تأتي التطورات الدراماتيكية في علاقة الدولة بالإخوان، ثم إغلاق قناة اليرموك، والتساؤلات حول مستقبل حزب جبهة العمل الإسلامي، في الوقت الذي تترقب فيه الأوساط السياسية والإعلامية والمراقبون الدوليون تحديد مواعيد الاستحقاقات الدستورية، لاسيما موعد الانتخابات النيابية المقبلة، بعد أن تمّ إقرار قانون انتخاب جديد، ما يخلق شكوكا وتساؤلات جوهرية حول المرحلة القادمة.
بالرغم من تحفظ جماعة الإخوان المسلمين على قانون الانتخاب، إلا أنّ المنطق يقول إنّ هناك إدراكا من قبل قادة الحركة لأهمية المشاركة وضرورتها في الانتخابات المقبلة، حتى وإن كان ذلك تحت يافطة "جبهة العمل الإسلامي"، لأنّ هذه المشاركة أصبحت بمثابة شرط لإثبات الوجود القانوني وحماية الدور السياسي لهذا الاتجاه السياسي العريض.
المنطق البراغماتي يدفع باتجاه توقّع مشاركة جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات. لكنّ الرسائل المتبادلة بين الدولة والجماعة الأمّ ما تزال مشوّشة ومربكة وضبابية، ما يضفي غموضا سلبيا على توقعاتنا تجاه المرحلة القادمة، ونوايا كل من الطرفين تجاه الآخر!
إذا كانت الخطوات التي قامت بها "الدولة" تجاه "الجماعة" تهدف إلى "جرّها" عنوة إلى تصحيح الأوضاع القانونية، والالتزام بالاعتبارات الوطنية، وفك الارتباط مع التنظيم الدولي والحركات الشقيقة في الخارج، والخروج من ازدواجية الجماعة والحزب، وإشكاليات السرية والعلنية، نحو حضور مؤطر قانونيا واضح في مسار الحركة، لتتحول إلى حزب سياسي يعمل ضمن السقف القانوني والسياسي الواضح، فإنّ التمادي في هذه الخطوات يؤدي إلى نتائج سلبية، ويخلق حالة من الشك الكبير في "نوايا الدولة" تجاه الحركة، والأهمّ من هذا وذاك حول نزاهة الانتخابات النيابية المقبلة في حال شاركت الحركة، مع ضمان عدم تكرار ما حدث في الانتخابات البلدية والنيابية في العام 2007!
إلى الآن، يبدو العنوان الأكثر وضوحا بشأن "نوايا" الدولة تجاه "الجماعة" هو "التنكيل والانتقام" مما اعتبرته الدولة تجاوزا كبيرا من "الجماعة" للخطوط الحمراء كافّة خلال فترة "الربيع العربي"، أولا؛ واستثمارا في الأزمة الداخلية الإخوانية إلى أقصى مدى، ثانيا.
وإلى الآن أيضا، تبدو القاعدة التي تحكم علاقة الدولة بالجماعة هي "اللعبة الصفرية"؛ أي ما أربحه أنا تخسره أنت. لذلك، فإن الكيفية التي يقرأ بها بعض المسؤولين الإجراءات الحالية هي عملية تسجيل أهداف في مرمى الخصم، واستغلال انهيار دفاعاته!
لم يلجأ الأردن في أيّ مرحلة تاريخية إلى إلغاء الإخوان، حتى بعد "الربيع العربي"، فلم يواكب القرار الإقليمي العربي بإعلان الجماعة منظمة إرهابية. وكان ذلك خيارا حكيما؛ لأنّ تجارب الصراع الماثلة أمامنا في الدول كافة لم تؤدّ إلى القضاء على الجماعة، بل جذّرتها وخدمتها، حتى في أكثر الدول قمعية وبوليسية، فبأيّ منطق نفكر الآن، ونحن لسنا بحاجة أصلا لهذه السياسات أن نفكّر فيها؟!
على الطرف الآخر، صحيح أن "الجماعة" أخطأت في تقدير الموقف في "الربيع العربي"، ثم في قراءة السياسات الرسمية، والأهم من ذلك في حالة الإنكار لخطورة الأزمة الداخلية؛ إلاّ أنّها بعثت برسائل "حسن نوايا" كثيرة في الفترة الأخيرة، منها تعديلات النظام الداخلي.
إلاّ أنّ الأزمة الداخلية وإقصاء التيار المعتدل أثّرا على موقف الدولة من الجماعة أولا. وكلمة المراقب العام للإخوان عند إغلاق مقرات الجماعة كان لها وقع سلبي جدا، لما تضمنته من استعادة وتمثّل للخطاب "الأيديولوجي القطبي" في الجماعة، ثم الإصرار على إجراء انتخابات داخلية تحدّيا لقرار إغلاق مقرات الجماعة!
على أيّ حال، إنجاح الانتخابات المقبلة يتطلب من الطرفين وضوحا أكبر في النوايا، والعودة إلى طاولة الحوار -حتى لو عبر حزب جبهة العمل الإسلامي- وتحديد التوقعات والمطالب، بلا مواربة ولا غموض.
(عن الغد الأردنية ـ 19 نيسان/ أبريل 2016)