من المهم رصد تحولات النظام خلال الفترة القصيرة الماضية، والتي شهدت خرابا واسعا متسارعا في جميع المجالات، الحقوقية والسياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وانتقاله من الهجوم الشديد إلى الدفاع والتبرير، والبحث عن كبش فداء في كل قضية تقريبا.
كانت الدعاية التي يحملها النظام الجديد تبشر بالعيش الرغيد، مدعومة بأخبار المليارات التي ستأتي من الخليج، مطعمة بنزعة قومية استقلالية زائفة، صورت هذا الانقلاب الصهيوني الأمريكي وكأنه صفعة على وجه أوباما، واستنساخا للتجربة الناصرية في مواجهة الأمريكان.
لم يلاحظ أحد وسط الصخب الإعلامي، والحمى المستعرة لفض ميادين الشرعية بالقوة المسلحة، الوجوه الأمرييكية الصهيونية التي زينت النظام الجديد، وجنون اتهام الإخوان بالمسؤولية عن جميع الكوارث التي شهدتها
مصر، بما فيها الكوارث الطبيعية!
كان النظام يعتمد على تصريحات تمني الناس بالخير، وتربط هذا الخير بقدوم
السيسي للحكم، وهي التصريحات التي صارت أيقونات إعلامية: "وبكرة تشوفوا مصر"، و "انتوا مش عارفين إنكم نور عنينا ولا ايه؟".
***
مع بداية تولي السيسي مقاليد الحكم بانتخابات رئاسة هزلية، كان عليه أن يختار بين 25 يناير و 30 يونيو، فاختار الثانية على الفور.. تمت الإطاحة بجميع وزراء جبهة الإنقاذ من حكومة الببلاوي الثانية، ثم حكومتي محلب، وشريف إسماعيل، وكانت هذه من أكبر الخطوات التي أغضبت الغرب.
وبعد عام واحد، اتضحت المشروعات الاقتصادية التي اتضح للجميع أنها ليست فقط فاشلة، بل وسبب رئيسي في استنزاف ما تبقى من احتياطي دولاري، وبدا أن تحميل الإخوان مسؤولية الفشل غير مجد!
انتقل النظام من الهجوم إلى الدفاع، وهي نقلة كبرى، يفهمها جيدا المتخصصون في الإعلام. فبعد أن تعود النظام على تحميل الإخوان كافة المسؤولية، بدأ النظام يبحث عن كبش فداء لتهدئة الشعب. بدأ ذلك بإقالة محافظ البنك المركزي الذي صرح قبل 4 أيام من إقالته أن تفريعة قناة السويس الجديدة هي السبب في أزمة الدولار، ثم إقالة محافظ الإسكندرية، ثم التخلص من عكاشة والزند لاحقا، ولا يزال المسلسل مستمرا.
***
حال النظام الآن يجعلنا نقول بثقة أنه يتآكل ويتحلل ويأكل نفسه، فالنظام الآن لا يستطيع أن يرضي جميع الأطراف داخل معسكر 30 يونيو ذاته.
مجتمعيا؛ فإن النظام صار على عداء أو على الأقل في توتر مع العديد من الفئات في المجتمع! الأطباء والألتراس وأمناء الشرطة وموظفي الخدمة المدنية وخطباء المنابر وحملة الماجيستير والدكتوراة، والآن بداية علاقة متوترة مع القضاة الغاضبين من الإطاحة بالزند.
خارجيا؛ فإن النظام يواجه مشكلات في علاقاته بكبريات الدول التي دعمت انقلابه. روسيا انفجرت لها طائرة مدنية في مصر، وإيطاليا أول دولة استقبلت السيسي تتهم النظام المصري بقتل الشاب ريجيني، والبرلمان الأوربي يوصي بقطع المساعدات عن مصر. قطاع السياحة منهار تماما، وهو ما فاقم الأزمة الاقتصادية في الداخل.
***
لم يعد النظام الآن قادرا على الهجوم، وصار حديثه عن تحميل الإخوان المسؤولية ضربا من العبط الذي لم يعد ينطلي على أحد. لم يعد أمام النظام إلا ما قاله مظهر شاهين أمس، إن إقالة الزند يستفيد منها الإخوان فقطن ويمكن تعميم هذه المقولة لتكون: لا تسقطوا هذا النظام لأن المستفيد من ذلك الإخوان فقط، وهو دفاع واهٍ جدا لا يستطيع الصمود أمام المشكلات الاقتصادية المتسارعة والانخفاض الجنوني للجنيه!