نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية تقريرا عن محاولات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني
بلير، استخدام صندوق/ وقف لم يكشف عنه؛ كي يتلقى منه الأموال المدفوعة له، لقاء خدماته الاستشارية، بما فيها تلك التي دفعتها له أنظمة وحكومات مثيرة للجدل.
وجاء في تحقيق أعده أليكسي موستروس وبيلي كنبر أن مدير مصلحة
الضريبة والجمارك "في حينه" ديف هارتنت تلقى اتصالا من شركة استشارية استأجرها محامون لتوني بلير؛ للحديث معه حول مؤسسة "وقف" مثيرة للجدل، وتقع في قلب نشاطات إمبراطوريته المالية، بحسب ما زعم مستشارون سابقون له.
ويشير التقرير إلى أنه تم النقاش مع مصلحة الضريبة والجمارك بعد وقت قصير من مغادرة بلير مقر الحكومة واستقالته عام 2007، حيث شمل النقاش كيفية تعامل مستشاريه مع الضريبة المستحقة على الوقف.
وتنقل الصحيفة عن مستشاريه قولهم إن بلير أنشأ
وقفيات "إنتريست إن بوزيشين"، التي لم يكشف عنه أبدا؛ من أجل استقبال الأجور التي تلقاها عن أعماله الاستشارية، بما فيها تلك التي دفعتها له أنظمة مثيرة للجدل.
ويلفت الكاتبان إلى أن وقفيات "إنتريست إن بوزيشين" هي هيئات قانونية يمكن أن تملك عقارات أو أسهما وأي شكل من أشكال الدخل للشخص المستفيد منها ولمدى الحياة، حيث تقدم هذه الهيئات منافع ضريبية، كما يقول الخبراء، بما في ذلك إمكانية نقل
الثروة للأبناء، ودون أن تستحق عليها الضريبة، مشيرين إلى أن هذه الهيئات ليست بحاجة إلى تقديم تفاصيل وجداول عن مداخيلها لمصلحة الضريبة.
ويفيد التقرير بأن محامي بلير رفضوا توضيح السبب الذي أنشئت من أجله المؤسسة، أبعد من كونها محاولة لحماية الخصوصية الفردية لرئيس الوزراء الأسبق، لكنهم قالوا إن بلير لم يحاول استخدام المؤسسة للحصول على منافع ضريبية.
وتذكر الصحيفة أن نوابا في البرلمان البريطاني طالبوا بالتحقيق في الأمر، وعما إذا كانت الطريقة التي تصرفت فيها مصلحة الضريبة تصل إلى درجة منح بلير معاملة خاصة من المسؤولين البارزين في المصلحة.
وينقل الكاتبان عن محام بارز في قضايا الضريبة قوله إن دافعي الضريبة العاديين "لا يحلمون بأن يقتربوا من هارتنت، أو أي من مسؤولي مصلحة الضريبة البارزين".
ولم تستطع "التايمز" التأكد فيما إن تم الاتصال بهارتنت، كما زعم المستشاران بشكل منفصل، وقال ممثلون عن رئيس الوزراء إنه لم تتم استشارة هارتنت نيابة عن بلير، ولم يتلق الأخير معاملة خاصة.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه في سلسلة مقابلات مع صحافيين سريين، وصف المستشاران، اللذان كانا يعملان في شركتين مختلفين وقت إنشاء المؤسسة- الوقفية، هارتنت بأنه صاحب الشخصية الصعبة، لكنه "ومع أشخاص مثلنا سهل ولين في الحديث".
ويلفت الكاتبان إلى أن هارتنت اتهم في الماضي بتقديم صفقات "تحلية" للشركات، بما فيها "غولدمان ساكس" المصرفية و"فودافون"، أثناء عمله رئيسا لمصلحة الضريبة، منوهين إلى أنه لا يوجد ما يشير إلى عرضه صفقات كهذه لبلير.
وتقول الصحيفة إنه في مقابلة مع مستشار سابق قال لصحافيين تظاهروا بأنهم ممثلون لعائلة هندية ثرية تريد التعامل مع شركته: "ذهبنا للقاء مصلحة الضريبة وجها لوجه"، وفي سؤال عن مقابلة المستشار لهارتنت أجاب: "لا، لكنه فعل، أكيد، فقد جلس كل واحد معه، وقالوا إن هذا في مصلحة كل واحد"، وقال المستشار الأول: "إما أن نمضي قدما أو لا"، ويقول المستشار إن مسؤولي الضريبة اليوم لا يمكن الوصول إليهم؛ لأنهم يخشون من الظهور أمام لجان تحقيق عامة.
وتضيف الصحيفة أن حكومة بلير قامت في عام 2006 بتشريع نسبة 20% "رسوم دخول" على الأرصدة الموضوعة في "إنتريست إن بوزيشين"، وهي أكثر من المفروضة على ضريبة الأرث، التي تدفع عن كل مبلغ يزيد على 325 ألف جنيه إسترليني، في محاولة من الحكومة للحد من
التهرب الضريبي، مشيرة إلى أن مبلغ عشرة ملايين في الصندوق الوقفي يجب أن يدفع عليها مليونا جنيه إسترليني ضريبة، مشيرة إلى أن الشركة الاستشارية ناقشت المستحقات مع مسؤولي مصلحة الضريبة، لكن المستشارين قالا إن بلير لن يدفعها.
وقال محامو بلير إنهم ليسوا متأكدين من هوية المستشارين اللذين تحدثا مع الصحيفة، وتساءل وزير حكومة الظل السابق في حزب المحافظين ديفيد ديفيس عن الإجراءات التي وضعت بين المستشارين والمصلحة دون تدقيق، حيث إنها لم تتوفر لأي من دافعي الضريبة العاديين، وسيكتب ديفيس إلى لجنة الحسابات العامة التي ترأسها سابقا، وسيطالب بتحقيق في المعاملة الخاصة التي تمنحها الضريبة للشخصيات المهمة.
وينوه التقرير إلى أن هذه التطورات تأتي بعد كشف رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون عن سجله الضريبي في أعقاب نشر ملفات بنما، حيث قال كاميرون إنه مقتنع بأن الكشف عن سجله الضريبي هو الخيار الصحيح، خاصة أنه ووزير الخزانة مسؤولان عن "مالية الأمة"، لافتا إلى أنه بالمقارنة معهما، فإن بلير لا يزال صامتا، رغم أنه يؤكد دفعه للضرائب المستحقة عليه في
بريطانيا كلها، وأنه ليس متورطا في تهرب ضريبي.
ويبين الكاتبان أنه منذ أن ترك بلير المنصب في الحكومة، فإنه راكم عشرات الملايين من الجنيهات، حيث تستخدم شركة الاستشارة التي أنشأها "توني بلير وشركاه" عددا من الآليات الغامضة التي تحجبها عن التدقيق العام، مشيرين إلى أن عملاء بلير السابقين والحاليين يضمون شركة البترول السعودية والصندوق السيادي لإمارة أبو ظبي والحاكم المستبد في كازاخستان.
وتذكر الصحيفة أن وزير الخزانة في عهد بلير غوردون براون هو من أقر نسبة 20% رسوم دخول على الوقفيات في السنة الأخيرة له عندما كان وزيرا للمالية، بعد خروج بلير من السلطة، ولم يدفع بلير الرسوم المستحقة؛ لأن الفائدة المفروضة على وقفيته لا تعد نقلا للقيمة، كما يقول مستشاروه، ويقول محامون مستقلون إن تحويل ملكية عقار إلى الوقفية يعطي المستفيد منه مميزات عدة؛ منها نقل ملكيته للورثة دون ضريبة إرث.
ويورد التقرير أن الباحث في شبكة العدالة في الضريبة أليكس كوبام تساءل عن الإجراءات المعقدة التي تتم في هذه الوقفيات، التي تطرح أسئلة جدية، حيث قال إن الأشخاص الذين يقومون بعمل هذه الإجراءات يفضلون عملها بالسر، ويضيف كوبام: "لهذا السبب يجب على الحكومة تقديم شفافية أكثر حول عمل الوقفيات؛ حتى لا تقدم بديلا غامضا عن بنى الشركات".
وبحسب الصحيفة، فإن محامي بلير يؤكدون أن تعاملات بلير المالية كلها هي خاصة، ونفوا أن يكون قد تلقى معاملة تفضيلية من مصلحة الضريبة، وقالوا إن مستشاريه اتبعوا الإجراءات العادية، فمن "الطبيعي" الاتصال مع مصلحة الضريبة كما فعل، وأضافوا أن مصلحة الضريبة طلبت هذا الاتصال، وشجعت الأفراد لى التواصل معها، وأنه ليس هناك ما يشير إلى أنه طلب إعفاء من مصلحة الضريبة.
ويكشف الكاتبان عن أن متحدثة باسم بلير نفت أن يكون تلقى معاملة تفضيلية من الضريبة، وقالت إن بلير لم ينشئ الشركة من أجل الحصول على منافع ضريبية، وإنه قام بدفع الضريبة المستحقة على الدخل الذي يحصل عليه كله، بل أكد على المحاسبين أهمية عدم البحث عن إعفاءت ضريبية أو معاملة تفضيلية.
ويذهب التقرير إلى أن معظم الثروة التي بناها بلير بعد مغادرته الحكومة نابعة من علاقاته الشخصية، التي أقامها عندما كان رئيسا للوزراء، أو من الذين حاولوا الحصول على دعمه والاستفادة من موقعه المتميز، مستدركا بأنه رغم هذا، فقد اختار إخفاء أسماء عملائه والرسوم التي يتلقاها منهم عن الرأي العام، عبر إنشاء عدد من الشركات والشراكات.
وتقول الصحيفة إنها تلقت العام الماضي معلومات عن إجراءات اتبعها بلير ومن يساعدونه للحصول على فوائد من الضريبة، مشيرة إلى أنها قررت القيام بعملية تحقيق سري؛ لأن هذا التحقيق يصب في مصلحة الرأي العام، حيث قام الصحافيون بالتخفي بزي عملاء يبحثون عن خدمة مستشار سابق لبلير انضم لاحقا إليه آخر كان يعمل مع بلير، وبعد سلسلة من اللقاءات كشف المستشاران عن أن مالية رئيس الوزراء الأسبق هي أكثر دقة وخفاء مما كان يعتقد سابقا، وتضم وقفية تمنح بلير مزيدا من الخصوصية، مع أن محامي بلير ينفون أنه أنشأها من أجل الاستفادة من النظام الضريبي.
ويوضح الكاتبان أن طريق بلير للغنى بدأ بعد يوم واحد من مغادرته 10 داونينغ ستريت في 27 حزيران/ يونيو 2007، حيث عين ممثلا للرباعية الدولية "الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة"، وقضى عشرة أيام من كل شهر في المنطقة حتى استقال من منصبه العام الماضي، واستأجر بلير ولمدة خمس سنوات طابقا كاملا من فندق "أمريكان كولوني" في القدس، وفي الوقت ذاته استخدم براعته في إدارة علاقاته من أجل الحصول على عقود مربحة.
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن أحد المناصب المهمة هي التي عُين فيها بلير مستشارا في مجلس إدارة "غولدمان ساكس" وبراتب سنوي 2.5 مليون جنيه، حيث حصل على رسوم لخطاباته التي بدأ يلقيها في أنحاء العالم، ومنها خطابه في الصين، الذي تقاضى عليه 200 ألف جنيه إسترليني، وحصل على رسوم عمل يوم واحد "مليون دولار"، حيث توسط في نزاع لشركة التنقيب "غلينكومور"، وبنت شركته علاقات عمل مع عدد من الأنظمة من منغوليا إلى كازاخستان وكينيا وأبو ظبي، وحصل على عقد من شركة البترول السعودية بقيمة 41 ألف جنيه إسترليني عن كل شهر.