رغم المكاسب التي حققها الإصلاحيون وحلفاؤهم المعتدلون في انتخابات مجلسي الشورى والخبراء في شباط/ فبراير الماضي، فما زال المحافظون يسيطرون على دوائر وأجهزة مهمة في البلد، لطالما شكا
التيار الإصلاحي من استغلال منافسه المحافظ لهذه الهيمنة.
ففضلا عن سيطرة المحافظين على أجهزة المخابرات والحرس الثوري والأجهزة المنوطة بحماية الثورة عموما، لا سيما مجلس صيانة الدستور، فإنهم ما زالوا يسيطرون أيضا على أجهزة الرقابة القضائية، وهذا ما اشتكى منه مرارا التيار الإصلاحي، لأن هذه الأجهزة تهيمن على الحياة السياسية، واستطاع المحافظون من خلالها أن يحكموا بالسجن على العشرات من أعضاء البرلمان والصحفيين والمثقفين وغيرهم.
واستطاع المحافظون كذلك، إغلاق عشرات الصحف، وتمكنوا من أن يعرقلوا ترشيحات الإصلاحيين الأخيرة، حتى بات تطبيق برامج الإصلاحيين أمرا مشكوكا فيه.
وحصد المحافظون والمقربون منهم 103 مقاعد من أصل 290، في مجلس الشورى
الإيراني (البرلمان)، وحاز الإصلاحيون والمعتدلون على 95 مقعدا، والمستقلون على 14، إلى جانب أربعة محافظين معتدلين كانوا مدعومين من الإصلاحيين، وخمسة ممثلين للأقليات الدينية، بحسب النتائج النهائية للانتخابات الإيرانية المعلن عنها.
إلا أن هذه النتيجة لم تمنع المحافظين من الاستمرار في ممارسة التضييق على التيار الإصلاحي من خلال الأجهزة التي يسيطرون عليها، إذ أصدر
القضاء الإيراني بحسب ما نقلته وكالة "تسنيم" الإيرانية، تهما متعلقة بالأمن بحق أربعة صحفيين مؤيدين للإصلاح، أدينوا بـ"نشر دعاية ضد الجمهورية الإسلامية" و"التحرك ضد الأمن القومي، والتخابر مع حكومات أجنبية".
وهذه الأحكام الأخيرة تسلط الضوء على استمرار سيطرة المحافظين على القضاء، ولم تذكر الوكالة الإيرانية تفاصيل أخرى بشأن الاتهامات.
ويخشى المحافظون وفق ما تتابعه "
عربي21" أن "يؤدي انفتاح إيران على الغرب إلى إضعاف قبضتهم على السلطة في النظام السياسي المعقد. وخلال الأشهر الأخيرة، اعتقل مسؤولو أمن عشرات الصحفيين، وحاملي الجنسيات المزدوجة، والنشطاء، في إطار حملة ضد "الاختراق الغربي".
وبحسب ما نقلته وكالة "تسنيم"، قال محمد علي زادة طباطبائي وهو محام عن ثلاثة من الصحفيين المدانين، إن الأحكام صدرت بحق موكليه الثلاثاء، عندما مثلوا أمام المحكمة.
وقال طباطبائي، إن الأحكام تراوحت بين خمسة أعوام وعشرة، مشيرا إلى أنه سبق أن اعتقل إحسان مزندراني رئيس تحرير صحفية "فرحيختيجان" وهو أحد المتهمين، في آذار/ مارس 2013، مع مجموعة أخرى من الصحفيين، لكن أفرج عنه بكفالة بعدها بثلاثة أسابيع.
واعتقل
الحرس الثوري الإيراني الموالي لخامنئي كلا من الصحفيين شيتساز وسفرزائي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
وانتقدت منظمات حقوقية ودول غربية سجل إيران في حرية التعبير. وانتقدت الأمم المتحدة أيضا طهران في بيانات بسبب "تقييد حقوق حرية التعبير، وتكوين جمعيات التجمع، واعتقال وسجن الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنقابيين، وغيرهم ممن عبروا عن معارضتهم، وتوجيه اتهامات مبهمة وفضفاضة لهم".
وتنفي إيران هذه الاتهامات، وتتهم الغرب أيضا بانتهاك حقوق الإنسان.
وارتفعت شعبية الرئيس الإصلاحي حسن روحاني منذ وقع اتفاقا العام الماضي مع القوى العالمية للحد من برنامج إيران النووي، مقابل رفع العقوبات، في تحرك قوبل بمعارضة كبيرة من المحافظين المعادين للغرب.
وساعد الاتفاق أنصار التيار الإصلاحي على تحقيق مكاسب كبيرة في الانتخابات العامة التي أجريت في شباط/ فبراير، لكن حلفاء الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي المحافظين يسيطرون على الكثير من المؤسسات المهمة، وبينها القضاء.
وتأتي هذه الأحكام بعد ثلاثة أشهر من تبادل سجناء أمريكيين وإيرانيين، بينهم مراسل صحيفة "واشنطن بوست" في إيران، جايسون رضائيان، والصحفي الإيراني الأمريكي الذي خرج إلى الحرية بعد 18 شهرا من السجن في طهران. وكان قد اتهم بالتجسس والتعاون مع حكومات معادية، وحكم عليه بالسجن لمدة لم يتم الكشف عنها.
وكان مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد وجه في آذار/ مارس الماضي انتقادات شديدة لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وذلك خلال الحوار التفاعلي مع المقرر الأممي المعني في إيران أحمد شهيد. حيث أعرب عدد من الدول منها الولايات المتحدة الأمريكية عن "القلق البالغ إزاء الأوضاع القاتمة لحقوق الإنسان في إيران وقمع الحريات، كممارسات يومية في البلاد، وحرمان الصحفيين والفنانين من حرية الرأي والتعبير".
وطالبت بريطانيا من جهتها السلطات الإيرانية بالإفراج الفوري عن سجناء الرأي والصحفيين والحقوقيين، وأدانت حرمان الحكومة الإيرانية لشعبها من المعلومات، وممارسة الاعتقالات التعسفية، مشددة على ضرورة احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.