اعتبرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن انسحاب الروس من
سوريا جاء بدون انتصار، مشيرة إلى أن "
بوتين حقق نقطة جيوسياسية للكرملين، لكن المقابل كان أرواح مئات السوريين، والتعزيز العسكري لتنظيم الدولة".
وأشارت "الغارديان" في افتتاحيتها إلى أن قرار الروس سحب "القوات الرئيسة" كان مفاجئا، حتى بالنسبة للإدارة الأمريكية، التي بدت كأنها خسرت مرة أخرى على يد الرئيس الروسي، في أزمة اختبرت أكثر من مرة مصداقية الولايات المتحدة.
وردا على التساؤل حول أسباب حركة بوتين، وكيفية تأثيرها بالأحداث، قالت "الغارديان" إن المراقبة لعبت دورا كبيرا بتقييم أثر تحركات
روسيا المفاجئة، إذ يبدو أنه لا يوجد هناك نهاية في الأفق للأزمة السورية.
ويأمل الدبلوماسيون الغربيون أن يطلب بوتين بتأثيره من رئيس النظام السوري بشار الأسد، أن يتنحى عن السلطة، ما قد يسرع في عمليات السلام المتوقفة عند نقطة مصير الأسد، بحسب "الغارديان" التي استدركت بالقول إن الإشارات تدل على غير ذلك، حيث إن التدخل الخارجي جاء لتعزيز وتقوية الأسد، ووضع نهاية للتراجعات العسكرية التي واجهها النظام في 2015.
وأوضحت "الغارديان" أن روسيا تبدو الآن معتمدة على ما يبدو أنه تراجع، بعدما قامت بما يجب للتقدم في مستقبل سوريا.
واعتبرت أن إعلان بوتين لم يأت مصادفة مع استئناف محادثات السلام في جنيف، ما يسمح لروسيا بأن تبدو حريصة على إنهاء الحرب وأن تكون أول من سحب القوات من سوريا، بدل نشر المزيد.
وحلقت طائرات "السوخوي" الروسية من نقاط الحرب السورية الثلاثاء، بشكل علني، فيما لا يزال منتظرا رؤية ثبات وعمق هذا السحب، وسط أنباء عن استمرار الغارات الروسية الثلاثاء، وإعلان روسيا أنها ستبقي نقاطها العسكرية على الساحل، ما يعني استئناف العمليات في أي وقت.
ويستطيع بوتين أن يتظاهر بأنه حقق أهدافه، عبر قوله إنه حقق نقطتين: منع هزيمة الأسد، وجعل من المستحيل على الولايات المتحدة وتركيا وأوروبا إنشاء مناطق آمنة في سوريا، كان من شأنها أن توفر بيئة قوة للثوار المعادين للأسد الذين حاول الغرب دعمهم، وكانوا هدفا رئيسا للقوات الروسية، خصوصا في حلب.
وبعد نشر روسيا منظومة الدفاع الجوي "S-400"، فإن التدخل الغربي المباشر عسكريا وسياسيا بدا غير ممكن، بحسب "الغارديان".
ووصفت الصحيفة البريطانية بوتين بأنه "أستاذ في المراوغة الدبلوماسية"، إذ إنه قال إن السحب الجزئي سيعزز التسوية عبر المفاوضات، ولفت الكرملين النظر إلى محادثة هاتفية أجراها بوتين مع الأسد، تعهد فيها الأسد بالالتزام بتسوية سياسية.
وفي كل من سوريا وأوكرانيا، يسعى بوتين لإظهار روسيا كقوة دولية لا يمكن تجاهلها، إذ إنه يعتقد بأنه يستطيع اكتساب الرأي العام الروسي عندما يبدو معاديا للولايات المتحدة، بحسب "الغارديان" التي أشارت إلى أن هذا يهم الدولة الروسية في الوقت الذي تعاني فيه من عقوبات اقتصادية واقتصاد متراجع مع انخفاض أسعار النفط، ما يفسر احتفالات الإعلام الروسي بالانسحاب وإظهاره "انتصارا".
وأكد انسحاب روسيا من سوريا أن دعواها بقتال
تنظيم الدولة فضح أنها كذبة، إذ إن تظيم الدولة لم يكن بعيدا عن هذه الضربات، لكنه استفاد من التراجعات التي سببتها روسيا للثوار السوريين، فهي لم تطحن، لكنها تقدمت، خصوصا حلب.
واختتمت "الغارديان" بقولها إن هذا لا يبدو أنه يزعج بوتين، الذي تدور حساباته الجيوسياسية على مساحات أخرى، إذ إن روسيا قتلت مئات المدنيين وعززت تنظيم الدولة، بينما يسعى بوتين لإعطاء انطباع بأنه يعرف ما يجري في سوريا، لكن تاريخه هناك قد يكون فعلا أليما ومدمرا.