سيسجل التاريخ أنه فى الأول من أيار/ مايو عام 2016 اقتحمت وزارة
الداخلية المصرية مقر نقابة
الصحفيين، لإلقاء القبض على صحفيين قررا الاعتصام بداخلها. ويُعتبر مشهد الاقتحام هو الأول من نوعه ضد السلطة الرابعة منذ إنشائها منذ 75 عاما. ومع ذلك كان رد أغلبية الصحفيين على قدر المسؤولية، ويأتي في مقدمتهم نقيب الصحفيين ومجلس النقابة ومن ورائهم شباب الصحفيين، حيث أعلنوا منذ الدقيقة الأولى من الاقتحام مطالب واضحة لرد الاعتبار كان على رأسها إقالة وزير الداخلية الحالي.
وزارة الداخلية كعاداتها الدائمة خرجت تنفي واقعة الاقتحام، وتؤكد بأن ما تم كان بناء على قرار من النيابة العامة، وأن الصحفيين قاما بتسليم نفسيهما طواعية ولم يتم اقتحام النقابة، ونظرا لأن الداخلية وقعت هذه المرة مع الصحفيين، فكان الهجوم على انتهاكها قوي جدا، ولم تستطع الصمود أمامه؛ نظرا لقوة وجبروت صاحبة الجلالة، وأدى ذلك إلى حدوث حالة من الارتباك داخل أروقة الوزارة، ما تسبب في حدوث أخطاء كارثية مثل تسريب خطة التعامل مع تلك الأزمة.
مخطئ من يقول إنه لم يكن يتصور أن تقوم الداخلية بهذا الجرم، ويبدو أنه لا يقرأ الأحداث جيدا ولا يعرف تاريخ تلك الوزراة منذ الثالث من تموز/ يوليو،و وخاصة منذ مجيء وزير الداخلية الحالي. فقد أقدم وزير الداخلية ووزارته على العديد من الجرائم والانتهاكات، أبرزها الاغتيالات السياسية والتصفية الجسدية، والاختفاء القسرى، وانتهاك حرمة المساجد والجامعات والمستشفيات والمنازل والأفراح والمدن الجامعية، واعتقال البنات. فالذي فعل ما سبق ليس لديه مانع من اقتحام أي مكان، حتى وإن كان في نظر البعض هو السلطة الرابعة.
لم تكتف وزارة الداخلية باقتحام نقابة الصحفيين، بل قامت بحصار النقابة وذلك بمساندة مباشرة من مليشيات الحشد النظامي "المواطنين الشرفاء" الذين كان لهم دور مباشر في وأد أي حراك ضد هذا النظام منذ الثالث من تموز/ يوليو. ولم يتصور الصحفيون أن يتم معاملتهم بنفس معاملة معارضي النظام بإرسال المواطنيين الشرفاء لهم لكي يسبوهم وينكلوا بهم بل ويعتدون عليهم، وكل ذلك بحماية وزارة الداخلية.
ما فعلته وزراة الداخلية كان بإرادة سياسية واضحة، وبدعم مباشر من قادة هذا النظام، فالداخلية لو لم يكن لديها ضوء أخضر من النظام السياسي لما أقدمت على تلك الأفعال والتجاوزات، بل إن النظام لم يعطها ضوء أخضر فحسب، ولكن منحها تأشيرة أمان ما بعد الانتهاكات. فمع كل الانتهاكات السابقة لم يُقدم مسؤول للمحاكمة، وإذا قُدم أحدهم للمحاكمة ما هي إلا أيام معدودة وتُسقط عنه العقوبة في الاستئناف.
وقفة الصحفيين سبقتها وقفات كثيرة تنديدا بانتهاكات الداخلية، كوقفة نقابة الأطباء، ووفقة أهالي الدرب الأحمر، ووقفة سائقي موقف الألف مسكن. ونظرا لأن أصحاب الوقفات السابقة ليسوا أصحاب سلطة فقد كان تأثيرهم محدودا، ولذلك فإن تأثير الجمعية العمومية للصحفيين سيكون أقوى وأشد على مختلف الأصعدة؛ لأنهم كانوا وسيبقوا السلطة الرابعة في البلاد.
ونظراً لقوة السلطة الرابعة، فقد اتحدت السلطة القضائية، متمثلة في النيابة العامة، مع السلطة التنفذية، فعندما أعلنت النيابة العامة أن ما قامت به الداخلية من إجراءات الضبط يتماشى مع القانون، وأن نقيب الصحفيين ربما ارتكب جريمة إن ثبت أنه تستر على المطلوبين، ودعمت الداخلية بحظر النشر فى تلك القضية.. جاء رد السلطة الرابعة حاسما وقويا، حيث أعلنت الجمعية العمومية للصحفيين رفض حظر النشر فى تلك القضية، وأن النيابة العامة جهة غير محايدة، وأن أصحاب تلك السلطة لا يقبلون توجيه أي تهم إلى نقيبهم.
أما السلطة الثالثة، وهي البرلمان، فكان لرئيس لجنة إعلامها دور آخر وهو دور الوسيط ومحاولة تهدئة الأوضاع، وإقناع الصحفيين بالجلوس مع وزير الداخلية. ولكن رد الصحفيين كان قويا أيضا، وأعلنوا أنهم مصرون على مطالبهم وفي مقدمتها إقالة هذا الوزير النيجاتف، ويتبعه أيضا اعتذار من قبل رئاسة الجمهورية التي مهدت لهذا الوزير وجنوده أن يرتكبوا تلك التجاوزات والانتهاكات.
تحدث السيسي بعد انعقاد الجمعية العمومية للصحفيين بيومين، ولم يتطرق إلى الأزمة نهائيا، فى إشارة منه بأن ما يفعله الصحفيون عبث لا يتطلب الرد عليه. وربما يكون قد تناول الأزمة في ثنايا كلامه عندما قال "مابخافش". ولأول مرة يعلن أن هناك "قوى الشر" وليس "أهل الشر"، وهذا يدل على أن هناك مجموعات تمثل الشر وليست طائفة واحدة، وفي هذا إشارة إلى أن كل من يقف ضد النظام، حتى وإن طالب، بحقه فهو من "قوى الشر".
إن قوة صاحبة الجلالة لا يُخشى عليها من قوة أي سلطة، ولكن ما أخشاه هم أبناؤها بالتبني، الذين لا يزالون ينهشون فى جسد الجماعة الصحفية، ويدعمون أباهم الحقيقي وولي نعمتهم - النظام الحالي - لذلك فإن ما أقدمت عليه الجمعية العمومية بإعلان قائمة سوداء تضم أسماء الذين هاجموا النقابة وأيدوا الداخلية؛ هو خير عقاب لتلك القلة المندسة.
إن الجماعة الصحفية وقفت اليوم وقفة رجل واحد وخلعت خلافاتها ومذاهبها على أبواب النقابة وانتصرت للحقوق والحريات، ولهذا أصبح لها ظهير شعبي قوي، وسيبقى مسانداً لها حتى تُلبى جميع مطالبها، ولذلك فعليها العمل بكل ما أوتيت من قوة لعودة الحقوق إلى أهلها، ورجوع الحريات إلى أصحابها، مهما كانت مهنتهم أو انتماؤهم السياسي.. هكذا كانت نقابة الصحفيين وهكذا ستبقى نصيراً للحقوق والحريات.
وليعلم الجميع أن صاحبة الجلالة عندما تثور فإن الذى يُهاجمها سيخسر، ومن يقف ضدها سيُهزم، ومن يعمل بدونها سينهار، ومن يسُبها ستلعنه، ومن يقتحمها ستُصدمه بجبروتها وصمودها وستنصر عليه.