أثارت التصريحات المتناقضة في أعقاب مقتل القيادي البارز في
حزب الله اللبناني مصطفى بدر الدين شكوكا حول الجهة التي تقف وراء مقتله، الذي أعلن عنه اليوم عبر بيانين للحزب وخبر عاجل لقناة الميادين، خاصة أنه يشغل منصبا كبيرا في الجهاز العسكري للحزب، وهو أحد المطلوبين في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني
رفيق الحريري.
وسارعت قناة الميادين الموالية لحزب الله اللبناني إلى إعلان وقوف إسرائيل وراء مقتل بدر الدين، وقالت في خبر عاجل إنه قتل إثر غارة إسرائيلية على مقر إقامته قرب مطار دمشق الدولي.
لكن حزب الله اللبناني وفي بيان أولي نفى ضمنا خبر "الميادين" وقال إن بدر الدين قتل ليل الثلاثاء في انفجار كبير "استهدف أحد مراكزنا قرب مطار دمشق الدولي"، لكن البيان لم يحدد طبيعة الانفجار.
وألحق حزب الله بيانه الأولي ببيان ثان قال فيه إن "المعلومات المستقاة من التحقيق الأولي تفيد أن انفجارا كبيرا استهدف أحد مراكزنا بالقرب من مطار دمشق الدولي"، مشيرا إلى مقتل بدر الدين فيه وجرح عدد آخر من الموجودين معه، وأن التحقيقات ستحدد طبيعة الانفجار وأسبابه وهل نتج عن "قصف جوي أو صاروخي أو مدفعي".
ويثير اغتيال بدر الدين تساؤلات كبيرة حول الجهة التي سعت لقتله، خاصة أنه المطلوب الأول للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، وهو من رفض حزب الله تسليمه إلى المحكمة بعد صدور لائحة اتهام رسمية ضده.
وبالنظر إلى قائمة المتهمين باغتيال الحريري ومن تدور الشكوك حول اشتراكهم في القضية، يظهر أنهم يتساقطون تباعا عبر عمليات اغتيال في ظروف غامضة لم يتم الكشف عن ملابساتها حتى اليوم، وكان أولهم القائد العام لأركان حزب الله عماد مغنية، وهو بالمناسبة زوج شقيقة مصطفى بدر الدين واغتيل مغنية في دمشق عام 2008 بتفجير عبوة ناسفة زرعت أسفل سيارته في حي كفر سوسة بدمشق، الذي اتهم الحزب إسرائيل بالوقوف وراءه وسط صمت إسرائيلي وتجاهل لاتهامات حزب الله.
والقيادي البارز الآخر في حزب الله الذي أشارت له أصابع الاتهام بالمشاركة في اغتيال الحريري، كان حسان هولو اللقيس، الذي قتل أمام منزله بعد إطلاق الرصاص عليه عام 2013 ثم انسحاب المنفذين الذين ظلوا مجهولين حتى يومنا هذا.
واتهم حزب الله حينها إسرائيل بالوقوف وراء العملية على الرغم من إعلان مجهول على تويتر حمل اسم "أسود السنة في بعلبك" المسؤولية عن اغتياله، وكالعادة لم تصرح إسرائيل حول اغتيال اللقيس بنفي مسؤوليتها أو إثباتها، على الرغم من كونه مطلوبا لها لدوره القتالي في جنوب لبناني خلال احتلاله من قبل إسرائيل.
ولعل "التخلص" من قائمة المتهمين باغتيال الحريري بحسب مراقبين لم يقتصر على الساحة اللبنانية وإن كان أكثر المتهمين فيها، لكن وصل إلى طرف آخر في القضية وهو اللواء رستم غزالة الحاكم الفعلي للبنان خلال فترة الوصاية السورية، الذي قتل في ظروف غامضة عام 2015 في دمشق.
ويعد رستم غزالة أحد الصناديق السوداء لقضية اغتيال الحريري بسبب شغله منصب مدير المخابرات السورية في لبنان في الفترة التي اغتيل فيها رفيق الحريري، وكان مسؤولا عن الاتصالات بين سوريا والحريري مباشرة، وباغتيال غزالة يغلق مخزن أسرار يعرف الكثير عن عملية الاغتيال والتحقيقات التي جرت بشأنها في لبنان قبل الانسحاب السوري. قبله اغتيل غازي كنعان، بدعوى الانتحار، وقبله أيضا، اللواء السوري محمد سليمان.
وذهب موقع "جنوبية" اللبناني الشيعي المعارض لحزب الله إلى الحديث عن سعي النظام السوري للتخلص من كل من له صلة بملف اغتيال الحريري، حتى وإن كان طرفا بعيدا نسبيا عن الملف، مشيرا إلى أن التخلص من خلية الأزمة عام 2012 في دمشق وأبرز من فيها كان اللواء آصف شوكت صهر الأسد، وقائد الاستخبارات العسكرية لعلاقته القوية بعماد مغنية، واطلاعه على عملية اغتياله يصب في هذا الاتجاه.
ويشير مراقبون إلى أن اغتيال بدرالدين صهر مغنية يأتي في سياق محاولة النظام السوري التخلص من ملف الحريري بأي ثمن، حتى لو كان إرشاد الطائرات الإسرائيلية إلى مكانه كونه مطلوبا أيضا للجانب الإسرائيلي، لدوره في عمليات ضد إسرائيلي في جنوب لبنان خلال احتلاله.
ولا تتوقف احتمالات اغتيال بدر الدين على علاقته بملف اغتيال الحريري وإن كان الأقوى صلة، لكن موقع ديبكا الإسرائيلي قال إن مقتله ربما يعود لخلافاته وتنافسه مع مسؤوليين سوريين وإيرانيين كبار، وأبرزهم قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
وبينما أشار الموقع، المقرب من دوائر المخابرات الإسرائيلية، نقلا عن مصادرها العسكرية الإسرائيلية، إلى أن إسرائيل قد تكون وراء الاغتيال، إلا أنها رجحت احتمالية مقتله من أطراف سورية أو إيرانية.
وقال الموقع إن بدر الدين والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله كانا على خلاف حول طلب بدر الدين سحب أعداد كبيرة من قوات حزب الله إلى لبنان، ورفضه المشاركة في عمليات أساسية في الحرب السورية.
وأضاف "ديبكا" أن بدر الدين ادعى أن رئيس النظام السوري بشار الأسد والقيادة الإيرانية كانا يستخدمان عناصر حزب الله بكثرة في العمليات القتالية، موضحا أن بدر الدين قال إنه أصبح من الصعب على حزب الله تحمل خسائره الكبيرة في الحرب السورية.