فجَّرت صحيفة
مصرية مفاجأة، الأربعاء، بتأكيدها أن واقعة
الفساد التي وقعت في رئاسة الجمهورية، التي أشار إليها رئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، في خطابه الخميس الأسبوع الماضي، وقال إنه أعطى تعليماته فيها بمحاكمة المخطئ، تشير بقوة إلى تورط السفير
الكويتي في القاهرة، سالم الزمانان، في تلك الواقعة.
وقالت صحيفة "النبأ" الورقية الصادرة هذا الأسبوع، إنه بالبحث عن تلك الواقعة، تبين أن الكاتب "جمال الجمل"، قد تناولها بتاريخ 17 شباط/ فبراير الماضي، في مقال نشره تحت عنوان: "فضيحة تجسس في جهة سيادية"، وأشار في مقاله إلى واقعة فساد موظف بجهة سيادية حساسة جدا، اتضح لاحقا أنها رئاسة الجمهورية.
وأضافت "النبأ" أن تورط
السفير الكويتي في الواقعة، التي ذكرها السيسي، كشفته أيضا صحيفة "الرأي" الكويتية في 15 شباط/ فبراير الماضي، أي قبل مقال "الجمل" بيومين، وتوافقت روايتها مع روايته، غير أنها أشارت لمصر بكلمة "دولة عربية كبرى".
السيسي يدلس بفساد مالي
وكان السيسي تحدث الخميس 12 أيار/ مايو الجاري، في خطابه بافتتاح مشروعات في مدينة بدر، عن واقعة فساد في رئاسة الجمهورية، قائلا: "آه فيه تجاوز من مؤسسة الرئاسة، ومافيش حد ما بيغلطش"، مضيفا: "اللي بيغلط، والله هيتحاكم.. واللي بيغلط يتحاسب".
وفي مساء اليوم ذاته، تناول الإعلامي خيري رمضان، في برنامجه "ممكن"، عبر فضائية "سي بي سي"، بعض تفاصيل الواقعة.
وقال رمضان إن أحد المسؤولين الكبار قال له: "حصل إن كان فيه واقعة فساد ما.. داخل مؤسسة الرئاسة، وكلمنا الرئيس، وقلنا له: فيه كذا كذا، وقال لنا: هتعملوا إيه، ادخلوا هاتوهم، بدون أى مواءمات القانون.. مافيش حاجه اسمها مؤسسة الرئاسة.. أو غير مؤسسة الرئاسة.. اللي أخطأ يحاكم"، بحسب قوله.
وعلَّق معارضون مصريون على ذلك بالقول، إن كثيرين ظنوا أن السيسي قد ضبط فسادا ماليا، مشيرين إلى أنه كان يريد الإيحاء بذلك، لمحاولة التدليل على أنه لا يقبل بالفساد المالي، لكن الحقيقة أن واقعة الفساد المقصودة تتعلق بضبط موظف مهم في قصر "الاتحادية" يسرب معلومات عن السيسي، وجميع الشخصيات في القصر لسفير الكويت في القاهرة.
وقالت مصادر صحفية إنه جرى استدعاء السفير الكويتي، وقال لهم إنه يفعل ذلك على سبيل الدبلوماسية العادية لمعرفة مواقف مصر عن قرب من دول الخليج، وإنه تم استجواب الموظف الذي أنكر في البداية، لكنه قال إنه لم يمنح السفير أي معلومات تضر الأمن القومي للبلاد، لكنها كانت دردشات عادية جدا، ويقال فيها ما يطمئن عن علاقات السيسي بالدول العربية.
وأوضحت المصادر أن الموظف ستقع عليه عقوبة شديدة، بعد ثبوت تلقيه أموالا جراء ما يمنحه من معلومات، حتى إنه رفع شعار: "المعلومات مقابل الأرز".
فضيحة تجسس في جهة سيادية
وبحسب صحيفة "النبأ"، تبين أن مقالا للكاتب "جمال الجمل"، في تاريخ 17 شباط/ فبراير الماضي، تناول الواقعة برمتها.
وقال "الجمل": "التقى الرئيس وزير الخارجية الكويتي صباح خالد الصباح، وسألت نفسي عن طبيعة الملفات غير الاعتيادية التي تجعل الرئيس يضحي بوقته، ويقوم بهذه اللقاء بنفسه، في ظل وجود وزير خارجيتنا الذي حضر لقاء وزير الخارجية الكويتي، وعقد مؤتمرا صحفيا، وبالغ الطرفان في المديح والمجاملات، وهو ما دفعني لتخمين درجة خطورة القضايا المطروحة على هذا المستوى الرفيع".
وأضاف أنه "بدا واضحا أن هناك بطحة، وأن الطرفين يتحسسان موقعها، كما يتحسسان أشياء أخرى"، مستدركا أن أنباء محدودة تسربت عن أزمة تجسس تورط فيها السفير الكويتي لدى مصر، من خلال تجنيده لموظف في جهة سيادية، وحصوله على معلومات عن القرارت التي تتخذها هذه الجهة السيادية، والنقاشات التي تدور فيها، خاصة فيما يتعلق بـ"بلاد الرز!"، بحسب قوله.
وبدأ "الجمل" في سرد تفاصيل القصة، وجاء نص ما ذكره في مقاله كالتالي: "أنباء محدودة تسربت عن أزمة تجسس تورط فيها السفير الكويتي لدى مصر، من خلال تجنيده لموظف في جهة سيادية، وحصوله على معلومات عن القرارت التي تتخذها هذه الجهة السيادية، والنقاشات التي تدور فيها، خاصة فيما يتعلق ببلاد الرز".
وتقول التسريبات إن أجهزة الأمن رصدت علاقة الموظف بالسفير الكويتي، وارتابت في طبيعتها، لأنها تجاوزت حدود "العلاقة الرسمية" بين سفير وموظف مهم يعمل في جهة سيادية حساسة جدا، وبعد فترة من الرقابة المشددة تبين أن الموظف يقدم معلومات سرية للسفير مقابل أموال، وهدايا عينية، فتم القبض عليه، والتحقيق معه على أعلى مستوى أمني.
وأنكر الموظف في البداية أي تعاون مع السفير، وبعد مواجهته بمعلومات قال إنه تصرف في حدود "الصفة الرسمية"، ولم يقدم للسفير الكويتي أكثر من مواقف عامة، وتحليلات سياسية، فواجهه المحقق بوثائق مسجلة بالصوت والصورة، فاعترف بالتعاون مع السفير، وأن "المعلومات" مقابل "الرز".
وسافر مسؤول مصري إلى الكويت لبحث الأزمة، وجاء مسؤولون كويتيون إلى القاهرة تحت ستار "اللجنة المصرية الكويتية المشتركة"، وتم استدعاء السفير في بلاده، ومواجهته بالمعلومات، فأقر بأنه تصرف بحسن نية للتعرف على حقيقة الموقف المصري من بلاده، وهو أمر معروف في العمل الدبلوماسي، لكن قيل له: "ما يصحش كده.. ما فعلته مخالف، وكان عليك أن تتصرف بشكل معلن من خلال لقاءات المسؤولين، ومتابعة الأخبار والندوات، وليس بشراء المعلومات، لأن هذا من أعمال التجسس، وليس التعاون الدبلوماسي، فأجاب السفير: كنت أعتبر الأموال (الهدايا) مساعدات، وليست رشوة، أو مقابلا للتجسس".
من جهتها، حاولت وزارة الخارجية الكويتية إطفاء شرارة التسريبات، فأصدرت بيانا نشرته وكالة الأنباء الرسمية (كونا) عن نجاح نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد في احتواء أزمة ديبلوماسية كادت تنشب مع "دولة عربية كبرى" بسبب شكوى من تجنيد السفير لموظف في جهة سيادية؛ لإعطائه معلومات مقابل أموال وهدايا، وقد تم احتواء الأزمة في إطار العلاقات الأخوية الراسخة مع الدولة الشقيقة".
"الرأي" تؤكد تورط السفير الكويتي
وأشارت صحيفة "النبأ" إلى أن المعنى ذاته نقلته صحيفة "الرأي" الكويتية في 15 شباط/ فبراير الماضي، أي قبل مقال "الجمل" بيومين.
وقالت الجريدة ما نصه: "تجاوزت الكويت أزمة دبلوماسية كادت تؤثر سلبا على العلاقات بينها وبين دولة عربية كبرى بسبب اتهامات أجهزة الأمن في تلك الدولة لسفير الكويت لديها برشوة موظف يعمل في إحدى أرفع الهيئات القيادية، من أجل تزويده بأخبار ونشاطات الجهة التي يعمل فيها... وتمكن نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد من نزع فتيل الأزمة بإدارته المباشرة للملف مع أرفع إدارات الأمن في الدولة العربية".
وأضافت الصحيفة الكويتية: "كشفت مصادر دبلوماسية في الدولة العربية أن أجهزة الأمن فيها رصدت قبل فترة ما يمكن اعتباره (أكثر من علاقة رسمية) بين سفير الكويت، وموظف مهم يعمل في جهة سيادية حساسة جدا، وتم وضع الموظف تحت الرقابة، فتبين أنه يقدم معلومات خاصة عن القرارت التي تتخذها هذه الجهة السيادية، أو النقاشات الدائرة حولها، أو وجهة نظرها في ما يتعلق بهذه الأزمة العربية أو تلك أو بما يتعلق بعلاقات الدولة بدول عربية أخرى، وخصوصا الخليجية منها".
وأردفت المصادر أن تحقيقا سريعا أجراه مسؤول كبير في المخابرات مع الموظف، فأنكر أولا أن يكون التعاون مع السفير الكويتي قد تجاوز الصفة الرسمية، مشيرا إلى أن "ما قدمه له عبارة عن مواقف عامة وتحليلات، وعندما ووجه بتسجيلات ووثائق إلكترونية اعترف بأنه كان يزوّد السفير هذه المعلومات مقابل مبالغ مالية".
وكشفت المصادر -بحسب "الرأي"- أن "القضية برمتها كانت محل تنسيق دائم بين مخابرات الدولة مع نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الكويتي الشيخ محمد الخالد، الذي أمر بسرعة تطويق الموضوع والتعاون الكامل مع أجهزة الدولة العربية الكبرى بغية حصر ذيوله في إطار (خطأ أو اجتهاد شخصي من السفير)، مع التعهد بتزويد سلطات تلك الدولة بملابسات القصة بعد انتهاء التحقيقات".
وتابعت بأن "السفير الكويتي في تلك الدولة استدعي إلى الكويت، وتمت مواجهته بوثائق القضية، واعترافات الموظف المرتشي، فأفاد بأنه مارس مسؤولياته في تسليط الضوء على مواقف الدولة التي يعمل فيها بغية تكوين صورة واضحة من خلال التقارير التي يرسلها، ويمكن أن تفيد وزارة الخارجية الكويتية، وبالتالي الحكومة في اتخاذ القرارات المناسبة، وهو الأمر الذي يفعله السفراء في كل العالم)".
وعندما قيل للسفير إن ثمة مبادئ ومواثيق تحكم عمل السفير بينها أنه يمكن أن يحصل على حقائق الموقف من خلال لقاءات مع وزراء ومسؤولين وشخصيات عامة ومفكرين وأدباء وإعلاميين ومحللين، وليس من بين هذه المواثيق (رشوة) موظف في جهة حساسة لإعطائه معلومات؛ لأن ذلك أقرب إلى التجنيد والتجسس، وليس إلى التعاون، أجاب أنه فعل ذلك بحسن نية، وأن ما قدمه عبارة عن "هدايا ومساعدات وليس رشوة.
وأخيرا، أشارت الصحيفة الكويتية إلى أن السفير الكويتي طلب أن يكمل عمله لأشهر ثلاثة حتى انتهاء مهلة انتدابه رئيسا للبعثة ثم يتقاعد بعدها، مع إبداء استعداده الدائم للتعاون، والرد على أي سؤال.