في الأسبوعين الأخيرين كانت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من حاضرة في الشأن
المغربي. فقد اتهمها الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي المعارض بأنها كانت وراء تصدر حزب العدالة والتنمية لنتائج الانتخابات التشريعية لعام 2011، دون أن يفصح عن المانع الذي جعله يصمت كل هذا الدهر.
وهو التساؤل ذاته الذي طرح في إقدام رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران على التسجيل في دورة مكثفة في تعلم اللغة الإنجليزية في بلجيكا، وهو المشرف على انتهاء ولايته. دهر آخر مر على قضية اغتصاب اتهم فيها المطرب سعد المجرد من فتاة أمريكية قبل أن تطفو القضية مجددا على السطح.
ماذا يريدون منا؟ ذاك كان السؤال الذي طرحه العاهل المغربي في خطابه أمام القمة المغربية الخليجية قبل أسابيع. بعدها بيوم التأم جمع قمة خليجية أخرى جمعت قيادات بلدان دول مجلس التعاون الخليجي بالرئيس الأمريكي باراك أوباما.
والسؤال المغربي كان موجها بالضبط، بحسب كل القراءات، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن أظهرت "عدائية" غير مفهومة ضد المصالح المغربية في أكثر القضايا حساسية في البلد، قضية الصحراء.
لم تمر غير أيام حتى أصدرت وزارة الداخلية المغربية، على غير المعتاد في الأعراف الديبلوماسية، بيانا "شديدا" ضد التقرير السنوي الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب، واعتبرته تقريرا "انتقل من تقريب المعلومة إلى اختلاقها جملة وتفصيلا، ومن التقييم المغلوط إلى الكذب الموصوف".
وعلى إثره استدعت وزارة الخارجية السفير الأمريكي في الرباط احتجاجا على التقرير موضوع "الخلاف" ومقدمة الدلائل على "افترائه" في حق بلد كان سباقا إلى فتح حوار استراتيجي مع واشنطن، بالرغم من أنه لم يكن ملزما بتقديم أي حساب لأي دولة أجنبية بحسب الرأي المغربي دوما.
آخر "المناوشات" بين الرباط وواشنطن، التي انتقلت للعلن، كانت بدأت بأروقة مجلس الأمن بعد اتهام الرباط لمستشاري الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأمريكيين بتضليله خدمة للمصالح السياسية لبلدهم، وهو ما كان له تبعاته حين استصدرت أمريكا قرارا يدعو المغرب، شهر نيسان/ أبريل، إلى إعادة المكون المدني للبعثة الأممية بالصحراء، وحددت لذلك سقفا زمنيا حُدد في ثلاثة أشهر بعد أن كانت تسعى لتقليصه إلى شهرين.
ومع اقتراب الموعد، فإنه يبدو أن "الغضبة" المغربية الأخيرة مجرد تسخينات في انتظار مداولات مجلس الأمن بخصوص التزام المغرب بالقرار من عدمه. بيان الداخلية المغربية لم يفته الربط بين الموضوعين، حين اعتبر أنه أثار "مزاعم مغلوطة تحركها دوافع سياسية غامضة".
ولعل الفرصة كانت مواتية بالنظر إلى تركيز تقرير الخارجية الأمريكية على ما أسماه "التجاوزات" التي ترتكبها السلطات المغربية في حق "الصحراويين"، ليظهر المغرب قدرته على التحرك خارج السرب الأمريكي من خلال الانفتاح على الصين وروسيا اللتين أفرد لهما العاهل المغربي زيارتين دمج خلالها المصالح الاقتصادية بالدعم السياسي.
والواضح أن المغرب، الذي كان يعتبر نفسه حليفا طبيعيا لأمريكا، قد وجد في التغيير الذي طرأ في أولويات التحالفات الأمريكية في المنطقة ما يهدد مصالحه بالرغم من أن الأمر ليس بالجديد. لكن الأمور أخذت، على ما يبدو، منحا تصاعديا، لعل أخفه العودة إلى مقترح إدخال مراقبة احترام حقوق الإنسان في مهمات قوات المينورسو المدنية التي طردها المغرب وتطالب أمريكا بعودتها، اضطر المغرب للتعبير علانية عن "مخاوفه" وهو الذي جرب منطق "قلب الطاولة" على كثير من الدول التي اقتربت من قضاياه الحساسة سواء تعلق الأمر في فرنسا أو مملكة السويد أو غيرهما.
في فيلم (معلش احنا بنتبهدل) المنتج في العام 2005 لمخرجه شريف مندور، يوجه القرموطي رسالة إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش من على شاشات التلفزيون: أنا الأول عايز أوجه رسالة لسيادة الرئيس بوش بعد اذنك. الكاميرا ده شغالة.. أنا بأوجه رسالة للرئيس بوش وبقوله الصياعة أدب. واخذ بالك؟
الصياعة أدب. وهما كلمتين حنقولهم لا حنرغي في الكلام ولا حنزيد ولا نعيد.. ابني وحيد في العراق.. لو فيه ايد اتمدت على وحيد الجن الأزرق حيرحمك يا عم بوش.. لو عاوزين تقلبوها نووي عندنا الاستعداد نقلبها نووي.. النووي دلوقت بيتباع في موسكو على الأرصفة..
لعل هذا حال المغرب الذي كثيرا ما كان يتغنى بأنه البلد الأول في العالم الذي اعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، وانضم مبكرا للمعسكر الغربي في مواجهة اتجاه كان عاما لدى الدول الناشئة في الاعتماد على الاتحاد السوفياتي حليفا.
ولعل طرح السؤال: ماذا يريدون منا؟ وما أعقبه من التأكيد على أن المغرب "ليس محمية لأحد"، مناسبة لنطرح السؤال أيضا عن الذي نريده منهم؟
فالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العالم تحركها المصالح، والشاطر من يستطيع الاستفادة ما أمكنه من الظروف الدولية والتكيف مع المتغيرات بعيدا عن الردود الانفعالية والبيانات المتشنجة. ولكل دولة مهما صغر شأنها أوراق يمكن تحريكها بما يتوافق ومصالحها. في السنوات الأخيرة، وفي ظل أزمة مشابهة كان القرار المغربي بإلغاء مناورات عسكرية كانت ستجمع قواته بنظيرتها الأمريكية.
وفي الأزمة مع فرنسا كان قطع التعاون القضائي والأمني وفي مواجهة السويد حُركت الورقة الاقتصادية، وكلها محطات أثبتت أن "المواجهة" الصريحة، اعتمادا على الذات قبل الحلفاء، كثيرا ما تكون لها نتائج أقلها درء المخاطر حتى حين.
في الحالة الأمريكية، كان بالإمكان اعتبار التقرير عملا روتينيا دأب موظفو الخارجية على تدبيجه كل سنة وانتهى الأمر. لكن الواضح أن الأمر يتعدى تقريرا سنويا إلى ما هو أخطر في ظل تكرار الحديث عن مساع لـ"تقسيم المغرب" كما حدث في عدد من الدول العربية ولا يزال.
البعض يعتبر الأمر مجرد هلوسات، بالنظر إلى ما قد يشكله ذلك من تهديد لأمن منطقة الساحل والصحراء. لكن التجربة تثبت أن مفهوم "الفوضى الخلاقة" لم يعد يستثني الأصدقاء والحلفاء.
في فيلم هاللو أمريكا، وبعد فوز مرشح دعمه بخيت بالرئاسة الأمريكية. يستعد الأخير لزيارته في البيت الأبيض.
عديلة: أخيرا يا بخيت.. أخيرا.
نوفل: الطيارة جاهزة.. تحب أجي معاك.
بخيت: لا خليك. أنا بحب المباحثات مع الرئيس الأمريكي تكون في سرية تامة نظرا لحساسية المشاكل ايلي احنا حنتناولها خاصة مشكلة الشرق الأوسط.
عديلة: شد حيلك يا بخيت. قلوب كل المصريين وكل العرب معاك.
بخيت: لن أفرط ولن أساوم ولن أستسلم.
في المشهد الموالي يدخل بخيت على الرئيس الأمريكي جاكسون.
جاكسون: هاللو مستر بخيت، كيف الحال؟
بخيت : هاللو مستر بريزدنت (يلتقطون صورة) أحب أن أحدثكم سيدي الرئيس .. الشعوب العربية (بانجليزية ركيكة)
جاكسون: شكرا سيد بخيت .. إلى اللقاء.
هل نريد من القوى الدولية الكبرى "الحماية" أم أننا نرغب في الندية باعتبارها السبيل الوحيد للخروج ما أمكن من ربقة الضغوطات التي لا تخف حتى تعود من جديد.
فرنسا "الصديقة" منحت في الأيام الأخيرة، ولأول مرة، ترخيصا لتنظيم تظاهرة أمام الإقامة الملكية للعاهل المغربي بمدينة بيتز حيث يقضي عطلة خاصة. وبعدها بأيام قدمت القناة الثالثة الرسمية برنامجا وثائقيا تضمن تقييما سلبيا لفترة حكم محمد السادس بناء على معطيات تجاوز الزمن كثيرا منها مركزا بالذات على الجيش وعلى قضايا "انتهاكات" حقوق الإنسان في اتجاه واحد هو الإدانة مع سبق الإصرار.
المصالح متغيرة إذن والحلفاء ينقلبون، والحاضنة العربية أبعد ما تكون على القدرة في التأثير. والتحدي الأكبر هو القدرة على تحصين الجبهة الداخلية بصدق وتقوية النموذج المغربي واحترام الإنسان وكرامته فهي الضمانة الوحيدة، اليوم وغدا وفي كل وقت، للنجاة من كل ما يتم التخطيط له من قبل الأصدقاء قبل الأعداء.
فهل تشفع دروس اللغة الانجليزية لعبد الإله بنكيران، في حال التجديد الشعبي له، في مواجهة أمريكا وترجمة كلمات القرموطي أعلاه ولو بإنجليزية ركيكة؟