بعد مرور خمس سنوات على اندلاع
الثورة السورية، باتت التنظيمات والحركات المنضوية تحت اسم "
السلفية الجهادية" هي المكون الأشد قوة، والأكثر حضورا بين فصائل
المعارضة السورية المسلحة، بحسب مراقبين ومحللين.
ووفقا للباحث الأردني الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، محمد أبو رمان، فهناك نوعان من السلفية الجهادية في سوريا، (الوطنية أو المحلية)، و(السلفية الجهادية فوق القطرية)، معتبرا حركة أحرار الشام - لا سيما في بداياتها - من أقرب الجماعات تمثيلا للأولى، بينما مثّلت الثانية جبهة النصرة وتنظيم الدولة على ما بينهما من اختلافات.
أداء تنظيمات السلفية الجهادية، خاصة فوق القطرية منها، أثار ردود فعل غاضبة وساخطة في أوساط سورية وإسلامية مختلفة، وصلت إلى وصفها بأنها "تشق الصفوف بالمزايدات وفكر الغلو حيثما حلت للأسف"، على حد قول الناشط السوري أحمد أبا زيد في تغريدة له على "تويتر".
وطبقا للباحث السوري في شؤون الحركات الإسلامية، حسن الدغيم، فإن السلفية الجهادية غير مرضي عنها، ولا مجمع عليها داخل الصف الإسلامي في سوريا، نظرا لما قامت به من شق الصف الثوري، وطعن المجاهدين في الظهر، وطعن الثورة في خاصرتها، وغلو خطابها وتشدده، ورفع سقف مزايداتها بتهديدها للدول الخارجية، واستهدافها للشيعة في كل مكان.
ووصف الدغيم، في حديثه لـ"
عربي 21"، تلك الأهداف التي تلح السلفية الجهادية عليها بأنها لم تكن مدرجة أساسا على قائمة مطالب الثورة السورية وأهدافها، الأمر الذي أرهقها وحمّلها ما لم تحتمل، وفي الوقت نفسه استعدى عليها أعداء الخارج.
وذكر الدغيم أن تنظيمات السلفية الجهادية قامت كذلك باتهام الثوار بـ"الصحوات"، ما يعني الحكم بردتهم عن الدين، وطبقت بعض تنظيماتها عليهم أحكام المرتدين، وقتلت منهم أعدادا، وقطعت رؤوسهم، وعلقتها على الأعمدة في الشوارع والأماكن العامة، وأرسلت مفخخاتها إلى عشرات مقرات الثوار، وقد قتل
تنظيم الدولة فقط من لواء التوحيد ما يقارب (700) من عناصره.
وأضاف الدغيم بأن ذلك كله استنزف قدرات الفصائل الثورية، وأدّى إلى استنزاف ريف حلب الشمالي، ما أفضى إلى سقوطه مؤخرا بأيدي النظام، وبسقوطه تكون الثورة قد خسرت عمقا مهما لها، والذي خرج منه لواء التوحيد، وتوجهت منه قوافل الثوار لتحرير مدينة حلب.
واعتبر الدغيم أن مشاركة السلفية الجهادية في الثورة السورية لا يعدو أن يكون "امتطاء لها، وإرهاقا للشعب السوري، وشقا للصفوف، وتفريقا للكلمة، وإساءة لها على المستوى الفكري والسياسي، وتشويها لسمعة الإسلام والدين".
في السياق ذاته، أبدى القيادي في تيار الأمة، نعيم التلاوي استياءه الشديد من أداء تنظيمات السلفية الجهادية المتواجدة في سوريا، واصفا أداءها بأنه كان جيدا ومناصرا للثورة في بداياتها، إلا أنه بات مؤخرا عبئا على الثورة والثوار.
وذكر التلاوي لـ"
عربي 21" أنه من خلال متابعاته الحثيثة، وحواراته المباشرة مع المعنيين في الملف السوري أثناء تواجده وإقامته في اسطنبول، لاحظ نفورا شديدا من السلفية الجهادية في أوساط شعبية وفصائلية سورية متعددة.
وأضاف التلاوي بأن تلك الأوساط تُحمل تنظيمات السلفية الجهادية مسؤولية الانهيارات الأخيرة، وسقوط مناطق استراتيجية في جبهة الشمال، نتيجة خلافاتهم الداخلية الطاحنة، والتي لم تكن قاصرة على الموقف من تنظيم الدولة، بل ثمة خلافات بين حركة أحرار الشام وجبهة النصرة وغيرهما من الفصائل الأخرى.
وأشار التلاوي إلى أن تلك التنظيمات تلح كثيرا على قضية المنهج والمنهجية، متسائلا: عن أي منهج يتحدثون: هل هو منهج الإسلام أم منهج فلان وعلان؟ لأنهم يقيدون فهمهم وسياساتهم بفهم أشخاص (داخل سوريا وخارجها) ويريدون من الآخرين أن يتبعوهم ويوافقوهم على ذلك، وإلا لم يكونوا من "إخوان المنهج".
بدوره أوضح أبو قتادة الفلسطيني (عمر محمود) أحد فقهاء "السلفية الجهادية" وكبار منظريها، أنه مع تحفظه على استخدام هذا الاسم، فهو يرى أن وجود التنظيمات المنضوية تحته كان ضروريا ومهما للثورة السورية، لأنها "وجهت بوصلة الثورة وضبطتها بالاتجاه الصحيح".
وأضاف أبو قتادة أن وجود تلك التنظيمات، بما لها من تاريخ جهادي معروف، قلل من تشظي الصفوف في الثورة السورية، فلولا وجودها "لكان الوضع السوري أكثر سوءا مما هو عليه الآن"، على حد قوله.
واستخف أبو قتادة بمن يقولون إن "السلفية الجهادية" هي سبب استعداء الأعداء الخارجيين على الثورة السورية، متسائلا: هل كانوا يظنون أن تدخل إيران مرهون بوجود "السلفية الجهادية"؟ وهل كانوا يحسبون أن دخول حزب الله المعركة بسبب وجود تنظيمات "الجهادية"؟ إن كانوا كذلك فهذا وهم قاتل لأن معركة سوريا معركة مصيرية بالنسبة لهم، خاضوها دفاعا عن النظام السوري.
وتابع أبو قتادة حديثه لـ"
عربي 21" قائلا: "وهل تدخل روسيا كان بسبب وجود تنظيمات "السلفية الجهادية" أم لحماية مصالحها بالإبقاء على النظام؟".
ووصف أبو قتادة الذين يحملون "السلفية الجهادية" تبعات تأخر سقوط النظام السوري بأنهم كانوا يظنون إسقاط النظام "عرضا قريبا وسفرا قاصدا"، وحسبوا أنه سيتم بتلك السهولة التي تخيلوها، ولم يدركوا طبيعة الصراع وتعقيداته، نافيا أن تكون "السلفية الجهادية" هي السبب في ذلك.
وأكد أبو قتادة أن وجود تنظيمات "السلفية الجهادية" على الساحة السورية، كان لصالح الثورة وضبط بوصلتها باتجاه تحقيق حكم الله في الأرض، منوها إلى أنه مع وجود الانقسامات والاختلافات في صفوف تلك التنظيمات، إلا أنها توجه بوصلة الثورة وتحافظ عليها.
من جهته، وبرؤية تحليلية، رأى الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، محمد أبو رمان، أن عملية تقييم مشاركة السلفية الجهادية في الثورة السورية ليست بهذه البساطة، وهي مركبة نوعا ما، لاختلاف السلفية الجهادية إلى نوعيها الوطني (المحلي) والفوق قطري من جهة، وصعوبة التمييز بين السلفية الجهادية والسلفيات الأخرى بعد عسكرة الثورة ودخولها جميعا ساحة العمل العسكري من جهة أخرى.
وجوابا عن سؤال "
عربي 21" حول تقييمه لمشاركة السلفية الجهادية في الثورة السورية، قال أبو رمان: "السلفية الجهادية لها وجهان، وجه ساعد الثورة السورية على الصمود والاستمرار، لخبرتها الطويلة في العمل القتالي، والوجه الثاني تمثل في عدم توافقها مع ما قامت الثورة السورية من أجل تحقيقه، وهو التحرر وإنشاء نظام ديمقراطي، والذي لا تسعى السلفية الجهادية إليه، ولا تؤمن به، ما أدخل الثورة في حالة من "التباس الهوية"".
وبين أبو رمان أن النظام السوري استثمر ورقة "السلفية الجهادية"، وربما ساهم في صناعتها عبر سياساته في بداية الثورة، وقد خدمه ذلك في التشويش على هوية الثورة وأهدافها، وفي إثارة الاختلافات الداخلية بين الفصائل المسلحة، وهو ما أضر بالثورة السورية من هذه الزاوية.
ونفى أبو رمان أن يكون تدخل إيران أو حزب الله أو روسيا في سوريا يرجع إلى وجود تنظيمات السلفية الجهادية، مرجحا أنه لو كانت جميع فصائل الثورة مدنية ديمقراطية، فإنهم سيتدخلون لحماية النظام السوري، ومحاربة الثورة، لأن النظام سارع إلى قمع الثورة من بداياتها قبل أن تظهر تلك التنظيمات، ولطالما تذرع بوجود "القاعدة" قبل ظهورها بشكلها الحالي في سوريا.