نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافيين بن هوبارد ونيكولاس كليش، قالا فيه إن العام الماضي كان مقلقا جدا بالنسبة للناس في
السعودية، الذين اعتادوا على الثراء والسلطة الإقليمية، اللتين تأتيان مع النفط، فوجدوا المتطرفين يطلقون النار على المجتمعات التي تعيش على الحدود الجنوبية، والمتظاهرين يقتحمون السفارة السعودية في طهران، والحرب الأهلية تستعر في ثلاثة بلدان قريبة.
ويشير التقرير إلى أن الصورة تزداد قتامة بسبب إصرار أسعار النفط على البقاء منخفضة، ما يحد من إمكانيات الحكومة للتجاوب مع الأزمات، بينما تتحرك
إيران، منافسة السعودية، لتنشر نفوذها على حساب الأخيرة.
وتقول الصحيفة إنه "تحت هذا الضغط الكبير، تصرف السعوديون بشكل غير متوقع، وبطريقة تتعارض مع مصالح واشنطن، حيث قاموا بإطلاق عملية عسكرية مكلفة في الجارة
اليمن، التي فشلت إلى الآن في هزيمة الحوثيين، وقوت تنظيم القاعدة، كما قاموا بإعدام عدد من المعارضين، بينهم رجل دين شيعي، بالإضافة إلى أن السعوديين تركوا لبنان إلى حد كبير، وأوقفوا مليارات الدولارات التي كانوا وعدوا بها كمساعدات؛ بسبب تنامي النفوذ الإيراني هناك".
وتضيف الصحيفة: "هذه هي السعودية، التي ستستقبل الرئيس
أوباما في زيارته المجدولة ليوم الأربعاء، الذي هو مصدر جزء كبير من قلق الشعب السعودي، ولطالما قال صانعو القرار في أنحاء المملكة إنهم لا يشعرون بأن أوباما يراعي المصالح الإقليمية لبلادهم، حيث إنه بعد أن انتقد أوباما السعوديين الشهر الماضي، ووصفهم بـ(الركاب بالمجان)، تحولت هذه الشكوك إلى مخاوف من أن أوباما يعمل على تقويض تلك المصالح".
ويلفت الكاتبان إلى أن أوباما قد يستخدم زيارته لإصلاح العلاقات، مستدركين بأنه يبقى من غير الواضح كم تضررت هذه العلاقات، التي لطالما ربطت بين أمريكا والعائلة المالكة السعودية، وإن كان بالإمكان إصلاح هذا الضرر.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن رئيس المخابرات السابق والسفير السابق للولايات المتحدة الأمير تركي الفيصل، قوله: "إنه عامل قلق بالنسبة لنا إن قررت أمريكا التراجع، فقد تغيرت أمريكا، وتغيرنا نحن، وبالتأكيد نحتاج إلى إعادة ترتيب وإعادة ضبط فهمنا لبعضنا".
وتجد الصحيفة أن هذه الفترة تشكل خطرا للسعوديين الذين يواجهون تحديدات اقتصادية وديمغرافية، بالإضافة إلى مخاوف أمنية واستراتيجية، مشيرة إلى أنه على المستوى المحلي هناك مجموعة من الشباب السعوديين الذين يدخلون سوق العمل خلال فترة انخفاض أسعار النفط التي تحد من الفرص الاقتصادية، وتقوض نظام الضمان الاجتماعي، وعلى المستوى الإقليمي، فإن إيران تفوقت على السعودية في بلدان مهمة، مثل بلدان الربيع العربي، بالإضافة إلى أن الحرب في سوريا قلبت الموازين المحلية، وعلى المستوى الدولي، فإن ابتعاد الولايات المتحدة عن العائلة المالكة جعل السعوديين يدركون المدى الذي اعتمدوا فيه على أمريكا.
ويورد الكاتبان نقلا عن زميل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى لوري بولتكين بوغارت، قوله: "اجتمعت العديد من العوامل إقليميا ومحليا لتخلق تهديدا كبيرا للأجواء في السعودية.. ويشعر السعوديون بأنهم محاصرون".
ويفيد التقرير بأن الملوك الذين حكموا السعودية على مدى العقود الماضية، استخدموا ثراءهم من النفظ، وتنفذهم الديني بسبب وجود الحرمين تحت سلطتهم، لشد الخيوط وتمويل الوكلاء في العالم العربي وخارجه.
وترى الصحيفة أن تحالف السعودية مع الولايات المتحدة كان ضروريا ومفيدا للطرفين؛ لأن السعودية لا تملك القوة العسكرية لحماية نفسها، حيث أدركت السعودية أنه مقابل الاستمرار في تدفق النفط ومليارات الدولارات لصناعة الأسلحة الأمريكية، فإن أمريكا ستهب للدفاع عنها إن واجهت خطرا خارجيا، وأنها لن تتكلم بصوت مرتفع عن النظام السياسي المغلق للمملكة، أو حول سجلها السيئ فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
وينوه الكاتبان إلى أن هذه العلاقة تأثرت بسبب الثورات العربية لعام 2011، عندما رأى المسؤولون السعوديون أمريكا تتخلى عن حليف عربي آخر هو حسني مبارك، خلال المظاهرات الشعبية، مشيرين إلى أنه منذ ذلك الحين تزايد الإحباط بين المسؤولين السعوديين، حيث تدخلت أمريكا بشكل محدود في الأزمات الأخرى في ليبيا وسوريا وغيرهما، وكذلك عندما تم التوصل إلى صفقة نووية مع إيران.
وبحسب التقرير، فإن السعوديين كانوا يأملون بأن يشكلوا بديلا في سوريا عن إيران عندما تتغير الحكومة هناك، لكن هذا الأمل تبخر عندما قام الأسد بتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها أوباما، واستخدم الأسلحة الكيماوية، مستدركا بأن أمريكا تراجعت عن القيام بأي عمل عسكري ضده.
وتذكر الصحيفة أنه مع مرور الوقت تبين أن أوباما يفضل مقارعة تنظيم الدولة على الإطاحة بالأسد، وهذا أغضب الرياض، التي كانت تأمل بأن تزاوج بين الهدفين، لافتة إلى أن المسؤولين السعوديين يلومون في الجلسات الخاصة أوباما؛ لمنعهم من إمداد المعارضة السورية بأسلحة أكثر فعالية، مثل الصواريخ المضادة للطائرات، التي خشي أوباما بأن تستخدم خارج سوريا من الإرهابيين.
ويبين الكاتبان أن الإحباطات تراكمت وأدت إلى قيام المملكة، وتحت حكم الملك سلمان، إلى ترك دبلوماسية الشيكات، حيث شن هجوما بإعدام 47 شخصا في شهر كانون الثاني/ يناير بتهم الإرهاب، بينهم رجل دين شيعي؛ لبعث رسالة تثني الجهاديين وإيران عن محاولة زعزعة الاستقرار في المملكة.
ويشير التقرير إلى أن المحللين بدؤوا يتحدثون عن "عقيدة سلمان"، مستدركا بأن هذه السياسة ترتبط بشكل كبير بابن الملك محمد بن سلمان (30 عاما)، الذي يشغل منصب وزير الدفاع ونائب ولي العهد، حيث تدعو هذه العقيدة إلى المزيد من الاعتماد على النفس والإصرار على مواقفهم في الشؤون الإقليمية.
وتذكر الصحيفة أن السعودية قامت الشهر الماضي بتجميد 4 مليارات دولار مساعدات للجيش اللبناني؛ بحجة أن حزب الله أصبح قويا جدا، بالإضافة إلى أن السعودية ودول الخليج الأخرى أصدرت تحذيرات من السفر إلى لبنان، ما أثر على السياحة هناك.
ويبين الكاتبان أن هذه التحركات فاجأت المسؤولين الأمريكيين، الذين لم يلاحظوا تغيرا في الوضع الأمني في لبنان، حيث إنهم يستمرون في دعم الجيش اللبناني؛ كونه قوة موازنة لقوة حزب الله.
ويورد التقرير أن السعودية أبدت استعدادا لاستخدام القوة بشكل مباشر، وزادت نفقاتها العسكرية العام الماضي، لتصل إلى 87.2 مليار دولار، حيث تجاوزت روسيا وأصبحت ثالث أكثر الدول إنفاقا على شراء السلاح، لافتا إلى أنها قامت الشهر الماضي ببناء مصنع أسلحة جديد، واقترحت إقامة قاعدة عسكرية في جيبوتي في القرن الأفريقي؛ لعكس قوتها في الخارج، كما قام الأمير محمد بإنشاء تحالف الدول الإسلامية لمكافحة الإرهاب، وليس واضحا متى سيبدأ هذا التحالف في العمل.
وتستدرك الصحيفة بأن الدبلوماسيين المتابعين للتحركات السعودية يشككون في إمكانياتها الاستراتيجية لتحقيق طموحاتها الجديدة، ويشيرون إلى تجربة اليمن، حيث لم تحقق الحملة العسكرية السعودية بعد أهدافها، وتسببت بمقتل حوالي 6400 شخص، أكثر من نصفهم مدنيون، وتعاني أكثر من نصف المحافظات من نقص في المواد الغذائية والدواء وتمدد نفوذ تظيم القاعدة إلى الجنوب، لكن السعوديين يدافعون عن هذه الحرب على أنها "حرب ضرورة".
ويوضح الكاتبان أن انخفاض أسعار النفط محليا أدى إلى عجز كبير في الميزانية وفرض حقوق للإنفاق، والتفكير في فرض الضرائب، مستدركين بأنه على الجانب الإيجابي، فإن السعودية تحتفظ بأكبر مخزون نفطي ضروري للاقتصاد الدولي، بالإضافة إلى أن مديونيتها قليلة، ولديها احتياطي نقدي كبير.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول رندة سليم من معهد الشرق الأوسط، إن إيران عملت منذ الثمانينيات على توسيع نفوذها بحسب خطة "طبقتها خطوة خطوة، ودفعت ثمنها دولارا دولارا"، مستدركة بأن المملكة، وإن لم تفعل ذلك، فإن نقطة قوتها تكمن في الديمغرافية، حيث إنها تقود العالم السني، الذي يتجاوز عددهم عدد الشيعة.