نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للمحلل السياسي طارق مغريسي، يتحدث فيه عن الأوضاع في
ليبيا، ويشير إلى أنه يمكن لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة في ليبيا البقاء، من خلال إيجاد وسيلة للوقوف في وجه الخليفة
حفتر وجيشه.
ويبدأ الكاتب تقريره بالقول إن "ليبيا في وضع سيئ، لكن الأمور قد تتجه إلى الأسوأ، حيث لم يمر سوى أشهر قليلة منذ أن قامت الأمم المتحدة بمساعدة الليبيين لتشكيل حكومة وحدة وطنية، التي كان من المفروض أن تنهي الحرب الأهلية الدائرة على مدى عامين، لكن بصيص الأمل في هذا الاستقرار بدأ يخبو وينذر بالانتهاء تماما، وقد تكون النتيجة صراعا أوسع، قد يؤدي في النهاية حتى إلى التقسيم".
ويضيف مغريسي أن "السبب بسيط، فإنه باستعجال أصدقاء ليبيا المزعومين في المجتمع الدولي لإيجاد حكومة جديدة، يمكنها أن تعيد شيئا من الاستقرار إلى ليبيا، فإنهم أهملوا عقبة مهمة، وهي: الجنرال خليفة حفتر ومعه مجموعة من عسكريي عهد
القذافي، ومليشيات تعرف باسم الجيش الوطني الليبي".
ويتابع الكاتب قائلا إن "حفتر يعد جزءا غريبا وغير مفهوم في المشهد الليبي، ويقف خلفه عدد من القيادات السياسية والاجتماعية، التي يمكنها تحقيق مصالح شخصية من الارتباط به، وحتى إن كان الأمر مؤقتا، ولديه مؤيدون حقيقيون أيضا بين الشعب، وبالذات في منطقة برقة، وله مؤيدون أيضا على مستوى البلد".
ويشير التقرير إلى أن "حفتر رفض حكومة التوافق الوطني المدعومة دوليا والمليشيا الموالية لها، حيث صعد رئيس أركان الجيش لديه تهديده بـ(تحرير) طرابلس، (التي يمكن قراءتها احتلالا) من مدينة قريبة، وقامت قوات حفتر بالانتشار حول حقول نفط برقة؛ بحجة مكافحة
تنظيم الدولة، الذي تمدد في ليبيا، وهو ما يراه البعض مقدمة للسيطرة على تلك الحقول، وفي الوقت ذاته كان حلفاؤه السياسيون يحاولون بيع النفط الذي يسيطرون عليه بشكل مستقل في السوق الدولية، وحتى أنهم طبعوا عملة خاصة بهم بمساعدة الروس،(في الوقت الذي يقوم فيه البنك المركزي في طرابلس، والموالي لحكومة الوحدة الوطنية، بطبع النقود عن طريق شركة بريطانية)".
ويعلق مغريسي في التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا: "باختصار، فإن حفتر وحلفاءه يفاقمون من الانقسام السياسي في ليبيا، حيث يشير اختطاف معارضي حفتر في مناطق نفوذه، بالإضافة إلى بروز شخصيات وعملاء مخابرات من عهد القذافي في إدارته، إلى شكل الدولة التي يسعى إلى إقامتها".
ويستدرك الكاتب قائلا: "يمكن للشخص أن يتفهم شعبية حفتر بمجرد النظر إلى الظروف التي سمحت له بأن يعيد تلميع نفسه، حيث إنه بعد الثورة عام 2011، قامت المجموعات الإسلامية المختلفة، التي عانى أعضاؤها من القمع أيام حكم القذافي، باستغلال الفراغ في السلطة؛ للانتقام من أعدائهم، فوقعت منطقة بنغازي وبرقة تحت وطأة حملة اغتيالات مستمرة ضد أعضاء الأجهزة الأمنية والقضاء وغيرهم، وشلت حوادث إطلاق النار في المساجد والقتل، عن طريق القناصة والسيارات المفخخة، المنطقة كلها، ولم تستطع السلطات الموقتة عمل شيء سوى تقديم نصائح خرقاء حول تحسين الوضع الأمني (مثل نصيحة المواطنين في بنغازي بتفقد أسفل سياراتهم كل صباح مستخدمين عصا)، حيث استغلت المجموعات المتطرفة حالة فقدان الأمن لإيجاد موطئ قدم لها".
وتبين المجلة كيفية دخول حفتر المشهد السياسي، وتقول إنه قام بإطلاق حملة عسكرية ضد الإسلاميين في 2014، سماها "عملية الكرامة"، حيث سمحت قواته للضباط والجنود من الجيش القديم بالانتقام من أعدائهم، لافتة إلى أن ما أعاق الحملة هو غياب العدو الملموس والأهداف الواضحة، ما دفع الإسلاميين على اختلاف مشاربهم لتنحية خلافاتهم جانبا، والتوحد في وجه التهديد الجديد.
ويلفت التقرير إلى أن حفتر شخصية مثيرة للجدل، حيث يتهم بارتكابه جرائم حرب خلال قيادته للجيش الليبي في الحرب في تشاد في ثمانينيات القرن الماضي، وشكل في السنوات التي تلت ذلك علاقة ضبابية مع المؤسسة الأمنية الأمريكية، مستدركا بأنه بالرغم من ذلك، فإن عملية الكرامة حظيت بتأييد واسع بين قطاعات الشعب المختلفة، حيث رأوا في حفتر الشخصية الوحيدة التي تستطيع مكافحة قوى الفوضى.
ويفيد مغريسي بأنه "بعد عامين، فإن شعبية الجنرال لا تزال كبيرة، بعد أن سيطر على بنغازي ومناطق أخرى، حيث أظهر أن باستطاعته إعادة شيء من الاستقرار والسلام، وهذا مهم جدا بالنسبة لشعب عاش خمس سنوات من القتال المستمر، ولا شك أن حفتر هو الوحيد في النخبة السياسية الذي يستطيع أن يتبجح بإنجازاته، بغض النظر عن هشاشة انتصاره، ومقدار الدعم الخارجي الذي احتاجه لتحقيق هذا الانتصار، حيث إن الدعم العسكري الكبير الذي قدمته مصر والخليج لحفتر، فضلا عن وجود قوات فرنسية، خاصة في الخطوط الأمامية، لمساعدة قواته، يعد من أسرار ليبيا المفضوحة، ويمكنه أن يدعي ولاء العديد من الضباط القدامى في الجيش له، مع أن عددا منهم يرفضون أساليبه".
ويجد الكاتب أن "حفتر قد لا يكون هو القوة التي تحقق الاستقرار كما يدعي، حيث إن معسكره كان حتى فترة قريبة يظهر علامات تصدع سياسي وعسكري، وهناك أسباب كثيرة للاعتقاد بأن مؤيديه ليسوا بالتماسك الذي قد يظهرون به من النظرة الأولى".
وترى المجلة أنه إذا أرادت حكومة الوحدة الظهور بأنها قادرة على القيام بوظيفتها، فإن عليها البدء بإنشاء جيش موحد بشكل حقيقي، مشيرة إلى أن تعيين الحكومة لمهدي البرغثي، وهو أحد القيادات العسكرية السابقة مع حفتر، ليتسلم وزارة الدفاع، هو مثال جيد على ما هم بحاجة لفعله.
وينوه التقرير إلى أن "العسكريين الذين كانوا في الجيش الليبي، وكان القذافي يشك في ولائهم، فأهملهم، وفضل الجيش الخاص، الذي كان يقوده ابنه، هم الأساس الأفضل لجيش ليبي وطني، وبدلا من محاولة البناء عليهم، قامت حكومة الوحدة بالاعتماد على المليشيات الموجودة، وهو ما اتبعته الحكومة التي سبقتها، ومصير هذه المحاولات هو الفشل، لأسباب فشلها في المرة الأولى ذاتها؛ فإن هذه المليشيات مخلصة لنفسها فقط، ولذلك لا يمكن أن تشكل قوة مقاتلة فاعلة".
ويقول مغريسي إنه "يجب على حكومة الوحدة أن تعمل كل ما في وسعها؛ لطمأنة الشعب بأنها تسلك الطريق الأمثل نحو الاستقرار والازدهار، لكن، وبدلا من فعل ذلك، ولكون
المجلس الوطني الليبي فشل في بسط نفوذه أبعد من طرابلس ومصراتة، فإنه يحاول تسويق نفسه في الخارج، حيث قضى رئيس الوزراء فايز السراج معظم وقته في السلطة مسافرا في الخارج، ولم يزر برقة بعد، ويتفاخر المجلس بالعقود التي يوقعها مع الشركات الخارجية، لكن المفارقة هي عدم تحقيق تقدم تجاه إقامة إدارة فاعلة، أو تحقيق أمن حقيقي، وعليه، فإن عدم قدرة المجلس الحالي على تمييز نفسه عن سابقه يجعل الشعب يضع ثقته في الشيطان الذي يعرفه، بدلا من دعم حكومة غير قادرة سوى على الكلام".
وتعتقد المجلة أن "نجاح حفتر يظهر أن التجديد السياسي ممكن في ليبيا اليوم، وعلى حكومة الوحدة زيارة شرق ليبيا، والتفاعل مع السكان هناك، ليقولوا لهم إن الحكومة تهتم بليبيا كلها، ويجب على الحكومة توصيل الميزانية التي وعدت بها الحكومات المحلية في برقة، وعلى المجلس أن يعمل على مد المجتمعات المحلية بالخدمات والإمدادات، بما في ذلك الأدوية وحتى المولدات، (لحل مشكلة انقطاع الكهرباء)؛ لإثبات أنهم قادرون على خدمة الشعب أكثر من حفتر".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالقول إن "شعبية حفتر ناتجة عن الفراغ في القيادة بعد الثورة، ومواجهته شفويا أو عسكريا، مع التهديد بالمقاطعة، ستخدم فقط في تقوية موقفه، بينما لا يبدو المجلس أكثر من كونه مجرد فصيل آخر، فإن ركزت الحكومة على تقديم الأمن والخدمات للمواطن، فإن مشكلة حفتر ستحل ذاتها".