مدونات

للتاريخ.. تسعة عشر يوما بلياليهنّ..!!

الكاتبة: هكذا صنع طلابنا ومن آزرهم نصرنا، هكذا أزهر ربيعنا الأردني ـ أرشيفية
مكبر الصوت يخترق أجواء الليلة الحادية عشرة على هذا الجمع الطلابي، في ساحة مبنى رئاسة الجامعة "الساعة العاشرة سيتم فضّ الاعتصام بالقوة، ولن يكون الأمن الجامعي مسؤولا عن أي اعتداء على الطلبة المتجمعين أمام مبنى الرئاسة ومكتبة الجامعة".

الأمن الجامعي يحاوطهم من جميع الاتجاهات كما هو برد تلك الليلة، مجموعات ملثمة أسماها الأمن الجامعي بـ"مجهولين" تتأهب عند "برج الساعة"، الأغطية التي كان يتوسدها الطلبة ويلتحفون بها صادرها الأمن الجامعي.

هكذا تفجّر خبر الاعتصام المفتوح لطلبة الجامعة الأردنية /عمان؛ من أجل إسقاط قرار رفع الرسوم الجامعي، الذي أصدرته رئاسة الجامعة منذ وقت، واستمرت فعاليات الطلبة بالتدرج من فعاليات ومسيرات وعرائض رفض، حتى انتهى بهم الأمر بقرار الاعتصام المفتوح والمبيت في الجامعة الأردنية يوم الأحد الموافق 28/2/2016.

جاء قرار الفض في الليلة الحادية عشرة على الاعتصام لصالح الشارع الطلابي’ على عكس ما أرادت له الجهات الرسمية ممثلة برئيس الجامعة د.خليف الطراونة، فقد انتشر خبر قرار الفض بسرعة هائلة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهرعت العديد من الجهات الإعلامية إثر دعوات ناشطين على "الفيس بوك" إلى بوابة الجامعة الرئيسية، إضافة لأهالي الطلبة ومتضامنين، وبينما شدّ الطلبة في ساحة الاعتصام الكتف على الكتف، وأنشدوا بصوت واحد "سوف نبقى هنا"، ردّ عليهم من تجمع على البوابة الرئيسية بصوت واحد "موطني موطني".

أرادت رئاسة الجامعة إخافة الطلبة وثنيهم عن الاستمرار باعتصامهم، وربما أرادت حقيقة فضّ الاعتصام بالقوة، فالتاريخ يروي لنا حديث جامعة اليرموك عام 1986، حيث اعتصم طلاب الجامعة للغاية ذاتها، وهي إسقاط قرار رفع الرسوم الجامعية، غير أن الأحداث كانت غير الأحداث، والنهاية غير النهاية.

ففي حين حصد طلبة الجامعة الأردنية مطلبهم بعد 19 يوما، عومل اعتصام طلبة جامعة اليرموك بأنه اعتصام لإسقاط النظام، ليتم عزل رئيس الجامعة، وتتدخل قوات أمن البادية لفض الاعتصام بحصيلة وافرة من القتلى والجرحى والمعتقلين، كما ذكر الروائي الأردني د.أيمن العتوم في روايته "حديث الجنود". 

لعب الإعلام والتغطية المستمرة من وكالات أنباء وناشطي "فيس بوك" ومتضامنين من داخل الجامعة وخارجها وأهالي الطلاب ومؤازرة طلبة الجامعات الأخرى دورا مهما افتقده اعتصام طلبة اليرموك عام 86، إضافة لتكافل الطلبة المعتصمين وثباتهم، رغم ليالي البرد؛ إذ ناموا في الساحات، والتحفوا السماء، وغطّاهم المطر.

ومُنعت صلاة الجمعة أمام بوابة الجامعة الرئيسية، وأغلقت قوات الأمن العام الطريق الرئيسي، وأعلنت المنطقة "منطقة عسكرية مغلقة"، ليجوب على إثرها الأهالي والمؤازرون شارع الجامعة يهتفون: "إحنا والدرك والجيش تجمعنا لقمة العيش"، فملأت أصواتهم كل صوب وحدب من حيث أرادوا منعها وإسكاتها.

الأقلام المأجورة لم تألو جهدا في تشويه مقاصد الاعتصام، فكالوا لهم التهم، فتارة يقال أجندة خارجية، وتارة يغدو مقصد الاعتصام إسقاط الرئيس بتدبير من أساتذة الجامعة، ورئاسة الجامعة هي الأخرى كالت من التصنيفات والتهم ما لا يدري الواحد منّا هل يضحك ساخرا أم "يلطم" من الخيبة والصدمة، "الطلبة مسيّسون وأصحاب أجندات خارجية" هذا هو الردّ الوحيد لرئيس الجامعة.
لو كنتُ مكان الرئيس!!

يوم الثلاثاء الموافق 15/3/2016، وبعد مضي 17 يوما على الاعتصام المفتوح، اجتمع مجلس الأمناء في الجامعة الأردنية لبحث مطالب الطلبة، ومحاولة الوصول لحل يرضي جميع الأطراف، واستبشر الجميع خيرا، ليخلص الاجتماع بخيبة أمل كبيرة، إذ تقرر "عدم التجديد لرئيس الجامعة مرة أخرى، والذي تنتهي مدة رئاسته نهاية الشهر الحالي".

أرادوها "حقنة إسكات" للطلبة ومحاولة إرضاء، إلا أن الشارع الطلابي أكد من جديد على مطلبه الوحيد وراء هذا الاعتصام، وهو إسقاط قرار رفع الرسوم، مؤكدا أن قرار مجلس الأمناء لا يحل المشكلة، ولم يكن حلا منشودا أصلا، فحين يختلفون مع الرئيس في السياسة المالية فإنهم يكنّون له الاحترام.

لو كنت مكان الرئيس وبعيدا عن كوني لن أسدد عجز موازنة الجامعة من جيوب الطلبة وذويهم، ولنفترض أن القرار ليس قراره، لو كنت مكان الرئيس لسعدت بوعي الشارع الطلابي؛ إذ يعرف كيف يعترض مؤدبا، وكيف يطالب بحقه متدرجا، حيث تدرج الطلبة في فعاليات المطالبة بالتراجع عن قرار رفع الرسوم ما يقارب العام الكامل، لينتهي بهم الأمر اضطرارا إلى الاعتصام المفتوح حين لم يلقوا أذانا صاغية.

لو كنت مكان الرئيس لما ألجأت أبنائي للنوم في ساحات صرح العلم في البرد والمطر 19 يوما، ولأشرعت أبواب مكتبي في وجه ممثلي الشارع الطلابي واستمعت وتجاوبت.

لو كنت مكان الرئيس، لتراجعت عن القرار، ولعلّمت الطلبة درسا في نيل المطالب والوقوف كتفا إلى كتف، ولجعلت قرار الرجوع عن القرار خاصا بمن اعتصم وآزر وتضامن وهتف ونام بلا غطاء، وكان طعامه طيلة تسعة عشر يوما "فلافل"، والذين آثروا التفرج فليستمروا بالتفرّج، فليس أقبح من الحياد وأشد ظلما وزورا.

لو كنت مكان الرئيس، وما كنت لأكون، ولو كنت لما كنت فعلت، فالتاريخ خير من أخبرنا أن المنصب لا يعني السيادة المطلقة، والسيادة لا تعني السلطة المطلقة، والسلطة لا تعني الإرادة أبدا، والحقوق لا تستجدى، بل تنتزع انتزاعا.

في هاتيك الليلة، جاء تصريح رئيس الجامعة لإحدى الإذاعات المحلية بعد الضخّ الإعلامي الكبير: "لن أسمح بفض الاعتصام" بعد مرور 10 دقائق على المهلة التي فرضها الأمن الجامعي للطلبة لإنهاء الاعتصام، ليخط الطلبة أول نصر على مشارف النصر الكبير، والذي بدا لهم كرؤيا نبي.

قرر الشارع الطلابي اعتبار يوم الخميس 19/3/2016 يوم الغضب الطلابي بعد العديد من المسيرات الحاشدة التي جابت أروقة الجامعة، لكنّ التاريخ أراد أن يكتب مساء هذا اليوم انتصار الإرادة الطلابية بتحقيق مطالبهم؛ إذ قرر مجلس الأمناء التراجع عن القرار بنسبة 50% حالا وجدولة الـ50% المتبقية على الفصول القادمة، وبذلك إسقاط قرار رفع الرسوم.

الشارع الطلابي، وطيلة هذه المدة تعلّم وعلّم الكثير؛ لذا كان القرار بتعليق الاعتصام حتى يوم الاثنين 21/3/2016 إلى حين توقيع مجلس الأمناء على الاتفاق، وتحديد المدة الزمنية المجدولة لتخفيض المتبقي من قرار رفع الرسوم.

الوعي الطلابي ووحدة المطلب ووضوح المقصد والتحام الصف وقوة الكف، العين صوب هدف واحد والهتاف واحد، تحت المطر وفوق كل انتماء وتحزّب، هكذا صنع طلابنا ومن آزرهم نصرنا، هكذا أزهر ربيعنا الأردني.