يقتنع الكثير من العراقيين، بأن الأحلام الوردية التي رسمها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش للعراق قبيل احتلاله في العام 2003 تبخرت، وأن وعود الديمقراطية تحولت إلى جحيم الديكتاتورية، ونسيم الحرية حوصر بجدران السجون، وأصبح غاية المراد محاولة التخفيف من حدة الجرائم التي ارتكبت في عصر ما بعد الاحتلال والتي تحدثت عنها المنظمات الدولية.
وأحد أهم الملفات الصعبة التي تؤرق العراقيين حتى اليوم "ملف المعتقلين الأبرياء" الذي وصل أثره إلى أغلب البيوت، ولم يغلق على الرغم من التصريحات الحكومية التي أكدت أكثر من مرة أنه أصبح جزءا من الماضي، بل وصل ببعض المسؤولين الأمر إلى أن ينفوا وجود معتقلين أبرياء في السجون.
آخر التقارير الدولية التي تحدثت عن الموضوع كان إعلان منظمة العفو الدولية الاثنين، أن السلطات العراقية تحتجز غالبا أبرياء بتهم الإرهاب في ظروف "مروعة" في عموم البلاد.
وقال التقرير إن وفدا من المنظمة الحقوقية ضم الأمين العام سليل شاتي السبت، من زيارة أحد هذه المراكز الواقع في منطقة عامرية الفلوجة الواقعة، غرب بغداد.
وقال شاتي: "لقد زرنا أحد مراكز الإعتقال في عامرية الفلوجة (…) وجدنا 700 سجين محتجزين منذ أشهر عدة بتهمة الاشتباه بالإرهاب"، مضيفا أن "أوضاع احتجازهم تشكل صدمة كبيرة، حيث لكل واحد
منهم مساحة لا تتجاوز مترا مربعا، وليس هناك مساحة حتى للاستلقاء".
وتابع شارحا بأن "الحمامات في الغرف ذاتها، إضافة إلى أن كمية الغذاء قليلة جدا"، مؤكدا أن "الأوضاع بشكل عام مروعة جدا".
البداية.. "المخبر السري"
قصاصة صغيرة، أو مكالمة سريعة يعدها "المخبر السري"، وهو المورد الأساسي لأسماء المعتقلين الأبرياء في العراق، كفيلة بقضاء آلاف العراقيين السجون.
فالسلطات العراقية تعتمد على أقوال المخبر السري لفتح دعوى ضد المواطنين، ويتشكي الكثيرون من زجهم بالسجون بسبب وشايات "كيدية وكاذبة".
ينقل الباحث العراقي علي الكاش عن أحد المعتقلين الخارجين من السجون، وهو منتظر الزيدي قوله: "حملني السجناء رسالة إلى العالم بأنه يوجد آلاف السجناء في السجون والمعتقلات العراقية دون تهم، إنهم أعتقلوا لمجرد أن وشيَ بهم مخبر سري حاقد".
وعلى الرغم من الإعلان الحكومي الرسمي في 26 آذار/ مارس 2013، إلغاء العمل بـ"المخبر السريّ"، وتأكيد السلطات أنّه "تسبب بالأذى للأبرياء من العراقيّين"، إلا أن العديد يؤكدون أن الأمر لا يتعدى كونه حبر على ورق.
خطورة الأمر ليس فقط في الاعتقال الأولي، بل المتابعة الحثيثة لقضايا آلاف العراقيين الأبرياء الذين يدخلون السجون، خصوصا في ظل المشية العرجاء لمنظمات حقوق الإنسان المحلية.
فما تزال قضايا حقوق الإنسان تثير لغطا في العراق، بسبب الانتهاكات اليومية التي أولها حملات الاعتقال العشوائية وحتى القتل والتعذيب، إذ لم يتوقف مسلسل الانتهاكات، حتى بعد انسحاب القوات الأمريكية في أواخر 2011.
ويصعب على المنظمات الإعلان ومتابعة الانتهاكات اليومية من قبل السلطات والمليشيات الشيعية وغيرها، بسب انعدام الأمن وكثرة التهديدات التي تطالهم.
بينما تحاول المنظمات الدولية مثل "أمنستي" ومنظمة العفو الدولية، الحصول على تراخيص بصعوبة لمتابعة السجون وتتبع المشاكل والانتهاكات اليومية التي يتعرض لها العراقيون.
وقد قالت عضو المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان أثمار الشطري في تصريحات سابقة إن "ملف حقوق الإنسان في العراق يتطور تشريعيا ومن حيث الاقتراب من المعايير الدولية، ولكن هناك تحديات كبيرة على أرض الواقع، أبرزها العامل الأمني الذي يلقي بظلاله بقوة على قضية حقوق
الإنسان".
وأضافت أن "المفوضية لمست عدم وجود جدية لدى بعض الأطراف المؤثرة في المشهد العراقي في الارتقاء بواقع حقوق الإنسان، وذلك بسبب ارتباط المصالح والصفقات السياسية بمصائر المواطنين".
التعويض
بعد أعوام عديدة طويلة في السجون يخرج المواطن البريء خالي الوفاض، محملات بآثار التعذيب والأمراض النفسية، وربما تطور الأمر عن ذلك ليكون فاقدا أحدا من أهله في ظل الانعدام الأمن الموجود في العراق.
وبالرغم من أن في أغلب دول العالم قانون لتعويض الانسان البريء حتى لو كانت ساعات في حال إصابته بأي ضرر، إلا أن المواطن العراقي محروم من هذا الامتياز، حتى لو قضى سنوات داخل الأسر.
الخبير في القانون الدوليّ الدكتور علي التميمي أنّ "العراق كان يعمل وفق قانون ردّ الاعتبار، لكنّه ألغي في زمن نظام صدّام حسين، كما يوجد مشروع قانون حقّ البريء الذي يتكوّن من ثماني موادّ، لكنّه لم يقرّ حتّى الآن، لذا يعاني العراق من فراغ قانونيّ، على الرغم من أنّ القاعدة القانونيّة تقول إنّ لا عقوبة ولا جريمة إلّا بنصّ قانونيّ".
وقد أظهرت إحصاءات مصدرها السلطة القضائية العراقية أن العام الماضي شهد إطلاق 100 ألف عراقي معتقل بعد ثبوت براءتهم فيما انطلقت دعوات لمحاسبة الجهات التي ألقت القبض عليهم والتي وجهت لهم كيديا اتهامات كاذبة وبدون أدلة.
وبحسب الإحصائية، فإن مجموع المطلق سراحهم خلال أشهر العام الماضي بلغ 97 ألفا و685 معتقلا لكن هذا الرقم لا يشمل شهر تموز/ يوليو الذي لم تصدر السلطة القضائية بيانا بعدد المطلق سراحهم خلاله دون إبداء الاسباب.