يقف جنود ملثمون لحراسة البوابة، ويصل دبلوماسيون أجانب يوميا يحملون عروض المساعدة إلى قاعدة أبو ستة البحرية بطرابلس، حيث بدأت الحكومة الليبية الجديدة المدعومة من الأمم المتحدة محاولة للسيطرة على البلاد الغارقة في الفوضى.
وحتى بعيدا عن جدران قاعدة أبو ستة شديدة الحراسة، ليست
طرابلس مدينة ودودة دائما.
ومنذ وصول رئيس الوزراء فائز
السراج ونوابه على متن سفينة قادمة من تونس، في الشهر الماضي، بعد منع محاولات سفرهم جوا إلى طرابلس، يدخلون بحذر إلى العاصمة التي لا تزال خاضعة لسيطرة كتائب مسلحة.
ويتعرض السراج لضغط هائل من الليبيين، الذين فرغ صبرهم، ويريدون إنهاء حالة انعدام الأمن والاضطراب الاقتصادي بعد سنوات من القتال بين وحدات متناحرة من المقاتلين السابقين الذين تنافسوا على السلطة بعد سقوط معمر القذافي في 2011.
ويتطلع أيضا الحلفاء الغربيون إلى شريك ليبي مستقر؛ للمساعدة على احتواء التمدد المتزايد لمتشددي تنظيم الدولة، ومنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر المتوسط.
وقال أحمد معيتيق نائب رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني: "سنبدأ العمل حالما تستقر الأمور... نحن لا نسبب أي إراقة للدماء".
وأضاف معيتيق أن حكومة الوفاق الوطني تمكنت من تأمين ما لا يقل عن ستة مبان وزارية في طرابلس. ولا تزال المباني الأخرى خاضعة لسيطرة جماعات مسلحة شبه رسمية في كثير من الأحيان لا يمكن معرفة الأطراف التي تدين بالولاء لها.
وتحاول حكومة السراج المدعومة من الأمم المتحدة الجمع بين حكمة المؤتمر الوطني العام وحكومة أخرى شكلها البرلمان المنحل في أقصى شرق البلاد.
وقال معيتيق: "نحن نتواصل مع كل الأطراف... هذه حكومة وفاق، ومن ثم نحاول التحلي بالمرونة مع كل شخص قدر المستطاع".
لكن قدرة حكومة الوفاق الوطني على التحرك أعمق داخل طرابلس سيعتمد على الجماعات المسلحة العديدة بالمدينة، التي تتلقى في الغالب رواتبها من الوزارات أو مجالس المدينة، لكن من الصعب قراءة تحالفاتها السياسية.
وحتى الآن يسود الهدوء النسبي العاصمة.
وقال هاشم بشر، قائد كتيبة الفرقة الأولى القوية، إن ما يصل إلى 80 بالمئة من الجماعات المسلحة تؤيد الآن حكومة الوفاق الوطني.
وفي ميدان الشهداء، حيث يتواجد رجال بشر، وحيث كانت تجري الاحتجاجات المؤيدة لفجر
ليبيا باستمرار، نظمت مظاهرتان سلميتان صغيرتان، واحدة مؤيدة والثانية مناوئة لحكومة الوفاق الوطني يوم الجمعة.
وراء الكواليس
قال عبد الرحمن السويحلي، وهو سياسي مؤيد لحكومة الوفاق الوطني، وانتخب في الآونة الأخيرة لرئاسة البرلمان الموجود في طرابلس بعد إعادة تشكيله، إن وصول قادة حكومة الوفاق جرى "أفضل بكثير مما كان متوقعا" يوم 30 آذار/ مارس.
وأضاف: "كنا نعمل وراء الكواليس لأسابيع، وجاء الموقف الصعب يوم الأربعاء... كنت أشعر بالقلق".
وقال السويحلي إن خطر وقوع أعمال العنف كان يتناقص يوما بعد يوم، ولم تكن هناك "فرصة" للكتائب "للاستمرار، مثلما كانت من قبل، دون سيطرة عليها".
لكن الحفاظ دعم الكتائب وتوسيعه، ناهيك عن السيطرة السياسية عليها، ستكون مهمة دقيقة.
وعادة ما تندلع نزاعات شخصية أو معارك على الممتلكات، وقد يحدث إطلاق نار كثيف في جنح الليل.
واعترف بشر بأن توقع حدوث "مخالفات أمنية" أدى إلى تأخر تسليم بعض الوزارات، وبأن إحدى الكتائب دفعت للسيطرة بمفردها على مكتب رئيس الوزراء، على عكس رغبة قادة الحكومة الجديدة.
وقال بشر إن رجاله على استعداد للانضمام إلى الشرطة، لكن لا يمكنهم التكامل التام؛ بسبب استمرار حالة انعدام الأمن.
وأضاف بشر أن المشكلة تكمن في أنه إذا تخلى رجاله عن سلاحهم "فمن سيقوم بالدفاع عنهم؟"
وقال عادل الغرياني مدير الإدارة السياسية لغرفة عمليات ثوار ليبيا، وهي كتيبة مسلحة أخرى، إن بعض الجماعات تريد أن ترى قادة حكومة الوفاق الوطني يعالجون مخاوف المعارضين في طرابلس، ومن بينهم مفتي ليبيا.
وأوضح أن بيانا نشر في الآونة الأخيرة على الموقع الإلكتروني لغرفة عمليات ثوار ليبيا يعد "بحرب طويلة" ضد حكومة الوفاق الوطني زائف. لكنه قال إنه سينتظر ليرى ما إذا كانت حكومة الوفاق الوطني ستحصل على مزيد من التأييد السياسي والشعبي قبل الالتزام بتأييدها.
وأضاف الغرياني: "سأحاول دفع أصدقائي للحياد لأقصى درجة"، قائلا إن المشورة لأعضاء الجماعة هي تجنب الالتزام بالتأييد الكامل للحكومة الجديدة.