تُظهر تصريحات الرئيس الأمريكي باراك
أوباما لمجلة "أتلانتيك" حجم "الخلاف" بين الموقف الرسمي الأردني والسياسة الخارجية للرئيس الأمريكي أوباما.
وكشف الرئيس أوباما خلال مقابلة مع المجلة الأمريكية أنه "تحدث مع الملك عبد الله الثاني جانبا خلال مؤتمر قمة دولي؛ لأنه لم يكن راضيا عن حديث الملك عنه بصورة سيئة"، وحسب الرئيس الأمريكي، فإنه "سمع أن الملك الأردني اشتكى لأصدقائه في الكونغرس حول قيادته، وقال للملك إنه إن كانت لديه شكاوى، عليه تقديمها له مباشرة".
يعقب حديث أوباما بأيام تسريبات نشرتها صحيفة "الغارديان" و"ميدل إيست آي" حول محضر لقاء بين العاهل الأردني ومسؤولين بارزين في الكونغرس الأمريكي، تحدث فيها الملك عن الأوضاع في المنطقة، والتخوفات من حرب عالمية ثالثة يكون تنظيم الدولة طرفا فيها.
هذا الخلاف الأردني- الأمريكي يأتي في وقت تقربت فيه المملكة من الجانب الروسي، أسفر عن
علاقات اقتصادية مستقبلية، على رأسها طلب الأردن من الجانب الروسي تزويده بالغاز الطبيعي، مقابل أسعار تفضيلية وبأقل من سعرة العالمي، حسب ما صرح به وزير الطاقة والثروة المعدنية إبراهيم سيف.
وحسب موقع "ميديل إيسيت آي"، "جاء لقاء الملك مع عدد من أعضاء الكونغرس في واشنطن منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، في الفترة ذاتها التي ألغى فيها الرئيس الأمريكي باراك أوباما لقاءه مع الملك الأردني في البيت الأبيض، الذي قال حينها إن إلغاء اللقاء مع أحد أهم حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط مرده إلى "مصاعب في جدول أعمال الرئيس".
خلاف حول الملف السوري
الكاتبة الأردنية لميس أندوني، ترى أن "سياسية أوباما بشكل عام لم تكن واضحة تجاه الملف السوري، لعدم ثقته بقدرة الحكام العرب".
وتعتقد أندوني أن الأردن أصبح "أكثر حذرا" بعد إلغاء ما يعرف بغرفة "الموك"، التي أشرفت على المعارك في الجنوب السوري، إلى جانب دخول موسكو على الخطين العسكري والسياسي بقوة، واتجاه واشنطن إلى تسوية سياسية تجلس فيها أطراف كالحرس الثوري الإيراني وفصائل معارضة على طاولات المفاوضات الأمريكية ـ الروسية.
والنقطة الأخرى التي وترت العلاقة بين الأردن وإدارة الرئيس الأمريكي -حسب الكاتبة- هي "رغبة الملك بأن يضع أوباما ثقله في ملف عملية السلام"، وتقول أندوني لصحيفة "
عربي21" إنه و"بالرغم من أن أهم مساعدي أوباما صهاينة، لكن نتنياهو لم يقبل بإدارة أوباما".
تؤكد أندوني أن "توقيع أوباما على مشروع "قانون التعاون الدفاعي بين أمريكا والأردن لعام 2015" يدل على تفاهم بين الحزبين "الديموقراطي" و"الجمهوري" وبين مؤسسة الرئاسة والكونغرس بشقيه، على الحفاظ على استقرار النظام في الأردن".
تقارب مع روسيا
"نتائج الاستياء الأردني" من إدارة الرئيس باراك أوباما للسياسة الخارجية "انتهى بنتيجتين"، حسب الكاتب الصحفي بسام بدارين؛ أولى هذه النتائج، كما يقول بدارين، "التقارب الدراماتيكي الكبير في العلاقات الأردنية الروسية خلال الأشهر العشرة الأخيرة؛ بسبب حصول شكل من أشكال التقييم المتناسب أو
الخلافات في المسائل الميدانية والتفصيلات المتعلقة بالموقف الأردني من الملف السوري قياسا بالموقف الأمريكي؛ فكانت نتيجة الانزعاج الأردني ما شهدناه من نمو كبير في العلاقات، خصوصا العسكرية والاستخباراتية المعلوماتية مع الروس".
أما النتيجة الثانية -حسب بدارين لصحيفة "
عربي21"- هي أن "التقارب مع روسيا" حفز على توقيع اتفاقية تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة، ورفع مستوى التحالف الدفاعي الأردني، فالقانون الذي وقعه الرئيس أوباما يؤشر لأداء أردني دبلوماسي سياسي مدروس بعناية".
يضيف بدارين أن "وسائل الدفاع الأمريكية العسكرية والأردنية الموجودة على حدود الأردن مع سوريا والعراق اليوم هي الأحدث في العالم، وأصبحت كذلك خلال الأسابيع الستة الماضية، حيث تطورت بشكل كبير، وشهدت قفزة كبيرة؛ بسبب توقيع أوباما للوثيقة، بالرغم من استيائه من الموقف الأردني واستياء الموقف الأردني منه".
مساعدات أمريكية "سخية" للأردن
وكانت السفيرة الأمريكية في الأردن، "أليس ويلز"، كشفت في تصريحات سابقة أن بلادها قدمت في المجمل ما يزيد عن ملياري دولار من المساعدات العسكرية للأردن منذ عام 2009، ما يساعد عمان على الحصول على المعدات والمواد والتدريب الذي تحتاجه القوات المسلحة الأردنية؛ للمحافظة على جاهزيتها، وتحديث قواتها، ومواجهة تنظيم الدولة.
ووقعت والولايات المتحدة الأمريكية، في شهر شباط/ فبراير من عام 2015، مذكرة تفاهم لثلاثة أعوام، أكدت فيها الولايات المتحدة على نيتها تقديم مليار دولار سنويا كمساعدات، حيث يتضمن ذلك 300 مليون دولار للتمويل العسكري الأجنبي.
كما تلقت المملكة أكثر من 80 مليون دولار من معدات أمريكية إضافية للدفاع، بما في ذلك مركبات مقاومة للألغام، وصواريخ دفاع جوي، وطائرتين من طراز "سي 130"، على مدار الأعوام الخمسة المنصرمة.
ويظهر موقع وكالة الإنماء الأمريكية (usaid) حجم المساعدات الأمريكية المقدمة للأردن في قطاعات مختلفة، ويبين الموقع الذي اطلعت عليه "
عربي21" أن الحكومة الأمريكية قدمت خلال عام 2015 مساعدات للأردن بقيمة 32 مليون دولار في مجالات بناء محطات مياه، إلى جانب 330 مليون دولار للحوكمة، و52 مليون لقطاع التعليم، و42 مليون دولار لقطاع الصحة، و50 مليون لدعم النمو الاقتصادي، و289 مليون دولار لدعم حقوق الإنسان، و412 مليون دولار تحت اسم مساعدات أخرى.
بينما أظهرت
دراسة حديثة للباحث الأمريكي جيرمي شارب في خدمة أبحاث الكونغرس أن "الولايات المتحدة قدمت مساعدات مالية للأردن منذ عام 1951 وحتى هذا اليوم، بما مجموعه 15.833 مليار دولار أمريكي".
وقال الباحث إن حجم المساعدات الأمريكية للأردن زاد مؤخرا؛ بسبب "الدور الطليعي الذي تقوم به المملكة في محاربة تنظيم الدولة، مؤكدا أن "التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والأردن هو عنصر أساسي في العلاقات الثنائية".
شاهد كامل الدراسة (
هنا)
الجمهوريون والأردن
لكن، ماذا لو فاز الجمهوريون في انتخابات الرئاسة الأمريكية؟ كيف ستكون العلاقة مع الأردن؟ يجيب الكاتب بدارين: "إذا ما اعتمدنا على السجل التاريخي للعلاقة بين الأردن والإدارات الجمهورية والديموقراطية، نتحدث عن علاقات كانت أفضل دوما بين الأردن والجمهوريين، خصوصا في البنية العسكرية لوزارة الدفاع واللجان العسكرية والمساعدات في الكونغرس، دائما كانت هناك صلات قوية بين الجمهوريين والأردن، خصوصا أن الإدارة الجمهورية تتعامل مع الأردن باحترام لمصالحها وبتقدير أكبر ما دام شريكا للسلام مع إسرائيل".
وبالرغم من "العتب الأردني الأمريكي والتقارب الأردني الروسي"، يرى محللون أن العلاقة بين المملكة الأردنية والولايات المتحدة تبقى "علاقة استراتيجية قد يحدث فيها بعض الخلافات، ويبقى "الأردن يدور في الفلك الأمريكي، ولن تتوقف المملكة عن ذلك"، كما يقول بدارين.