تناول الباحث الأمريكي سايمون هندرسون، الخبير في الشؤون
السعودية، مسألة الرؤية السعودية للاقتصاد، التي قدمها في وقت سابق ولي ولي العهد السعودي الأمير
محمد بن سلمان، ونالت موافقة الحكومة السعودية.
يقول هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن إن
اقتصاد السعودي يعتبر على نطاق واسع "اقتصادا قائما على ركيزة واحدة" (النفط). وقد مرّ هذا الاقتصاد بضغوط خاصة منذ انهيار أسعار النفط في أواخر عام 2014، من ما يتخطى 100 دولار للبرميل الواحد إلى حوالي 50 دولار في الوقت الحالي. وعلى الرغم من أن السعر الأخير يمثل ارتفاعا كبيرا عن أدنى مستوى لهذا العام (أقل من 30 دولار في كانون الثاني/ يناير)، إلا أنه من المرجح أن تكون الأسعار مقيّدة في الوقت الراهن؛ بسبب المخزون الكبير (أي النفط الذي تم ضخه، ولكنه لا يزال في التخزين).
لكن المملكة استمرت في سياستها القائمة على ضخ كميات هائلة من النفط؛ للحفاظ على حصتها في السوق، ما أبقى الأسعار منخفضة. وفي الوقت نفسه، انخفضت الاحتياطيات المالية السعودية، ويعود ذلك جزئيا إلى دفع الأمير محمد بن سلمان باتجاه التدخل في اليمن كوسيلة للتصدي للنفوذ الإيراني المتصوّر الذي تشهده المملكة على حدودها الجنوبية.
يقول هندرسون إن الصعود المثير للأمير محمد بن سلمان فاجأ السعوديين والأجانب على حد سواء، وقد بدأ تعريفه للعالم بشكل جدي هذا العام. فخلال زيارته الحالية، لا يجتمع بالرئيس الأمريكي وزعماء الكونغرس فحسب، بل يعقد أيضا لقاءات على أساس ثنائي مع أشخاص مثل الرئيس السابق لـ"وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية و"القيادة المركزية" الأمريكية، ديفيد بتريوس، والمدير التنفيذي في مجموعة "كارلايل" الاستثمارية، ديفيد روبنشتاين.
بالإضافة إلى ذلك، كان يعقد اجتماعات منسقة بعناية مع وسائل الإعلام.
ويرى هندرسون أن الأمير الشاب يعتمد بشكل كبير على أربعة أشخاص فقط كمستشارين:
تركي الدخيل، مدير عام قناة "العربية" الإخبارية الشاب.
أحمد بن عقيل الخطيب، شريكه التجاري سابقا. وقد شغل منصب وزير الصحة لمدة ثلاثة أشهر خلال العام الماضي، لكن الملك سلمان أقاله بعد الانتشار الواسع لمقطع فيديو ظهر فيها في مشادة كلامية مع مواطن يشكو من المستشفيات السعودية. ومع ذلك، أعيد تعيينه الشهر الماضي، في ظهور سياسي جديد رئيسا لـ"الهيئة العامة للترفيه" - وهي هيئة جديدة.
محمد آل الشيخ، وزير الدولة، محامي متخرج من جامعة هارفارد، كان رئيسا سابقا لمجلس "هيئة السوق المالية" السعودية.
عادل فقيه، وزير الاقتصاد والتخطيط.
لكن الأمير في زيارته إلى الولايات المتحدة اصطحب مجموعة أوسع إلى حد كبير من الأشخاص شملت وزراء ومستشارين. فإلى جانب وسائل الإعلام وفريق الدعم، ملأت حاشيته ثلاث طائرات.
يُعزى السبب المنطقي وراء الخطة الاقتصادية التي كشف عنها الأمير مؤخرا، والتي تُعرف باسم «رؤية عام 2030»، إلى المسؤولين المحيطين به، فضلا عن المستشارين الأجانب. على سبيل المثال، أصدرت شركة "ماكينزي" الاستشارية تقريرا متاحا للجمهور حول هذا الموضوع في كانون الأول/ ديسمبر، فضلا عن مشاركة شركة استشارات وبنوك أخرى في ذلك، وفقا لبعض التقارير.
وتشمل العناصر الرئيسية لـ«رؤية عام 2030»:
بناء قطاع صناعي والاستفادة من الطاقة الرخيصة في المملكة.
تحسين إدارة المياه والكهرباء، التي تحظى بقدر كبير من الدعم في الوقت الحاضر.
دعم القطاع الخاص، سواء كنسبة من "الناتج المحلي الإجمالي"، أو كمكان للسعوديين للحصول على عمل.
تنمية "صندوق الاستثمارات العامة" الصغير نسبيا، والقيام باستثمارات استراتيجية.
تطوير مشاريع ثقافية وترفيهية، المحدودة في الوقت الحاضر؛ بسبب اعتراضات المؤسسات الدينية.
هذا وقد بدأ "برنامج التحول الوطني" لعام 2020 بإجراء بعض التغييرات بالفعل، حيث تم الإعلان عنها في وقت سابق من هذا الشهر. وتشمل الأهداف الطموحة لهذا البرنامج:
زيادة الإيرادات غير النفطية بثلاثة أضعاف.
إثناء المملكة عن إدمانها على النفط.
تعزيز المعايير والمهارات التعليمية للشباب.
طرح حوالي خمسة في المئة من أسهم شركة "أرامكو" السعودية للاكتتاب.
موازنة الميزانية بحلول عام 2020 (كان العجز في العام الماضي 98 مليار دولار).
اقتراض الأموال دوليا عن طريق إصدار سندات (تم ذكر رقم أولي يبلغ 15 مليار دولار).
فرض ضريبة دخل على العمال الأجانب، الأمر الذي من شأنه أن يحفز الشركات على توظيف السعوديين.
لكن هندرسون يرى أن نجاح الخطة سيتوقف على رغبة الناس في العمل في القطاع الخاص. وقد يستغرق ذلك جيلا بأكمله؛ ففي الوقت الحالي، يفضل الكثير من السعوديين الوظائف الحكومية؛ لأنها أقل تطلبا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لخفض الدعم أن يرهق العقد الاجتماعي الضمني بين العائلة المالكة ورعاياها. فعلى الرغم من سمعة المملكة بالثراء غير العادي، إلا أن نصيب الفرد من الثروة هو أقل من نصيبه في العديد من الدول المجاورة، كما أن التفاوت في الدخل مرتفع.
وفي الواقع، لا يزال هناك العديد من الأسئلة التي لا بد من طرحها والإجابة عليها، ومن غير الواضح ما إذا كان الأمير محمد بن سلمان والمحيطون به قد أعدوا الإجابات اللازمة. وفق هندرسون.
يفضل الأمير محمد بن سلمان بشكل واضح تطوير المزيد من العلاقات مع شركات أمريكية. فقد اجتمع مع رئيس "غرفة التجارة الأمريكية" ومختلف الرؤساء التنفيذيين للصناعات الحربية خلال زيارته لواشنطن. وعما إذا كانوا قادرين على مساعدته على تحقيق رؤيته، فإن ذلك سيعتمد في النهاية على صحة الافتراضات التي بُنيت حاليا - وربما الأكثر أهمية، على الظروف في منطقة الشرق الأوسط دائمة التغيّر، التي يتعيّن أن تكون مواتية لنجاح المبادرات الحساسة في المملكة.