شهدت دول
الخليج والمنطقة العربية موجة خسائر مفزعة خلفتها أزمة تراجع أسعار
النفط، لكن ورغم برامج التقشف التي أعلنتها عدة دول، فإن الأزمة تسببت في تعطيل العديد من المشروعات الخدمية والتنموية والتي تقدر كلفتها بعشرات المليارات من الدولارات.
وكشف تقرير صدر مؤخرا عن وجود تفاوت في تأثير انخفاض أسعار النفط على المشروعات بالسعودية ودول الخليج، يبطئ وتيرة المشروعات
الاقتصادية الجديدة في
السعودية والإمارات، متوقعا أن تواصل سوق المشروعات في دول مجلس التعاون الخليجي النمو في 2016، وإن كان بوتيرة أبطأ عن الأعوام الماضية.
وربما كانت معظم المشروعات التي ألغيت في السعودية وبعض دول المنطفة كانت في قطاع النفط والغاز، لكن ومع استمرار الأزمة فمن المتوقع أن تنتقل عدوى تجيمد المشروعات إلى قطاعات أخرى مثل العقارات والسياحة وغيرها.
وأظهرت دراسة تحليلية أعدتها شركة الاستشارات النرويجية ريستاد انيرجي حول مشاريع النفط والغاز، أننه من المخطط تأجيل وإلغاء مشاريع بقيمة تتجاوز 100 مليار دولار من قبل شركات عالمية للطاقة نتيجة لانخفاض أسعار النفط في محاولة يائسة لخفض التكاليف في مواجهة تراجع الإيرادات.
وتوقع عدد من المحللين أن تشهد 17 دولة بينهم أنغولا ونيجيريا واستراليا والجزائر، تراجعا في الاستثمار في المشاريع بما يزيد على 50% بين الوقت الحاضر وعام 2020، على افتراض أن تبقى الأسعار عند مستويات منخفضة.
فيما قدر البنك الدولي أن تتكبد دول مجلس التعاون الخليجي خسائر بنحو 215 مليار دولار في ستة أشهر إذا استمرت أسعار النفط في مستويات متدنية قياسية، وتشكل الخسائر المقدرة أكثر من 14% من إجمالي الناتج المحلي لدول المجلس.
ويصل حجم التمويل الذي تحتاجه المشاريع حتى العام 2019 إلى 604 مليارات دولار أمريكي بما في ذلك 100 مليار دولار أمريكي لمشاريع البنية التحتية، والفرق بين تقديرات الإنفاق الرأسمالي على المشاريع والعقود التي تمت ترسيتها يصل إلى 270 مليار دولار حتى عام 2019.
فضلا عن أن مؤسسة "ميد" العالمية كانت قد توقعت أيضا أن تخفض دول الخليج إنفاقها الحكومي بنسبة 15%، مع تراجع أسعار النفط لتنخفض قيمة مشاريع المنطقة إلى 140 مليار دولار خلال العام الجاري، مقابل 165 مليار دولار نهاية 2015.
ومن المتوقع أن يتحول فائض الموازنة لدول "مجلس التعاون الخليجي" الذي بلغ حجمه 76 مليار دولار في 2014، إلى عجز بحجم 113 مليار دولار العام الجاري، وفق تقديرات دولية.
نبدأ من ىالسعودية والتي أعلنت أنها ستسعى لترشيد الإنفاق على الرواتب والمكافآت لموظفي الدولية والتي تمثل 50 بالمئة من الموازنة لكن يعتقد أنها ليس أمامها مجالا يذكر لعمل ذلك لما للأمر من حساسية سياسية وهو ما يجعل مشروعات البنية التحتية واستثمارات الدولة عرضة بشكل أكبر لخفض الإنفاق.
أما العراق فقد تسببت الأزمة في أن توقف العمل بعدة مشاريع خدمية بكلفة 6 مليارات دينار بسبب نقص التمويل، حيث تم تعطيل العمل بعدة مشاريع حيوية مهمة ضمن قطاعات "الكهرباء ـ التربية ـ الطرق" كانت مقررة لناحية السلام شرق بعقوبة، وذلك بسبب نقص السيولة والأزمة المالية.
أما البحرين فقد ألغت خلال الفترة الماضية نحو 6 مشاريع إسكانية كان من المقرر إنشاؤها في عدد من المناطق، قبل أن يتم إلغاؤها من قائمة مشاريع الوزارة، وحذفها أيضا من قائمة المشاريع المستقبلية المبيّنة في الموقع الرسمي للوزارة.
ويتوقع أن تحافظ البحرين وسلطنة عمان على مستوى إنفاق العام الماضي، مسجلة قيمة عقود تبلغ نحو 13.5 مليار دولار و2.8 مليار دولار على التوالي، وكونها سوقا صغيرا نسبيا فإن تأثرها يكون ضئيلا عموما.
لكن سلطة عمان اتجهت نحو إصدار صكوك سيادية وسندات حكومية بعد دراسة مستفيضة لعدة بدائل، مرجحة الاعتماد على أدوات تمويلية محلية وداخلية بالأساس، بعد إقرار موازنة تضمنت زيادة بالإنفاق، وتعثرًا في التمويل.
وقد سجلت دول البحرين وسلطنة عمان والسعودية عجزا في خانة العشرات في 2015 وإن كانت الدول الثلاث ستشهد بعض التقلص في العجز العام الجاري مع تراجع الإنفاق الرأسمالي وبدء تعافي أسعار النفط "لاسيما السعودية التي تتوقع أن ينخفض العجز فيها إلى 8.7% من الناتج المحلي الإجمالي من 16.7% بما يعكس بعض النفقات الاستثنائية هذا العام".
وقررت الحكومة الجزائرية وقف كل مشاريع الإنفاق العام،خاصة ما تعلق منها ببناء المدارس والمصحات بسبب إجراءات التقشف المعتمدة منذ 6 أشهر على إثر تراجع عائدات البلاد، الناجمة عن استمرار انخفاض أسعار النفط، كما قررت وزارة المالية وقف كل العتاد والتجهيزات الموجهة للبرامج الاجتماعية، خاصة ما تعلق ببناء مؤسسات تعليمية وجامعات وببناء الهياكل الطبية، إلي جانب وقف التوظيف في الإدارة العمومية والمؤسسات الاقتصادية لنفس السبب.
وقررت الحكومة الجزائرية أيضا خفض قيمة الدينار وفرضت شروطا قاسية على مستوردي المواد الغذائية، لخفض فاتورة الواردات التي فاقت 60 مليار دولار عام 2014، بينما المداخيل من بيع النفط والغاز لم تتجاوز 53 مليار دولار في نفس العام.
وترددت أنباء عن اتجاه الحكومة الكويتية إلى إلغاء عدد من المشروعات، والتي نفاها وزير المالية الكويتي، أنس الصالح، قائلا، إن الكويت لم تلغ ولا تعتزم إلغاء مشروعات بسبب هبوط أسعار النفط، وإن احتياطيات البلاد تتيح لها مواجهة هبوط النفط.
لكن يبدو أن الكويت لم تصمد كثيرا وهذا ما أكده الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حيث إن بلاده بحاجة إلى نهج سياسة الترشيد وتخفيض الميزانية في تراجع مداخيل النفط نتيجة الهبوط المستمر لأسعار البترول، وللمرة الأولى أقر مجلس الأمة الكويتي موازنة الدولة لعام 2015/ 2016، مسجلًا عجزًا بـ7 مليارات دينار "23.2 مليار دولار"، بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط خلال الفترة الماضية.
لم تنال أضرار الأزمة النفطية من تجميد بعض المشروعات فحسب، بينما امتدت إلي التأثير علي حجم الإنفاق ذاته علي المشروعات التنموية والحيوية، وأيضا حجم الإنفاق في الميزانيات، لذلك من المتوقع أن تهبط قيمة عقود المشروعات في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة تصل إلى 15%، لتأثير هبوط أسعار النفط على الخطط الحكومية في الأنفاق، بحسب توقعات "ميد"، الشركة الرائدة في متابعة المشروعات في المنطقة.
واعتمدت توقعات "ميد" على أكثر من 2100 مشروع في مراحل ما قبل التنفيذ في المنطقة، حيث يتوقع أن تهبط قيمة المشروعات إلى 140 مليار دولار هذا العام، مقارنة بقيمة المشروعات العام الماضي التي بلغت نحو 165 مليار دولار.
وتوقعت "ميد" أن تكون السعودية أكبر المتأثرين، حيث يتوقع أن تهبط قيمة المشروعات بنحو 10 مليارات دولار لتصل إلى 40 مليار دولار، وشهدت المملكة تراجعا في العائدات تزامنا مع هبوط أسعار النفط، وتظهر ميزانية عام 2016 أن العائدات المتوقعة ستكون نحو 513 مليار ريال "137 مليار دولار، وهو أقل بنحو 100 مليار ريال عن العام الماضي، وتبلغ ميزانية المملكة في 2016 نحو 840 مليار ريال، وكانت قدرت بنحو 975 مليار ريال العام الماضي.