نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمدير العلاقات الحكومية في المجلس السوري الأمريكي محمد علاء غانم، يقول فيه إن أمريكا تجد نفسها محدودة التأثير على سير المفاوضات السورية في جنيف لوقف الحرب، التي أودت بحياة ما يقارب الربع مليون إنسان، وولدت أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.
ويقول غانم: "هناك طريقة ناجعة لواشنطن كي تضغط فيها على دمشق: وهي أن تعد بالمساعدة المالية، واللجوء للضباط والمسؤولين الذين ينشقون عن النظام المجرم لبشار
الأسد".
ويشير التقرير إلى أن "حالة الاستياء بين العلويين والدروز والأقليات الدينية الأخرى في أوجها منذ عام 2012، عندما انشق عشرات من كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين. ووصلت التوترات الصيف الماضي إلى درجة وقوع اشتباكات مسلحة بين قوات النظام المدعومة إيرانيا وسكان قريتين علويتين خارج حماة. وفي أيلول/ سبتمبر قام المحتجون الدروز والمسلحون باحتلال بناية حكومية في منطقة السويداء، وقاموا بتدمير تمثال لحافظ الأسد والد بشار".
وتعلق الصحيفة بأنه "على مدى سنوات الثورة، انشق حوالي ثلاثة آلاف ضابط سوري، بحسب تقرير من الجيش السوري الحر، معظمهم يعيش الآن في مخيمات اللاجئين في الأردن وتركيا، وهم إما يقومون بما يتوفر من أعمال، وإما يعتمدون في معيشتهم على البلاد المضيفة، أو الإمكانيات البسيطة للمعارضة السورية؛ للحصول على قوتهم اليومي. ولكن لم يغادر ما يكفي؛ لأن تردي الأوضاع المعيشية بشكل كبير في المخيمات لم يشجعهم، خاصة بالنسبة للرتب العليا من
الضباط، الذين قد يضغط انشقاقهم في اتجاه حل سياسي، فتقديم مساعدات مالية ومساعدات قانونية من الولايات المتحدة قد يغير هذا الوضع".
ويؤكد الكاتب قائلا: "أنا أعرف جيدا أن نواب الأسد سيستغلون مثل هذه الفرصة، ففي عام 2012 اتصل مسؤول من نظام الأسد بالمجتمع السوري في واشنطن، وكان مستعدا لتغيير ولائه، ولكنه كان بحاجة للمساعدة، وتم إيصال هذه الرسالة مباشرة إلى وزارة الخارجية، التي كان ردها غريبا، وهو: أن يقدم هذا الشخص على تأشيرة ويتبع الإجراءات العادية، ففضل المسؤول البقاء بدل القيام بإجراءات طويلة ستكشف في الغالب غطاءه".
ويواصل غانم قائلا: "حدث شيء مشابه بعد عدة أشهر، حيث حاول ضابط علوي كبير أن يرى إن كانت أمريكا مستعدة لدعمه إن انشق عن النظام، وبالرغم من أنه كان مستعدا على أن يحرض شبكته ضد الأسد إن هو حصل على إسناد أمريكي، لكن واشنطن أهملته".
ويكشف الكاتب عن أن "إدارة أوباما اتصلت سريا على مدى سنوات بمسؤولين سوريين كبار؛ لتشجيعهم على تغيير ولائهم، ولكن هذا الخط بقي محدودا على نقاط الاتصال من المستوى الكبير، ولم يتضمن محفزات أكيدة، بحسب مسؤولين سابقين في الإدارة تحدثت معهم. وحتى تنجح تلك الاستراتيجية فعلى واشنطن تقديم مساعدات حقيقية للضباط والمسؤولين الأقل رتبة".
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "أفضل طريقة هي أن تقوم وكالة الاستخبارات المركزية بتوفير لجوء مؤقت للمنشقين، مع مبلغين من المال؛ مبلغ يدفع للمنشق حال
انشقاقه، وراتب شهري يبلغ بضعة آلاف من الدولارات. وهذه المبالغ بسيطة إذا ما قورنت بثلاثة ملايين دولار هي ميزانية الحرب على تنظيم الدولة".
وتلفت الصحيفة إلى أنه "من الواضح أن على الوكالة التحقق من الضباط مسبقا؛ للتأكد من أنهم مسؤولون سوريون وليسوا عملاء مزدوجين. وفي المقابل على المنشق أن يعمل مع مجتمعه؛ ليشجع على التحول لتأييد المعارضة على خطة انتقال سياسي".
ويذكر غانم أن من اتصل بهم من العلويين أكدوا أهمية السرية، فمجازفة من لا تزال لديهم عائلات في
سوريا مضاعفة، إذا ما فكروا في الانشقاق عن النظام؛ لأن عائلاتهم ستستهدفها مخابرات الأسد، مشيرا إلى أن الأخير يخشى الانشقاق، لدرجة أن مخابراته تراقب ضباط الجيش عن كثب.
ويقول التقرير إنه "لا بد أن تكون إدارة أوباما واضحة في أي مفاوضات بأن بقاء الأسد في السلطة غير ممكن. ولكن لقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع قيادات المعارضة السورية في الرياض، تركهم حائرين إن كانت أمريكا تريد مغادرة الأسد أم لا. كما أن العلويين كانوا محتارين خلال الربيع الماضي، بعد تصريح رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية جون برينان بأن لا أحد (يريد أن يرى انهيار الحكومة)، ومثل هذه الحيرة لها انعكاسات حقيقية في سوريا".
وتنتقد الصحيفة "الخط الزمني الذي تقدره أمريكا، الذي يعطي على الأقل 13 شهرا قبل مغادرة الأسد؛ لأنه يعطي الإشارة الخاطئة لمن لديه قابلية للانشقاق بأن هناك متسعا في الوقت، وإن استطاعت واشنطن أن تقنع عددا أكبر من الضباط والمسؤولين للتحول، فقد يساعد ذلك على تقريب نهاية الحرب".
ويعترف غانم قائلا: "بالطبع لن يكون تأييد المنشقين علاجا لكل شيء، فقد أقنع التدخل الروسي في سوريا النخبة في العلويين بأن الأسد لن يسقط، كما أن إيران أرسلت رسائل قوية داعمة للعلويين، فعندما عانى نظام الأسد من خسائر كبيرة الصيف الماضي، قام قائد الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني بزيارة البلدات العلوية على الجبهة؛ لإظهار الدعم لهم، مثل هذه المظاهر العلنية تؤثر على قرار الانشقاق، ولكن المساعدة من واشنطن أيضا تساعد".
ويخلص الكاتب إلى أنه يعتقد أنه "إذا تخلت الأقليات عن الأسد بأعداد أكبر، فإنه سيخسر الصراع الطائفي الخطير، وستزيد فرص تحول سياسي. فعلى واشنطن تحسين حالة الضباط السابقين المنشقين في مخيمات اللاجئين، وأن تقدم محفزات حقيقية لمن يريد الانشقاق بعد. فإن فعل هذا سيزيد من أوراق الضغط بيد أمريكا في مفاوضات جنيف، ويسرع سقوط الأسد".