الإسبانية إلى أن إسبانيا كان لها نصيب في المتحف، يكشف عن ماضيها الحافل بالتعذيب إثر سقوط الأندلس، من خلال بعض الأدوات الأصلية التي تم جلبها، وأخرى تم تقليدها انطلاقا من الصور، وهي تؤرخ لفترة تعذيب الملوك الإسبان والكنيسة للمسلمين "المورسكيين" واليهود، رغم تعهدهم بحماية الطوائف واحترام الأديان.
وقالت الصحيفة إن محمد عبد الوهاب يأمل في تجاوز كل العقبات وافتتاح معرضه لعموم، ليكون وسيلة لنشر الوعي ضد التعذيب، وحافزا للوقوف ضد هذه الظاهرة المتفشية في مصر والعالم العربي.