أثار اقتراح مشروع بقانون بشأن مكافحة الجريمة الإلكترونية، يتبناه مجلس نواب ما بعد الانقلاب في مصر، عبر لواء سابق بالمخابرات العسكرية، موجة عارمة من غضب النشطاء والحقوقيين؛ نظرا لوصوله بالعقوبات إلى حدود الإعدام.
وبينما رأى مؤيدو المشروع أنه يأتي ضمن جهود تقويض الإرهاب، ومواجهة جرائم النصب والاحتيال والتشهير عبر الإنترنت، وصفه المعارضون له بأنه "سيئ السمعة"، وأنه يطال كل من يتهم بارتكاب "إساءة"، عبر شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومشيرين إلى عدم التناسب بين الجريمة والعقوبة.
وتأتي محاولة تمرير القانون في ظل حملة شرسة طالب فيها برلمانيون بحجب مواقع التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"، بعد ما أصبح لها دور كبير في تحريك، وإثارة الرأي العام، مستهدفا الحد من الفضاء المعلوماتي عليها.
وتقدم بالمشروع عضو المجلس عن دائرة مدينة نصر بالقاهرة، تامر الشهاوي، وهو قيادي سابق في المخابرات العسكرية، وتم تكريمه مرات عدة من القيادة العامة للقوات المسلحة.
وتحدث الشهاوي في لقاءات تلفزيونية عدة، الأربعاء، عما يسمى "الحرب السايبرانية" (نسبة إلى "السايبر")، التي وصفها بأنها قادرة على إصابة حركة الدولة بالشلل التام، بما فيها السفن والطائرات، مؤكدا أن "إسرائيل" الوحيدة التي تمتلك أحدث أسلحة تلك "الحرب السايبرانية"، التي تسعى لغزو المنطقة العربية.
ودافع الشهاوي عن مشروع القانون، الذي يتألف من 36 مادة، مؤكدا أن الجريمة الإلكترونية تعيق تقدم الدولة، وأنه سعى من خلالها إلى إيجاد كل السبل لوضع الضوابط التي تؤمن المصريين، وفق وصفه.
وقال -في حوار مع برنامج "شمس بكرة" على الفضائية المصرية، مساء الأربعاء-: "إن الفضاء الإلكتروني يمثل تهديدا قويا للدول، ومن بينها مصر".
وتابع: "الدول الآن تتعرض لتهديدات عسكرية واقتصادية وإعلامية، ومن بينها السوشيال ميديا"، مضيفا أن قانون مواقع التواصل الاجتماعي أصبح من الأمور المُلحة؛ لما تتعرض له الدولة المصرية من تشويه وتحريض".
وأردف: "القانون يجرم من البداية انتحال الصفة حتى التحريض، ويتضمن 36 مادة، ويبدأ من الغرامة حتى الإعدام"، متابعا: "للأسف ماعندناش في القانون المصري حاليا حاجة تجرم السوشيال ميديا"، على حد قوله.
إعدام وحبس وغرامات باهظة
وأقرت المشروع لجنة الاقتراحات والشكاوى في المجلس، الثلاثاء، وأحالته إلى لجنة مشتركة من لجنتي الشؤون التشريعية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، للمراجعة.
ونص المشروع على عقوبة الإعدام في حال امتنعت شركات تقديم خدمات الإنترنت عن تنفيذ قرارات محكمة الجنايات بحجب أحد المواقع أو الروابط، وترتب عن هذا الامتناع وفاة شخص أو أضرار بالأمن القومي، وبالإضافة للإعدام تفرض غرامة مالية ما بين 5 إلى 20 مليون جنيه.
أما في حال الامتناع دون التسبب بوفيات، فإن العقوبة تصل إلى السجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات وغرامة مالية تتراوح ما بين 1 و2 مليون جنيه.
ومن العقوبات المفروضة على مزودي خدمات الإنترنت أيضا السجن لمدة لا تقل عن 3 سنوات، وغرامة مالية لا تقل عن مليون جنيه، في حال صرّح عن طلب الجهات الأمنية المصرية (وزارة الداخلية أو المخابرات العامة) البيانات الشخصية للمستخدمين، أو معلومات عن المواقع التي يتصفحونها، أو الأشخاص الذين يتواصلون معهم.
ونص المشروع أيضا على عقوبات تخص عمليات الاختراق، والدخول غير المصرح به للمواقع أو الأنظمة، أو إيقاف بث خدمات، بحيث تصل إلى السجن مدة لا تقل عن 3 سنوات وغرامة مالية لا تزيد عن مليوني جنيه لمن يسبب ضررا، وإتلافا للمواقع أو البيانات.
أما من اخترق شبكة أدى إلى توقفها عن العمل أو التشويش عليها أو التنصت، فيعاقب بالسجن وغرامة لا تزيد عن 300 ألف جنيه. ولو حصل الاختراق على شبكة تخص الدولة فإن العقوبة تصل إلى السجن المؤبد، وغرامة لا تقل عن نصف مليون جنيه.
كما أشار مشروع القانون إلى أن من ينشئ موقعا يروج لارتكاب جرائم منصوص عنها في قانون العقوبات يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن 3 سنوات، مع غرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه.
وحتى من يقومون بإدارة المواقع الحكومية والبريد الإلكتروني الرسمي يتعرضون لعقوبات بالسجن في حال عدم إبلاغهم السلطات المختصة في أثناء وقوع الجريمة.
المعارضون: خطوة على طريق الاستبداد
وصفت حركة شباب 6 إبريل -في تدوينة بثتها عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"- القانون بـ "سيئ السمعة".
وقالت: "الجريمة الإلكترونية التي يستهدفها القانون الجديد تشمل كل "الإساءات" التي تشهدها شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، من جانب الأفراد ضد مواطنين آخرين أو الدولة".
وتابعت: "قانون جديد ينضم لقائمة القوانين سيئة السمعة، التي ينتجها النظام الحاكم للحفاظ على أركان حكمه المتهاوية".
ومن جهته، أعرب عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، حافظ أبو سعدة، عن استيائه الشديد عقب تلقّيه خبر الموافقة على قانون للجريمة الإلكترونية من قبل لجنة الاقتراحات والشكاوى، التي تصل فيها العقوبات للإعدام.
ووصف أبو سعدة -في تصريحات صحفية- العقوبات بكونها مزعجة، ومبالغا فيها بشدة، مشيرا إلى أن العقوبات تحمل رسائل خاطئة لكل مستخدمي السوشيل ميديا.
وشدد على ضرورة الالتفات إلى أن يكون هناك تناسب بين الجريمة والعقوبة، مستنكرا تناسب العقوبات التي تمت الموافقة عليها من قبل لجنة الاقتراحات مع ما يسمى الجريمة الإلكترونية.
وأكد أبو سعدة أن المادة 40 من قانون العقوبات تعد كافية لكل جرائم التحريض، وليس هناك ضرورة لسن تلك العقوبات، على حد قوله.
وعلق الحقوقي والمحامي نجاد البرعي على المشروع، قائلا إنه لا يجد مبررا لطرحه من الأساس، مشيرا إلى أن هناك قوانين يضمها الدستور المصري تشمل النصوص نفسها، كقانون وسائل الاتصالات، وقانون الإرهاب، وغيرها من القوانين.
وأضاف البرعي -في تصريحات صحفية- أن طرح القانون يدل على عدم جرد حقيقي للتشريعات الموجودة حاليا؛ لأنه لا يضيف جديدا، وفق وصفه.
واعتبر القيادي بالتيار الشعبي، السفير معصوم مرزوق، القانون إحدى خطوات سيناريو تقنين الإجراءات الاستبدادية، وزرع الخوف داخل نفوس الناس؛ حتى لا يطالبوا بالحريات.
وقال مرزوق -في تصريحات صحفية- إن القانون يأتي ضمن الإجراءات التي ستؤثر على مصر اقتصاديا وسياسيا، فلن يأتي مستثمر أو سائح لمصر في ظل هذا الوضع المنافي للحقوق والحريات، أما سياسيا فسنوضع في خانة الدول المعادية لحقوق الإنسان.
نواب يطالبون بغلق "فيسبوك"
وأبدى نواب كثيرون حماستهم للمشروع، واستبقوا تمريره بشن هجمة شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية.
وقال عضو المجلس عن ائتلاف "دعم مصر"، ظهير
السيسي في البرلمان، جمال عقبى، إن هناك أهمية لغلق "فيسبوك" بشكل كامل؛ نظرا لاستخدام أغلب مستخدميه استخداما خاطئا، إما لتقليب الرأي العام، أو التحريض على العنف، على حد زعمه.
وأضاف أنه سيتقدم بطلب لرئيس مجلس النواب، لمخاطبة وزارة الاتصالات لإغلاق موقع "فيسبوك" في مصر خلال هذه الفترة، في ظل ما تتعرض له من مؤامرات، متابعا بأن هناك دولا منعت استخدام فيسبوك وتويتر عندما تعرض أمنها القومي للخطر، وفق زعمه.
ومن جانبه، قال النائب عمرو محمد، إنه يجب فرض رقابة صارمة على الإنترنت، وغلق جميع المواقع الإباحية التي تهدد الأمن القومي، إلى جانب مراقبة الصفحات التي تحرض ضد الجيش والشرطة، بحسب قوله.
وأضاف أن الضوابط ستتطلب من مباحث الإنترنت ومباحث التليفونات أن يكثفوا من حملاتهم على الصفحات التي تتضمن تحريضا، سواء سياسيا أو عنفا، والتي تهدد الأمن العام، لسرعة غلقها، والقبض على مؤسسيها.
كما دافع عضو المجلس عن حزب "النور" بمحافظة كفر الشيخ، وعضو لجنة المقترحات والشكاوى بالبرلمان، محمد عبيدي، عن القانون، مؤكدا أنه من الأهمية بمكان.
وأضاف عبيدي -في بيان أصدره الأربعاء- أن الجريمة الإلكترونية ليس لها ضوابط في القانون المصري حتى الآن، وأن هناك جرائم خطيرة تقع يوميا من خلال وسائل الاتصال الحديثة.
أما العضو عبدالحميد الشيخ فقال: "لا بد من تغليظ العقوبات على من تثبت إدانته بالاستخدام السيئ لهذه المواقع، والتحريض ضد الدولة، والإضرار بالأمن القومي، لعقوبة تصل إلى المؤبد والإعدام".
وكشف الشيخ أنه من المقرر التواصل مع أجهزة وزارة الداخلية، لتنشيط وتفعيل جهاز محاربة الجريمة الإلكترونية الخاص بالوزارة، والعمل على تفعيله في كل مديريات الأمن بالجمهورية.
مصر مع كوريا الشمالية وكوبا
إلى ذلك، قال مراقبون إنه بإصدار هذا القانون ستدخل مصر ضمن نطاق الدول التي تضع قيودا على الحريات على الإنترنت، مثل كوريا الشمالية، التي تفرض حكومتها سيطرتها على مواقع الإنترنت كافة، وأيضا بورما التي تفرض رقابة تامة على الإنترنت، وكوبا التي تتم فيها مراقبة شركات الإنترنت من الحكومة.
كما تأتي الصين ضمن أكثر الدول التي تفرض رقابة على الإنترنت في العالم، وتم حظر جميع المواقع المعروفة، بما فيها محرك البحث جوجل الأشهر في العالم.
وتعد إيران أيضا واحدة من الدول التي تفرض مراقبة على الإنترنت، وقد حجبت العديد من المواقع، أبرزها "فيسبوك، وتويتر"، والعديد من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى.
وكان السيسي أكد أهمية التصدي لاستخدام الإرهابيين للمواقع الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي، للترويج لأفكارهم المتطرفة، وجذب العناصر الجديدة إليهم، ما علق عليه مقدم القانون، تامر الشهاوي، قائلا: "الرئيس مش مستني تامر يعمل قانون، دا راجل كان مدير المخابرات قبل ما يكون رئيس دولة، وأكيد هو عارف كل حاجة".