نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للكاتب غريغ جاف، يتحدث فيه عن استخدام الرئيس الأمريكي باراك
أوباما المفرط للطائرات دون طيار، في ملاحقة المتشددين من عناصر
تنظيم الدولة وتنظيم
القاعدة.
ويقول الكاتب: "عندما يتعلق الأمر بمسألة
الحرب والسلام، يبدو أن هناك شخصيتين مختلفتين لأوباما، فنحن أمام رئيس يشعر بالألم حول أخلاقية القتل وتكاليف الحرب، حيث قال عام 2009، عندما قرر زيادة عدد الجنود في أفغانستان: (مهما كانت الحرب مبررة، فإنها تعد كارثة)، وهناك الرئيس الذي صادق خلال السنوات السبع الماضية على أكبر عدد من حالات القتل المستهدف في التاريخ الأمريكي، حيث قال في الربيع: (لا يوجد رئيس سحب إرهابيين من الميدان أكثر مني)، وعزز بعد أسابيع ما قاله في خطاب في الأكاديمية العسكرية بذكر أسماء قادة تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، الذين قتلوا بناء على أوامره".
وتذكر الصحيفة أن تقرير البيت الأبيض حول سياسات القتل المستهدف، الذي صدر يوم الجمعة، يكشف عن الطريقة التي حاول فيها أوباما تفكيك التناقض بين التردد في الحرب والاندفاع للقتل، مشيرة إلى أنه بالنسبة لأوباما، فإن عدد القتلى المدنيين في التقرير، والمقدر بأقل من 116 مدنيا في سبع سنوات من الحملة، يعد تأكيدا لفعالية برنامج القتال بوسيلة الطائرات دون طيار، بصفته أداة ناجحة في مكافحة الإرهاب.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن المنظمات المستقلة، التي ترصد الوفيات من المدنيين، قدمت أرقاما أعلى مما ورد في تقرير البيت الأبيض، حيث قدرت كل من "نيو أميركان فاونديشن" و"لونغ وور جورنال" عدد القتلى من المدنيين بحوالي 200، وقدر مكتب الصحافة الاستقصائية عدد القتلى المدنيين بـ325 في العمليات التي قامت بها إدارة أوباما ضد التنظيمات المتشددة.
ويشير جاف إلى أن تقرير البيت الأبيض لا يقدم تفاصيل عن مواقع القتل أو وقته، لافتا إلى أنه لم يحاول التصدي للنقد الواسع؛ بسبب ما خلفته الحملة من غضب وحنق شعبي في أماكن، مثل اليمن وباكستان، التي أسهمت بتعزيز الإرهاب.
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم ذلك، فإن التقرير يعبر عن الاعتقاد المتزايد لدى البيت الأبيض بأن هجمات الطائرات دون طيار "
الدرون" أدت إلى حماية أرواح الأمريكيين، وأعفت الولايات المتحدة من حرب طويلة، حيث قال المتحدث الإعلامي للبيت الأبيض جوش إرينست: "هذه أداة استخدمتها الإدارة بشكل مستمر، وتركت أثرا مدمرا في قدرة الإرهابيين على استخدام الملاذات الآمنة للتخطيط ضدنا وضد مصالحنا".
ويرى الكاتب أن التقرير حول الضحايا والملخص التنفيذي هو محاولة لتأكيد استمرار البرنامج بعد خروج أوباما من البيت الأبيض، ويقول إن أوباما منذ أيامه الأولى في البيت الأبيض لم يكن مرتاحا لنشر قوات أمريكية بشكل واسع، حيث شكك في زعم جنرالاته، الذين وعدوا بأنه مع تعزيز القوات والوقت الكافي يستطيعون هزيمة المتشددين، بالإضافة إلى معافاة المجتمعات المتمزقة، مثل أفغانستان والعراق، لكنه عبر عن قلقه من أثر هذا الأمر في حياة الجنود الأمريكيين، والدمار الذي يمكن أن يتركوه على حياة المدنيين.
ويلفت التقرير إلى أن "الطائرات دون طيار منحت طريقة لشن حرب نظيفة نوعا ما، وأقل دمارا، حيث تطورت الطائرات دون طيار (الدرون) أثناء فترة أوباما في البيت الأبيض بطريقة متميزة، وأصبحت متطورة، فأصبحت لدى الطائرات القدرة على التحليق فوق أهدافها لفترة أطول، بالإضافة إلى قدرتها على جمع معلومات، وحمل معدات أكثر من تلك التي كانت عندما دخل أوباما البيت الأبيض".
وتبين الصحيفة أن أوباما أعلن في عام 2013 قواعد جديدة، تنظم عمل استخدام هذه التقنية الجديدة القاتلة، حيث كان هدف أوباما هو نقل الولايات المتحدة إلى حرب إنسانية، لا يمكن عبرها القيام بعملية، إلا في حال تم التأكد من عدم قتل أو جرح مدنيين.
ويفيد جاف بأن تقرير البيت الأبيض يوم الجمعة كرر حديثه عن أن "المعايير والإجراءات الصارمة" أدت إلى "استهداف دقيق بدرجة عالية"، مشيرا إلى أنه حتى قبل الجمعة، أجبرت إدارة أوباما على الاعتراف بحدوث أخطاء، بما في مقتل أمريكي، وهو وارين وينستاين، وإيطالي، وهو جيوفاني لو بورتو، كانا في مجمع تم ضربه، باعتباره هدفا لتنظيم القاعدة، حيث قال أوباما: "إنها حقيقة قاسية ومرة الاعتراف بحدوث أخطاء قاتلة في الحروب بشكل عام، وفي حربنا ضد التنظيمات الإرهابية، وأعبر عن ندمي العميق جراء ما حدث".
وتذكر الصحيفة أن التقرير الحديث لا يشير إلى القتل الذي تسببت به الغارات دون طيار على
سوريا والعراق وأفغانستان، حيث انتقد محللون عسكريون ومنظمات حقوق الإنسان تقدير الجيش الأمريكي بشأن الضحايا من المدنيين، لافتة إلى أن الولايات المتحدة اعترفت، على مدى عامين و12 ألف غارة جوية، بمقتل 41 مدنيا فقط.
وينوه التقرير إلى أن الجيش الأمريكي أمر الأسبوع الماضي بفتح تحقيقات في غارة العام الماضي، التي وقعت قرب مدينة الموصل، حيث ذكرت الصحيفة أن 11 مدنيا قتلوا فيها، بينهم تسع نسوة وطفلان، مشيرا إلى أن "التحقيق الأولي كشف عن مقتل أربعة مدنيين، ولو تم تأكيد مقتل 11 مدنيا قرب نقطة تفتيش الحترة، فإن ذلك سيشكل ربع العدد الذي اعترف الجيش الأمريكي بسقوطه في
العراق وسوريا".
ويورد الكاتب أن أوباما اعترف بحتمية الوقوع في الأخطاء وقتل مدنيين، في معرض رده عن سؤال وجهه له طالب في جامعة شيكاغو بداية هذا العام، حيث قال: "نشعر بالألم نتيجة هذا الأمر بطريقة جدية"، مستدركا بأنه مع ذلك، فإنه لا يبدو أن أوباما اهتز لموت المدنيين في بحثه عن سلاح فعال وقليل التكلفة، ليكون بديلا عن حروب مكلفة وواسعة النطاق.
وتقول الصحيفة إن "الحرب ضد تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، بكلفتها المالية والبشرية القليلة، جعلت أوباما يركز على الملف النووي الإيراني، وتطبيع العلاقات مع كوبا، كما سمحت حرب الدرون لأوباما بأن يكون قائدا غير حربي".
وينقل التقرير عن المسؤول السابق في إدارة أوباما ومؤلف كتاب "اللعبة الطويلة" ديرك شوليت، قوله: "لا أعتقد أن أوباما ينظر لنفسه على أنه قائد حرب، حيث إنه يرى القوة العسكرية ضرورية، لكنه يعتقد أن هناك مصالح أخرى على المحك".
ويبين جاف أنه "في المقابل، فإن نقاد أوباما من المحافظين يرون أن حرب الدرون ذات الكلفة القليلة سمحت لتنظيم الدولة بالتجذر في الشرق الأوسط، والتمدد إلى ليبيا، أما نقاده من الليبراليين فيرون أنه اكتفى بحرب الدرون، وتخلى عن مسؤولية أمريكا بصفتها قوة عظمى ووحيدة، ووقف متفرجا على المأساة الإنسانية في اليمن والعراق وسوريا".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن السؤال عما إذا كان خليفة أوباما سيواصل خطة سلفه في تبني سياسة الدرون، حيث إن الولايات المتحدة تسير حرب الدرون في سبع دول، وهي: العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان وباكستان واليمن والصومال.