كتاب عربي 21

سيادة الرئيس السندريلا

1300x600
مُثلت حكاية السندريلا في عشرات الأفلام،  فهي قصة حب، والحب  قصة معظم الأفلام، الحوريات أحد أهم الرغبات في فردوس المؤمنين أيضا مكافأة على التقوى والصبر جزاء بما كانوا يعملون، والسينما كانت فردوس البشر الأرضي. أجمل تلك الاقتباسات فيلم "أفواه وأرانب" لهنري بركات عن قصة سمير عبد العظيم.  في الفيلم يعجب محمود بيه الإقطاعي بذكاء نعمة الفقيرة ( فاتن حمامة) ويتزوجها رغما عن أهله "النبلاء". ومن الأفلام الأجنبية : فيلم "امرأة جميلة" الأمريكي، وفيه تتزوج العاهرة التي تعمل بالساعة والحسابة بتحسب، جوليا روبرتس من رجل الأعمال الثري ريتشارد غير.

السندريلا حكاية  صينية على الأغلب، أو هي صينية الأصل استقرت في الغرب، ففي الصين صغر قدم المرأة واحد من شروط الحسن والجمال مثل العيون الخضر والغمازات والسن في حلب.  السندريلا العربية حافية، ولو كانت السندريلا عربية لقالت بيتا من الشعر، أو كلمة، أو عضّت على العنّاب بالبرد. الملاحة عند العرب ملاحتان: إما ملاحة وجه، وإما ملاحة صوت وبلاغة بيان. النعال في الحكاية العربية لعنة مثل حذاء أبي قاسم الطنبوري، والبوط العسكري  في كل من سوريا ومصر. هذه رواية سندريلا عربية سيكون لها كلام في هذا المقام:

روي أن هند ابنة النعمان كانت أحسن أهل زمانها، فوصف للحجاج حسنها، فأنفذ إليها يخطبها، وبذل لها مالا جزيلا، وتزوج بها، وشَرَط لها عليه بعد الصداق مائتي ألف درهم ودخل بها، ثم إنها انحدرت معه إلى بلد أبيها المعرة، وكانت هند فصيحة أديبة، فأقام معها الحجاج بالمعرة مدة طويلة، ثم إن الحجاج رحل بها إلى العراق فأقامت معه ما شاء الله، ثم دخل عليها في بعض الأيام وهي تنظر في المرآة وتقول:

وما هند إلّا مهرة عربية ... سليلة أفراس تحلّلها بغل

فإن ولدت فحلا فلله درّها ... وإن ولدت بغلا فجاء به البغل

فانصرف الحجاج راجعا ولم يدخل عليها، ولم تكن علمت به، فأراد الحجاج طلاقها، فأنفذ إليها عبد الله بن طاهر، وأنفذ لها معه مائتي ألف درهم، وهي التي كانت لها عليه، وقال: يا ابن طاهر طلقها بكلمتين، ولا تزد عليهما، فدخل عبد الله بن طاهر عليها، فقال لها: يقول لك أبو محمد الحجاج كنتِ فبنتِ، وهذه المائتا ألف درهم التي كانت لك قِبله، فقالت: اعلم يا ابن طاهر أنّا والله كنا فما حمدنا، وبنا فما ندمنا، وهذه المائتا ألف درهم التي جئت بها بشارة لك بخلاصي من كلب بني ثقيف.

ثم بعد ذلك بلغ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان خبرها ووصف له جمالها، فأرسل إليها يخطبها، فأرسلت إليه كتابا تقول فيه بعد الثناء عليه: اعلم يا أمير المؤمنين، أن الإناء ولغ فيه الكلب فلما قرأ عبد الملك الكتاب، ضحك من قولها، وكتب إليها يقول: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب، فاغسلي الإناء يحلُّ الاستعمال، فلما قرأت كتاب أمير المؤمنين لم يمكنها المخالفة، فكتبت إليه بعد الثناء عليه، يا أمير المؤمنين، والله لا أحلُّ العقد إلا بشرط، فإن قلت ما هو الشرط؟ قلت: أن يقود الحجاج محملي من المعرة إلى بلدك التي أنت فيها، ويكون ماشيا حافيا بحليته التي كان فيها أولا، فلما قرأ عبد الملك ذلك الكتاب ضحك ضحكا شديدا، وأنفذ إلى الحجاج وأمره بذلك، فلما قرأ الحجاج رسالة أمير المؤمنين أجاب وامتثل الأمر ولم يخالف، وأنفذ إلى هند يأمرها بالتجهز، فتجهزت، وسار الحجاج في موكبه حتى وصل المعرة بلد هند، فركبت هند في محمل الزفاف، وركب حولها جواريها وخدمها، وأخذ الحجاج بزمام البعير يقوده ويسير بها، فجعلت هند تتواغد عليه وتضحك مع الهيفاء دايتها، ثم إنها قالت للهيفاء: يا داية اكشفي لي سجف المحمل ، فكشفته، فوقع وجهها في وجه الحجاج، فضحكت عليه، فأنشأ يقول متذكرا ليالي الأنس والمتعة على سرير النكاح:

فإن تضحكي مني فيا طول ليلة ... تركتك فيها كالقباء المفرّج

فأجابته هند تقول:

وَمَا نبالي إِذا أَرْوَاحنَا سلمت ... بِمَا فقدناه من مالٍ وَمن نشب

فَالْمَال مكتسبٌ والعزّ مرتجعٌ ... إِذا النُّفُوس وقاها الله من عطب

ولم تزل كذلك تضحك وتلعب إلى أن قربت من بلد الخليفة، فرمت بدينار على الأرض، ونادت: يا جمّال إنه قد سقط منا درهم، فارفعه إلينا، فنظر الحجاج إلى الأرض، فلم يجد إلا دينارا، فقال: إنما هو دينار، فقالت: بل هو درهم قال: بل دينار، فقالت: الحمد لله.. سقط منا درهم، فعوضنا الله دينارا".

ليس ثمة يقطين أو قرعة تتحول عربةً في الحكايات الخرافية العربية، الجرذان  لا تتحول خيولا فهي تشرف في بلادي على أهم فروع التحقيق الأمنية، وتحفل الحكايات والمرويات العربية بفصيحات أو حسناوات تزوجن الأمراء، أذكر منهن حكاية بائعة اللبن مع عمر بن الخطاب التي سمعها في إحدى ليالي عسّه مع خادمه، تنهى أمها عن الغش لأنّ الله يرى، فخطبها عمر بن الخطاب لابنه عاصم، وكنا في المرحلة الابتدائية نقرأ قصة عنوانها "الصنعة أمان ونجاة"، وفيها يعجب أمير ببنت من الرعية فيطلبها للزواج فترفضه شرط أن يتعلم صنعة.. في المناهج البعثية صار الهتاف للرئيس أو الرقص "أمان ونجاة".

رحل الاستعمار الساحر، زوج الأم الباطل أو مغتصبها، وكان لابد أن يرحل بجهاد الشعب، تاركا حذاءه  العسكري خلفه، هرع مستعجلا هاربا، واحتفلنا بعيد الجلاء، وترك خلفه جيشا بجلد طائفي ومسامير غربية، ومدبوغا بالسمِّ. أوعز الاستعمار للرجل السندريلا الغوريلا أن يركب قرعة الدبابة ويحتل الإذاعة،  مدعوما بضباط من الأقليات كلهم، فلبس حذاء السندريلا الغربي بوط الاستعمار فناسبه ووافق  مقاسه.. الحذاء لا يركب إلا على مقاس واحد فقط في الحكاية العربية الوطنية الجديدة. ليس من ساعة تحدد عودة الجنرال إلى حاله قبل الحذاء العسكري السحري ،فالدبابة موجودة وخلفها دبابة غربية ، والأسد إلى الأبد. انتهت الحفلة وتحولت الجمهورية إلى وراثية، سيوافق البوط  مقاس ابن الرئيس أيضا علما أن نمرة رأس الرئيس الأب مختلفة  عن نمرة مقاس بوط الدستور! الرئيس، سندريلا البوط في كل سبع سنوات، يدعو الشعب كله للاحتفال بعرس عثوره على البوط السعيد السحري، من لا يذهب للعرس فستصير نمرة قدمه فوق الخمسين. من كان يصدق أن بوط السندريلا السوري والعربي في أكثر من دولة عربية سيصير حائط مبكى وعمامة وتاجا وقلنسوة وصنما،  و(الحبيب يزار) ويطاف به مثل كعبة مقدسة..

البوط في الحكاية الغربية يوافق مقاس امرأة واحدة، وفي الحكايات العربية الوطنية المحدثة المسألة مقلوبة، فهو  يوافق جنرالا واحدا. والأمير  جنرال عسكري من الأقليات دائما، تقع في حبِّ بوطه السندريلات السوريات الطائفيات، فهن  يقبّلن البوط  قُبلة يصل صداها من بغداد إلى الصين. 

وَما شامٌ إِلَّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ ... سَلِيلة أفْراسٍ تَجَلَّلَها نَغْلُ

المشكلة أنّ الكلب، كلب بني أنو شروان وبني روس لاند وبني إسرائيل، ولغَ في الشام، ولا سبيل لغسلها من نجاسته  إلا بالنار.  أما الدينار الذي نضرع إلى الله أن يستبدله بروبلنا التوماني فهو حياة الأحرار بلا درهم أو دولار.