كشف مراسل صحيفة "التايمز" أنتوني لويد في تقرير له من العاصمة الليبية طرابلس، عن الطرق التي يستخدمها مهربو البشر من أفريقيا لجذب المهاجرين الباحثين عن فرصة للهروب من القارة السوداء، مشيرا إلى أن المهربين يستخدمون الخداع والعبودية والجنس والسحر للإبقاء على المهاجرين رهن سيطرتهم.
ويبدأ لويد تقريره بقصة نيجيرية عمرها 29 عاما، وهي أم لطفلين، خدعت بالحياة الجميلة في أرض بعيدة، لتجد نفسها في بيت
دعارة في
ليبيا، غير قادرة على الهروب، نتيجة ما تقول إنها تعويذة سحر تمنعها من الهروب وإلا فقدت عقلها.
ويصف التقرير عملية انتهاك بيتي سوديبو من الذين هربوها، حيث حلق شعرها، وتعرضت لعملية ختان، ومورس عليها السحر، مشيرا إلى أن الغريب أن من قام بالعملية كانوا نيجيريين ونيجيريات مثلها، وقبل أن يرسلوها إلى بيت الدعارة قالوا لها: "لو عصيت أمر صاحبة المنزل، أو حاولت الهروب، فإن اللعنة ستلاحقك، وستفقدين عقلك".
وتعلق الصحيفة بأن الكثير من المهاجرات الأفريقيات، اللاتي يحاولن الهروب من الفقر في بلادهن، ينتهي بهن الأمر ليكن رقيقا للجنس في الطريق من أفريقيا والشرق الأوسط، ولا يعرف أحد بمصيرهن، حيث تقول سوديبو إن "من يحاولون عبور البحر هم فقط من يعرف العالم بهم، لكن ما يحدث لهم قبل أن يركبوا البحر هو في الحقيقة عالم من الشر".
ويشير الكاتب إلى أن قصة سوديبو، التي كانت تعيش مع ولديها في فقر دون وجود عائل، بدأت عندما اتصل بها شخص تعرفه عائلتها بـ"الحاجي"، ووعدها بوظيفة تنتظرها في الخارج، فقفزت فرحا للفرصة، حيث أخذ جواز سفرها، وأعاده لها بعد أن ختم عليه تأشيرة سفر إلى مصر في مطار مانو داياك في النيجر، بعدما قبض عمولته منها 500 جنيه إسترليني، وتقول: "ودعت ولدي وتركتهما مع والدتي، وظننت أنني سأغيب لشهور قليلة، وها قد مر عام ونصف".
ويذكر التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه في النيجر أخبر "الحاجي" سوديبو وخمس نسوة أخريات بأن الخطة قد تغيرت، وأن هناك مشكلات في الطيران، وأنه يجب السفر بالبر عن طريق ليبيا، مشيرا إلى أن النسوة لم يكن يعرفن أن الحاجي كان "بوغا"، أي تاجر بشر، وكان يرغب ببيعهن في أقرب فرصة، في حال وصولهن إلى مدينة سبها في الصحراء الجنوبية لليبيا.
وتبين الصحيفة أن سوديبو ركبت مع رفيقاتها و30 شخصا على ظهر شاحنة، حيث كن يتعرضن للضرب بالعصي في حال تعبيرهن عن الاحتجاج أثناء الرحلة، التي استمرت ليومين في الصحراء، وتقول سوديبو: "عندما اكتشفنا أننا خدعنا، ولم يكن بأيدينا حيلة، حيث صادروا جوازات سفرنا ونقودنا، وهددونا بأننا إن هربنا فسنموت في الصحراء، أو سيقتلنا السكان المحليون".
ويقول لويد إن قصة سوديبو هي واحدة من قصص عدد من النساء تركن بيوتهن في أفريقيا؛ بحثا عن عمل في الخارج، لينتهي بهن الأمر رقيقا في ليبيا، التي تعيش حربا أهلية.
وينقل التقرير عن قسيس في كنيسة سانتا ماريا في طرابلس، قوله: "يتم خداعهن في البداية، بوجود عمل في المتاجر في أوروبا وتونس ومصر، ويدفعن جزءا من المال لـ(البوغا) أجرة للسفر والوظيفة، وفي مرحلة من الرحلة يتم أخذهن إلى ساحر أو ساحرة، حيث يأخذ قطعة من الشعر أو عينة من الدم، لخداعهن بأنهن أصبحن مسحورات، وأن أي محاولة للهرب أو العصيان تعني الموت أو الجنون"، مشيرا إلى أنه في سبها يتم بيع المهاجرين لمهرب آخر، حيث يباعون مرة أخرى في طرابلس للعمل في خدمة البيوت أو في الدعارة.
وتلفت الصحيفة إلى أن معظمهن ينتهي بهن الأمر في حي قرقارش، الذي يذهب إليه كل المهاجرين الأفارقة الحالمين بـ"السفر لامبا لامبا"، أي عبور البحر نحو إيطاليا، حيث تنتشر فيه بيوت الدعارة المعروفة بـ"بيوت الاتصال"، وأشهر هذه البيوت "البيت الأبيض"، حيث تجبر فيه الأفريقيات على الدعارة والنوم مع أكثر من 30 زبونا في اليوم، مقابل 10 دنانير لييبة.
ويفيد الكاتب بأن "الأفريقيات يؤمن بقوة السحر، لذلك فإنه من الصعوبة أن تعصي الواحدة أوامر مالكها، أو أن تحاول الهروب، كما أنها ليست في وضع يمكنها لدفع ما تبقى عليها للمهرب؛ لأنها لا تحصل على أجر".
وتورد الصحيفة نقلا عن مهرب يدعى أزقيل قوله إن "البوغا/ المهرب" يطلق على العاهرات لقب "آلات طباعة"؛ لأنهن يجلبن مالا كثيرا له، ويضيف: "لماذا يرسلون البنات للعمل خادمات وهن يستطعن في ليلتين من العمل في بيوت الدعارة جني أكثر مما تحصل عليه الخادمة في شهر واحد"، مشيرا إلى أن "الفتاة لا خيار لديها، فهي دائما خائفة من السحر".
وينقل التقرير عن سوديبو قولها إنها حاولت الهروب وكسر السحر، لكنها قبلت بظرفها عندما شاهدت اثنتين من رفيقاتها تتعرضان للاغتصاب الدائم حتى قبلتا بالحال، حيث هربت في النهاية إلى الكنيسة، التي يستخدم فيها القسيس أيوندي، كما يقول، برنامجا في يومين لكسر السحر، من خلال الصيام والصلاة، ودونه تصبح نسبة 70% مريضات.
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الكنيسة تعد ملجأ مؤقتا للعديد من الهاربين من أسر
العبودية، حيث يجمع بعضهم المال، ويعود إلى بلاده، أو يواصل الرحلة إلى أوروبا.