نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، تقريرا يتناول موضوع الوثائق المسربة "بنما ليكس" التي كشفت تورط عدد من الزعماء والمشاهير في صفقات مشبوهة.
وقالت الصحيفة في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن تسريب الوثائق كشف عن كيفية جعل بوتين أفراد عائلته والمقربين منه "فاحشي الثراء"، ورغم عدم ظهور اسم بوتين في هذه الوثائق، فإن "دائرته المقربة تورطت في صفقات مشبوهة لا يمكن أن تتم دون موافقته، وتثبت هذه الوثائق أيضا انتفاع عائلته من هذه الأموال المشبوهة".
وذكرت أن هذا التسريب تضمّن ملايين الوثائق التي سحبت من قاعدة بيانات "موساك فونسيكا" والذي يعد رابع أكبر مكتب محاماة وخدمات قانونية في العالم، "وتظهر الوثائق قدرة الأغنياء وأصحاب النفوذ على استغلال الأنظمة الضريبية الخارجية والسرية بشتّى الطرق".
وأضافت الصحيفة أن هذه الوثائق سلطت الضوء على الثروة الطائلة التي حققها سيرجي رولداجين، وهو أحد أقرب أصدقاء بوتين الذي كان السبب الرئيس في تعرفه على زوجته لودميلا بوتينا، كما أنه يعدّ الأب الروحي لحفيدة بوتين.
وقالت الصحيفة إن رولدوجين تمكن من جمع ثروة قدرت بحوالي 100 مليون دولار، وربما أكثر، "وكان رولداجين قد أنكر في وقت سابق خلال وثائق قدمها لمسؤولي بنوك سويسرا ولوكسمبورغ، وجود علاقة بينه وبين أي من كبار الشخصيات الروسية، وصرّح بأنه ليس رجل أعمال".
وأظهرت الوثائق أن رولدوجين كانت له فرصة شراء أسهم في شركة "كاماز" الروسية المُصنّعة لعربات للجيش، كما أنه يمتلك حوالي 15 بالمئة من أسهم شركة قبرصية، ولديه حوالي 3.2 بالمائة من أسهم بنك روسيا الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات بعد التدخل الروسي في أوكرانيا عام 2014.
وأشارت الصحيفة إلى أن يوري كوفالتشوك هو من يرأس بنك روسيا، الذي لطالما وصفته الولايات المتحدة الأمريكية بـ"البنك الشخصي" لعدد من المسؤولين في الحكومة الروسية، من بينهم بوتين نفسه، لافتة إلى أن الوثائق كشفت أن كوفالتشوك قام بتحويل أموال بقيمة مليار دولار على الأقل؛ إلى شركة "ساندالوود كونتينانتل" في الخارج.
وبحسب "ذي غارديان"؛ فإنها تأتي هذه الأموال في إطار قروض ضخمة دون ضمانات؛ يقدمها البنك التجاري الروسي الموجود في قبرص، والذي يخضع لسلطة الحكومة، مشيرة إلى أنه "لا يوجد أي تفسير في الوثائق عن السبب وراء تقديم مثل هذه القروض"، وأنه "ثبت إعادة بعض الأموال التي تحصّل عليها البنك التجاري الروسي بمعدلات فوائد مرتفعة، وتم بعد ذلك تسريب الأرباح إلى حسابات سرية في سويسرا".
وأوضحت الصحيفة أن "ساندالوود" قامت بشراء يخت تقدر قيمته بستة ملايين دولار، أرسل لميناء قريب من سانت بطرسبرغ، "وقد تم أيضا منح أموال للدائرة المقربة لبوتين على شكل قروض دون ضمانات، وبفائدة نسبتها 1 بالمئة، ولا يعرف إلى حدّ الآن إذا ما تمّ تسديد هذه القروض أم لا".
ولفتت إلى أن "ساندالوود" منحت ثلاثة قروض بقيمة 11.3 مليون دولار أمريكي؛ لشركة في الخارج تدعى "أوزون"، حيث إن هذه الشركة تملك منتجع إيغورا للتزلج، الذي عادة ما يقصده بوتين، واستغله لإقامة حفل زفاف ابنته كاترينا لابن صديقه القديم كيريل شامالوف، "ولم يعلن هذا الزفاف إلا في 2015".
وقد تم الحصول على هذه الوثائق عن طريق الصحيفة الألمانية "سودتشه تسايتونغ" التي شاركتها مع الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية، وقامت كل من صحيفة "ذي غاريان" وقناة "بي بي سي" بنشرها.
وأضافت الصحيفة أن الوثائق تكشف معاملات سرية أخرى لدائرة بوتين المقربة، التي تسعى فقط إلى نقل الأموال إلى الخارج، وعادة ما تتضمن هذه العمليات عقود شراكة وهمية، "كما أن بنك روسيا هو أحد المتورطين في مثل هذه الصفقات، حيث أرسل هذا البنك جميع تعليماته إلى وسيط خاص، وهو شركة محاماة في زيورخ؛ ساهمت في إنشاء موساك فونسيكا لشركات وهمية تم تسجيلها في الجزر العذراء البريطانية".
من جهة أخرى؛ لا زالت التكهنات مستمرة حول حجم ثروة بوتين، "فقد أفادت تقارير عام 2007 أنها تقدر بحوالي 40 مليار دولار، وذلك وفقا لتسريبات من إدارته، أما في عام 2010، فقد ثبت أن بوتين يدير ثروته من خلال وكلاء، وأنه لا يملك رسميا أي شيء، وذلك وفقا لقنوات دبلوماسية".
وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة كانت قد فرضت عقوبات على أفراد من عائلة بوتين، بما في ذلك كوفالشوك، وذلك عقب سيطرة روسيا على القرم.. "وقد أبرزت تسريبات بنما أن الدائرة المقربة لبوتين أصبحت تتسم بالعصبية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2012 لأسباب مجهولة، كما تم غلق شركة ساندالوود ونقل معاملاتها إلى شركة أخرى وهي (أوف فاينانشال كورب) التي تقع هي الأخرى في جزر العذراء البريطانية".
وأفادت "ذي غارديان" أن ملكية إحدى الشركات التابعة لـ"أوف فاينانشال كورب" تعود لميخائيل ليسين، وهو وزير الإعلام الروسي السابق وصاحب قناة روسية، "وقد عُثر عليه مقتولا في تشرين الثاني/ نوفمبر في فندق بواشنطن، إثر تعرضه لضربات حادة على مستوى الرأس".
وأشارت إلى أن رولدوجين سُئل الأسبوع الماضي عن موضوع الشركات الخارجية، فقال: "صدقا؛ لست مستعدا لتقديم تصريحات الآن.. هذه أمور حساسة.. كنت مشاركا في هذه الأعمال من فترة طويلة قبل البيروسترويكا.. ما حدث قد حدث، وقد بدأت الأمور تتعقّد أكثر فأكثر.. وبيت الموسيقى (في سانت بطرسبرغ) تأتّى من هذا المال".
ورفض المتحدث الرسمي باسم بوتين التعليق على هذه التسريبات، قائلا إن "وكالات المخابرات الغربية هي التي تقف وراء هذا الهجوم المعلوماتي ضد بوتين، وذلك لزعزعة الاستقرار في روسيا قبل الانتخابات"، واصفا التحقيق الذي قامت به "ذي غارديان" بأنه "عمل مبتذل" واعتبر أن "لروسيا وسائل قانونية للدفاع عن كرامة رئيسها".
وفي الختام؛ بيّنت الصحيفة أن فرع البنك التجاري الروسي في قبرص علّق قائلا إنه لا يمكن أن يقدم معلومات تتعلق بعملائه، وإن "الادعاءات التي تحوم حول بوتين لا أساس لها من الصحة".