كتبت مجلة "إيكونوميست" تقريرا عن انتصار المرشح الجمهوري دونالد
ترامب على المرشحين في حزبه لانتخابات الرئاسة الأمريكية، ووصفته بأنه يمثل كارثة للجمهوريين ولأمريكا.
وجاء في التقرير أن الحزب الجمهوري، وخلال الـ 160 عاما من تاريخه، قام بإلغاء العبودية، وقدم الأصوات اللازمة للكونغرس، لتمرير قانون الحريات المدنية، وساعد في وضع الستار على الحرب الباردة، مشيرا إلى أن الستة أشهر المقبلة لن تكون "مجيدة".
وتقول المجلة إنه بعد
الانتخابات التمهيدية في إنديانا، فإنه من الواضح أن الحزب الجمهوري سيقوده إلى الانتخابات الرئاسية مرشح قال إنه سيقوم بقتل عائلات الإرهابيين، وشجع مؤيديه على ممارسة العنف، ولديه ميل للتصديق بنظريات المؤامرة، ويؤمن بسياسات وقائية وجاهلة في الاقتصاد، التي هي في نفسها فنتازية وتضر بالنفس.
وتضيف المجلة أن "النتائج ستكون كارثية للحزب الجمهوري ولأمريكا، حيث تسبب ترامب بالضرر الحقيقي، وسيحدث أضرارا أشد في الأشهر المقبلة، والأسوأ من هذا، فإنه في سباق بين حصانين، فإن فرصته للفوز بالرئاسة فوق الصفر".
ويشير التقرير إلى أن "هناك إمكانية لأن يغير ترامب نبرته بعد فوزه بالترشيح، وقد يصمت عن توجيه الشتائم الوقحة، حيث سيحاول الفوز بدعم بعض الناخبين، خاصة النساء اللاتي يحتقرنه الآن، وقد يصبح سلوكه أكثر رئاسية (مع أنه لا توجد إلا إشارات قليلة هذا الأسبوع من خلال زعمه الذي لا أساس له أن والد المرشح المنافس له تيد كروز كان مع هارفي أوزولد، قاتل الرئيس جي أف كيندي)، وما لن يفعله بالطبع هو تغيير مساره السياسي؛ لأن ترامب لديه وجهات نظر حول العالم لا يمكنه التخلي عنها، وتتسم هذه الآراء بعدم التماسك وهي منفصلة عن الواقع، وقد تم الجمع بينها من خلال مهارة استخدام وسائل اتصال القرن الحادي والعشرين، التي تفرح للنزاع، ولا تحترم الحقائق، وتتجذر في تلفزيون الواقع الذي عمل فيه، لكنها عقائد قوية ويحملها منذ وقت قديم".
وتلفت المجلة إلى أن "عالم ترامب نشأ في جزء منه من مواقع البناء التي كان يملكها والده في نيويورك في الستينيات من القرن الماضي، حيث قال مرة إنه كان يقضي عطلاته الصيفية يعمل في هذه المواقع إلى جانب النجارين والسباكين والعمال الذين يحملون أعمدة السقالة الثقيلة، ويزعم أن التجربة أعطته الفرصة لفهم هموم العمال، والذين لم يلتفت إليهم الساسة الأمريكيون، وهذا يفسر قوميته المتجذرة في الاقتصاد".
ويعلق التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن "ترامب صب جام غضبه على اتفاقيات التجارة، حيث إنه كان ضد اتفاقية (نافتا)، وهي (اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا) في بداية التسعينيات من القرن الماضي، ووصفها بأنها أسوأ اتفاقية في التاريخ، وفي المقام ذاته كان يرى العجز في التجارة الأمريكية دليلا على لعبة غير قانونية، أو نتيجة لضعف في المهارات، ورجل يحمل هذا المعتقد فإنه سيتعامل مع اتفاقيات التجارة كلها على أنها كارثة، وبأنه يجب على الشركات الأمريكية أن تعود إلى أمريكا، أو أن تواجه الجمارك، وقد يكون ترامب مستعدا للتفاوض حول العقوبات التي يجب أن تدفعها هذه الشركات، لكن الاعتقاد متجذر، ويعبر عن حدس يريد الحماية ولا ينتهز الفرص، وبناء على الانتخابات التمهيدية، فإن هناك 10 ملايين ناخب يوافقونه على رؤيته".
وتذكر المجلة أنه بالنسبة للسياسة الخارجية فإن "ترامب يخلط بين إحباطه من الثمن الذي تدفعه أمريكا للدور العالمي الذي تؤديه، وهو أمر عام بعد الحربين في العراق وأفغانستان، وبين الرغبة في جعل بلاده مهابة الجانب ومحترمة في العالم".
وتنوه المجلة إلى أن من هم خارج أمريكا من الذين يهتمون بجهله السكاني والديمغرافي الكبير، قد لا ينتبهون لنقطة مهمة وأساسية تدفع ترامب، حيث إنه يريد أن يدفع من هم خارج أمريكا ثمن الهيمنة الأمريكية، والحماية التي تقدمها لهم، ويرى أنه ينبغي على الحلفاء فتح قواعد أمريكية جديدة على ترابهم، وتمويل تجهيزها والجنود الذين سيعملون فيها.
ويجد التقرير أنه "بناء على ما تقدم، فإنه من الخطأ وصف هذه السياسات بالانعزالية؛ لأن ترامب تحدث عن مغامرات عسكرية أجنبية، مثل اجتياح العراق والسيطرة على حقوله النفطية، بل هي تعبير عن رؤية رومانية للسياسة الخارجية، التي تقوم على الطلب من بقية العالم إرسال الجزية للعاصمة، والتعبير عن الامتنان لوجود الحاميات الرومانية على أراضيهم".
وتعتقد المجلة أن "رؤية كهذه مخيفة في ظل ما حققه العالم من منجزات العولمة، والدور الأمريكي في قيادة النظام الليبرالي، ومن حسن الحظ أن ترامب سيخسر الانتخابات العامة، حيث إن مرشحا ينظر إليه ثلثا الأمريكيين بصورة غير جيدة، سيجد من الصعوبة كسب قلوب وعقول 65 مليون ناخب، وهو عدد يحتاجه المرشح الفائز، كما أن نسبة النساء اللاتي سيعارضنه ستكون أعلى".
ويقول التقرير: "مهما يكن عدم ارتياحنا، فإن ترامب، الذي لن يفوز في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، سيتسبب، كونه مرشحا، بضرر أعمق، وقد يشهد المؤتمر العام للجمهوريين في كليفلاند عنفا بين مؤيدي ترامب ومعارضيه، وسيجبر الناخبون في الأشهر الستة المقبلة على الاستماع مرارا وتكرارا إلى أن المرشحة الديمقراطية هيلاري
كلينتون هي محتالة وكذابة، وسيلصق الكثير من هذا الكلام في الأذهان، حتى لو لم يكن صحيحا، حيث سيشعر من يؤمنون به بالغضب، وسيترك كلينتون ضعيفة، وسيراقب حلفاء أمريكا استطلاعات الرأي بخوف، ومن الآن حتى تشرين الثاني/ نوفمبر، سيحوم منظور ترامب فوق اجتماعات مجلس الأمن أو المحادثات الثنائية في بيجين، وبين أمريكا وأي دولة أجنبية، وسيتعرض الحزب الجمهوري الهش دائما للتشظي، وحتى لو فشل، فقد كشف ترامب عن طريق للترشيح للانتخابات يمر عبر تبني رؤية ديماغوغية وشعبوية اقتصادية، ويعرف متسلقو الجبال أن الطريق الأصوب لقمة الجبل هو الذي مروا به من قبل، وقد يقول بعض الجمهوريين إن رسالة ترامب بعد تشذيب أطرافها قد تؤدي إلى النصر في المرة المقبلة، وسيقول البعض الآخر إنه انهزم لأنه لم يكن محافظا حقيقيا، ودون الاتفاق على الخطأ الذي قاد إلى هذا، فإنه يجب على الحزب أن يبحث عن شيء جديد".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالقول إن "هناك إمكانية لأن يفوز ترامب؛ لأن كلينتون يكرهها الكثير من الأمريكيين، مثلما يكرهون ترامب، إلا أن النسبة التي تنظر إليها نظرة غير محببة عالية بالنسبة للمرشحين الرئاسيين، فكما أدت عمليات القتل في باريس في كانون الأول/ ديسمبر أو أي هجمات إرهابية تروع أمريكا إلى تنشيط حملة ترامب الانتخابية، فإن حادثا مماثلا قد يؤدي إلى حرف الأصوات باتجاهه، ولهذا السبب، فإن انتصار ترامب ما هو إلا بداية تراجيديا للجمهوريين وأمريكا وبقية العالم".