واصل دونالد ترامب، المرشح الجمهوري لمنصب الرئاسة، إهاناته للإعلام الأمريكي، واتهامه إياه بأنه غير موضوعي، ويوم الثلاثاء، هاجم إعلاميين دعاهم إلى مؤتمر صحافي وسخر منهم، وقال لأحدهم إنه رخيص؛ لأنه تجرأ على طرح سؤال مباشر وشرعي يتعلق بشفافية المرشح. وبغض النظر عن مصدر الخلاف بين ترامب والصحافيين، فإن هذا المقاول والشخصية النجومية التلفزيونية الذي يتعامل مع حملته السياسية الراهنة وكأنه يدير برنامجا تلفزيونيا ترفيهيا، لم يكن ليحقق ما حققه هذه السنة من مكانة سياسية لولا هذه العلاقة الحميمة والصدامية في آن واحد بينه وبين الإعلام.
السجال البشع الأخير بين ترامب والإعلاميين أثار من جديد الأسئلة التي صاحبت بداية حملته الانتخابية: هل ترامب هو صنيعة الإعلام الأمريكي؟ هل نجح ترامب في التلاعب بوسائل الإعلام واستغلال ميل بعضها إلى الإثارة؟ أسئلة شرعية، الأجوبة عنها ليست بسيطة مثل نعم أو لا. ترامب شخصية تلفزيونية نرجسية معروفة لدى ملايين الأمريكيين، شخصية لا تستطيع البقاء على قيد الحياة اذا لم تكن في دائرة الأضواء الإعلامية. ترامب يعشق الصحافيين الذين يهاجمهم علنا. وبعيدا من الأضواء لا يعاملهم بقسوة مماثلة. وخلال علاقاته الطويلة مع الإعلاميين في نيويورك طور ترامب قدراته على استغلال بعض الإعلاميين التلفزيونيين بالتحديد.
عندما بدأ ترامب حملته، نظر إليه معظم الإعلاميين على أنه بدعة عابرة، وغطوه على هذا الأساس، وهذا يفسر جزئيا عدم تعرضه لانتقادات قوية ومباشرة منهم بعد مواقفه العنصرية والعدائية تجاه المهاجرين والأقليات والمسلمين. ولأنه لم يؤخذ على محمل الجد لم يجد نفسه في البداية معرضا لأضواء الصحافة الاستقصائية، كما هو الآن.
في البداية، لم ينفق ترامب الأموال على الدعايات التلفزيونية؛ لأنه كان على شاشات الفضائيات مجانا كضيف على البرامج الصباحية والمسائية، وأحيانا كثيرة كان يتصل بمقدميها من منزله ويحاورهم بالهاتف. بعض مقدمي البرامج التلفزيونية (وخلفية بعضهم غير إعلامية) كانوا يخاطبونه باسمه الأول وكأنهم من معارفه المقربين. وللإنصاف، حاول العديد من الإعلاميين طرح الأسئلة الصعبة والمباشرة وحتى الفظة على ترامب، لكنه كان يرفض الإجابة أو يلجأ إلى النفي المطلق أو يكذب دون خجل.
التحقيقات الاستقصائية التي أجرتها صحف مثل "الواشنطن بوست" والنيويورك تايمس" و"وول ستريت جورنال" وغيرها، في شأن شركات ترامب وما يسمى جامعة ترامب، أو علاقات ترامب مع النساء وغيرها، أثارت سخطه؛ لأنها كشفت النواحي الداكنة والمشينة من شخصيته وممارساته. هل كان على الإعلام أن يكون أقسى على ترامب؟ طبعا. لكن ترامب هو صنيعة الحزب الجمهوري، وصنيعة ثقافة سياسية معينة، لبعض الإعلاميين دور فيها، وهذه مسألة في حاجة إلى معالجة أعمق.
عن صحيفة النهار اللبنانية