نشرت صحيفة "سلايت" الفرنسية تقريرا تساءلت فيه عن مصير المدن
العراقية المحررة من قبضة
تنظيم الدولة، والتي أصبح إدماجها يشكل تحديا حقيقيا بالنسبة للسلطة المركزية في بغداد.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن تحرير المدن العراقية التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة طيلة أشهر لم يعد يشكل فارقا كبيرا بالنسبة للأهالي، الذين أصبحوا يعتقدون أن السلطة المركزية في بغداد تفتقر للإرادة الحقيقية للتغيير.
وذكرت الصحيفة أن "الغد" أصبح هاجس العراقيين الوحيد في الفترة الأخيرة، بعدما أزالت الحرب مدنا بأكملها عن بكرة أبيها، في حين تبدو السلطة المركزية في بغداد عاجزة عن تمويل عملية إعادة إعمار المدن المنكوبة، أو حتى التوصل لاتفاق مع الجماعات المحلية في هذه المدن يضمن تركيز سلطة محلية تعمل على إدارة شؤون المناطق المحررة.
وأضافت الصحيفة أن المشكلة الحقيقية التي تواجه المناطق المحررة هي انعدام الثقة بينها وبين السلطة المركزية، التي كانت إما تنظر إليهم على أنهم ضحايا لوحشية تنظيم الدولة، أو تتعامل معهم على أنهم متواطئون سابقون معه.
وجاء في الصحيفة أنه إذا ما تواصل غياب رؤية واضحة لمستقبل المدن المحررة في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة، فإن هذه المناطق المحررة ستكون مهددة بالدخول في صراعات داخلية وفراغ سياسي قد يطيحان بكل المجهودات التي تم تسخيرها لتحرير هذه المدن، تماما مثلما حدث مع
ميليشيات الصحوة التي أدى اقتصارها على الحلول العسكرية في مواجهة تنظيم القاعدة في سنة 2010 إلى انتكاسة حقيقية تجسدت في استعادة تنظيم القاعدة سريعا لسيطرته على الوضع.
وذكرت الصحيفة أن العراق لا زال يشكو من تداخل السلطة بين الحكومة الإقليمية الكردية في أربيل، والحكومة الاتحادية في بغداد، وهو ما يجعل إمكانية التوصل لاتفاق سلمي يقوم على إدماج السلطات المحلية في العملية السياسية بطريقة تضمن الاستقرار في المدن المحررة أمرا مستبعدا، خاصة في ظل المحاولات المتكررة لاستقطاب القوى المحلية واستغلالها في خدمة المصالح السياسية الضيقة.
وأضافت الصحيفة أن ما حدث في مقاطعة توز خرماتو التابعة لمحافظة صلاح الدين، بعد أن قامت القوات العراقية بتحريرها من سيطرة تنظيم الدولة، يبين النتائج السلبية لغياب رؤية سياسية واضحة لمستقبل المدن المحررة، فقد أصبحت هذه المقاطعة بعد أشهر من تحريرها مسرحا للخلافات بين قوات الحشد الشعبي، وقوات البشمركة الكردية.
كما أوضحت الصحيفة أن طبيعة الانقسامات الطائفية في العراق كانت وراء تأجيج الصراعات الداخلية في ظل غياب وتخاذل السلطة المركزية، فالخلافات لم تعد تقتصر على
الأكراد في مواجهة التركمان، أو بغداد في مواجهة أربيل، بل امتدت لتشمل الصراعات الداخلية داخل الميليشيات المسلحة، مثل عصائب أهل الحق التي تعارض نفوذ فيلق بدر، أو المجموعات الكردية المتشددة التي تعارض سلطة الاتحاد الوطني الكردستاني. وتتحرك كل هذه الطوائف والمجموعات بكل حرية، مستفيدة من حالة الفوضى التي أصبحت تسيطر على الوضع العراقي.
وذكرت الصحيفة أن كل المؤشرات حول الوضع في العراق تدعم إمكانية تكرار مثل هذه السيناريوهات في المدن المحررة حديثا، مثل مقاطعة سنجار من محافظة نينوى، التي تسكنها أغلبية يزيدية، فبالرغم من تحرير مقاطعة سنجار من سيطرة تنظيم الدولة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، فإن استهداف منازل اليزيديين من طرف القوات العراقية، وبالإضافة إلى انعدام الثقة بينهم وبين جيرانهم العرب والأكراد الذي دفعهم إلى الهجرة الجماعية من سنجار، فقد اليزيديون ثقتهم في الاتحاد الوطني الكردستاني منذ تخليه عن سنجار إثر أول هجوم نفذته عناصر تنظيم الدولة ضد المدينة، وهو ما سمح للحزب الديمقراطي الكردستاني بالسعي لفرض وجوده، والسيطرة على الوضع في مدينة سنجار، بمعزل عن السلطة المركزية في بغداد، والسلطة الإقليمية في أربيل، ما حد من الخيارات المتاحة للجماعات اليزيدية المسلحة، مثل قوى حماية اليزيديين بقيادة حيدر شيشو.
وأضافت الصحيفة أن الخلافات حول مناطق جلولاء والسعدية التابعة لمحافظة ديالي، أدت إلى تعقيد الوضع، حيث منعت هذه الخلافات عودة النازحين وعطلت مجهودات إعادة بناء ما دمرته الحرب.
ولذلك عقدت السلطة المركزية اتفاقا غير رسمي مع ممثلين أكراد في صيف سنة 2015، تتحصل بموجبه بغداد على منطقة السعدية، بينما تتحكم القوات الكردية في منطقة جلولاء.
وأدى هذا الاتفاق السري إلى إعادة الاستقرار نسبيا لمحافظة ديالي، وسمح لبعض النازحين السنة بالعودة إلى مناطقهم، إلا أن هذا الاتفاق يبقى هشا، في ظل استبعاده للمليشيات الشيعية، والسنة المعارضة للأكراد، إضافة إلى التهديد المتواصل الذي يشكله تنظيم الدولة.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى توسع تنظيم الدولة بسرعة كبيرة في العراق، يعود إلى تهميش كل من السلطة الإقليمية في أربيل، والسلطة المركزية في بغداد للأقليات العرقية والإثنية، وإقصائها من المشهد السياسي للبلاد، وهو ما يجب تحديدا أن تعمل السلطات العراقية على تداركه مستفيدة في ذلك من دعم الولايات المتحدة في مواجهة تنظيم الدولة.