ثمة أسئلة ربما لم تعد محرجة في سياق العلاقة بين
العسكر والسياسة، فيرى البعض أن العسكر، والجيوش العربية خصوصا، ظلت ردحا من الزمن في دائرة المسكوت عنه، للحفاظ على العقيدة العسكرية من التشوه، جراء دخولها في السياق السياسي أو حتى الثقافي، بحسب مراقبين.
ويقول الكاتب والسياسي
المغربي أحمد بن الصديق، إن أحدا لم يخبرنا بأن أموالا باهظة تُمنح للعسكر "ثمنا لأن يصمتوا عن خيانات السياسة، أو يصوموا عن التعاطي في الشأن الثقافي والإعلامي".
وأضاف لـ"
عربي21" أن القاعدة الذهبية التي تحكم علاقة العسكر والسياسة في المغرب، وربما في دول عربية أخرى، هي "اشتغلوا بجمع المال، ولا تنشغلوا بالسياسة"، ويقال بأن هذه القاعدة -بحسب ابن الصديق- كانت نصيحة الملك المغربي الراحل الحسن الثاني لكبار ضباط
الجيش، بعد المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين اللتين عرفهما المغرب عام 1971 ثم 1972، وتورطت فيهما آنذاك قيادة الجيش المغربي.
موازنات عملاقة
وبيّن أن قضية الصحراء المغربية، أو ما يطلق عليه في القاموس الرسمي المغربي بـ"الوحدة الترابية" تعد قضية مغربية مقدسة، ناصرتها العقيدة العسكرية، "وبحجتها يتم الصرف على العسكر بموازنات عملاقة بلا حسيب أو رقيب"، موضحا أن استمرار هذه القضية "يجعل العلاقة بين العسكر والحكومة موضع نظر وشك، ويضع تحتها خطوطا حمراء كثيرة".
وقال ابن الصديق إن "البرلمان المغربي يصادق بالإجماع ودون نقاش على ميزانية الجيش، كما أن صرفها لا يخضع لأي نوع من الرقابة أو المحاسبة من طرف أجهزة مراقبة المال العام، كالمجلس الأعلى للحسابات، ما يدع الباب مشرعا أمام كل أنواع
الفساد وتقاسم العمولات، بل وحتى تمرير الصفقات".
واستذكر قضية القبطان مصطفى أديب "الذي كان ضابطا في سلاح الجو، وكان شاهد عيان على اختلاسات في النفقات من طرف بعض رؤسائه، فقام بفضح الفساد على رؤوس الأشهاد على عهد الملك الحسن الثاني في أواخر تسعينيات القرن الماضي، عبر حديثه للصحافة الفرنسية، فما كان من قيادة الجيش إلا أن لفقت له تهمة إفشاء السر العسكري، وألقت به في السجن".
محاصصات مكتسباتية
من جهته؛ أشار الجنرال العسكري الأردني المتقاعد، محمد السرحان، إلى تحذير الرئيس الأمريكي الأسبق آيزنهاور عام 1961، من العلاقة الحرجة التي يمكن أن تقوم بين العسكر والصناعات الحربية المعقدة، "حيث عدّها هاجسا سياسيا من حيث تنامي الميزانيات الدفاعية، وتخوف من أن يسيطر العسكر على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية".
وأضاف لـ"
عربي21": "هذا في أمريكا، أما في إسرائيل؛ فإن حربا بحجم الحرب على لبنان؛ لم تكن تحتاج من رئيس الأركان الإسرائيلي دان حالوتس؛ سوى لثلاث ساعات، لاستصدار قرار سياسي بها، وهذا يدعم الحديث عن سطوة العسكر في الإدارة السياسية للدولة".
وقال السرحان إن "الجيش مهيأ لحماية الدولة والنظام والمكتسبات، ويجب عليه أن لا يتدخل في السياسة"، مستدركا بأن "بعض الدول العربية بنت نظامها العسكري، وعقيدتها العسكرية، على حماية الحاكم فحسب، ولعل ما جرى في ثورات الربيع العربي ببعض دول الأزمات؛ خير دليل على ذلك".
وبيّن أن الفساد عادة ما يرتبط بالجيوش التي تكون عقيدتها مرتبطة بحماية الأنظمة؛ "إذ تجري محاصصة مكتسباتية بين السياسيين النظام وبين العسكر"، مؤكدا أنه "في الأنظمة الديمقراطية؛ يجب أن يغيب الدور السياسي للعسكر، ليبقى دوره حاضرا في الاستراتيجية السياسية العامة للدولة".
وحول تاريخية العلاقة بين العسكر والسياسة؛ قال السرحان: "ربما لم يخبرك أحد؛ بأنه في سوريا مثلا؛ جرى بين عامي 1957 و1959، 13 انقلابا عسكريا، بغض النظر عما نجح منها أو فشل، وربما أيضا لم يخبرك أحد بأن مصر لم يحكمها إلا قائد عسكري، منذ عهودها التاريخية القديمة إلى اليوم" باستثناء حكم الرئيس محمد مرسي".
وفسر ذلك بالقول: "في العقيدة والفكر السياسي؛ فإن من يملك المال والعسكر؛ يملك أعمدة الحكم، وعلى هذا الأساس جرت تفاعلات كبيرة بين العسكر والسياسة على مستوى الخارطة السياسية العربية".