كشف فرزين نديمي، وهو محلل متخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج العربي، أسباب تعيين المرشد
الإيراني الأعلى
علي خامنئي للواء محمد
حسين باقري رئيسا جديدا لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محل حسن فيروز آبادي الذي شغل المنصب لـ27 عاما.
وقال نديمي، في تقرير نشر على موقع "معهد واشنطن"، إن الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، فيروز آبادي، كان ينظر إليه كـ"دخيل"؛ لأنه "لم يكن آتيا من جيش الجمهورية الإسلامية في إيران أو "
الحرس الثوري"، بل كنجم صاعد في هيئة الأركان العامة، حاز على الرتبة العسكرية الجديدة "لواء باسيج" من خامنئي في أيلول/ سبتمبر 1989، وحلّ محل موسوي التي انتهت ولايته آنذاك كرئيس.
وخلال فترة ولايته الطويلة، سُجّل لفيروز آبادي إدارة تحوّل "الحرس الثوري" من منظمة دمّرتها الحرب إلى قوّة عسكرية تقليدية غير متماثلة تلقي بظلّها على جيش الجمهورية الإسلامية الذي لا يزال متخلفا. كما أشرف على صناعة عسكرية متنامية أنتجت مجموعة واسعة من المنتجات في ظل العقوبات الدولية، بدءا من الذخيرة، ووصولا إلى الصواريخ الفضائية".
وأورد نديمي، في تقريره، لسجل الرئيس الجديد للمنصب العسكري الرفيع، اللواء محمد حسين باقري، وقال إنه "في عام 1979، شارك باقري في الاستيلاء على السفارة الأمريكية عندما كان طالبا مبتدئا في كلية الهندسة، إلّا أنّه سرعان ما غيّر مساره وانضمّ إلى «فيلق الحرس الثوري الإسلامي». وأثناء خدمته في الحرس الثوري، شارك في حملات ضدّ المتمرّدين الأكراد ولاحقا في العراق.
ولا يعرف إلا القليل جدّا حول دوره في الحرب الإيرانية العراقية؛ فمن المؤكّد أنّه ليس مشهورا بقدر أخيه الأكبر حسن الذي أسّس ذراع الاستخبارات العسكرية للحرس الثوري عام 1980، وقاد فرقة عندما كان في سن السابعة والعشرين فقط. بيد أنّ باقري الأصغر سنا هو أيضا جندي أقدم في الاستخبارات العسكرية للحرس الثوري، بالإضافة إلى كونه استراتيجيا في «الحرس»".
وتابع: "وبعد انتهاء مسيرة حسن العسكرية غير المتكافئة المليئة بالنجاحات الكبرى والهزائم المكلّفة بموته في كانون الثاني/ يناير عام 1983، عُيّن أخوه الأصغر رئيسا لاستخبارات القوات البرّية في الحرس الثوري. وعندما تأسست هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية في حزيران/ يونيو 1988، قبل نهاية الحرب الإيرانية العراقية، عُيّن نائبا للرئيس بالوكالة لشؤون الاستخبارات، وهو منصب شغله في وقت لاحق لسنوات عديدة، حتّى تمّ تعيينه رئيسا للأركان والشؤون التبادلية".
وكشف نديمي عن السبب في تأسيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، وقال إنها أتت "للإشراف على دمج القوّات المسلحة الوطنية والثورية، بالإضافة إلى الإشراف على التخطيط العسكري والتدريبي والتنظيمي، ولدعم المجمّع الصناعي العسكري، ولكتابة ميزانيات الدفاع، ولتزويد رئيس الأركان بالمعلومات الاستخباراتية بأسرع وقت ممكن، ولتنسيق شؤون الحرس الثوري الإيراني والجيش الوطني (المعروف أيضا باسم "آرتيش")".
وقال المحلل الأمني إن "باقري"، وخلافا لمعظم قادة الحرس الثوري الآخرين، الذين يعبّرون عن رأيهم حول الشؤون الداخلية والخارجية في إيران بصراحة تامة، فقد بقي في الظلّ لمعظم مسيرته المهنية، ونادرا ما شُوهد في العلن إلّا خلال التدريبات العسكرية.
ولفت التقرير إلى أن "باقري" يعدّ أصغر لواء إيراني (56 سنة)، ورغم ذلك فقد منح أوسمة متعددة؛ لتحقيقه إنجازات سرّية مختلفة. "كما أنّه حائز على شهادة دكتوراه في الجغرافيا السياسية، كما تفيد بعض التقارير بأنّه يدرس في "جامعة الدفاع الوطني العليا" في إيران" على حد قوله.
وأضاف: "وعلى غرار سلفه، يُمكن اعتبار باقري "دخيلا"؛ لأنّه لا ينتمي لأيّ فصيل معروف من فصائل الحرس الثوري. وفي الواقع، قد يكون هذا السبب الكامن وراء اختياره من قبل خامنئي وتفضيله على ضبّاط كبار أكثر أهميّة (وأكثر شعبية من دون شك) في الحرس الثوري الإسلامي، مثل غلام علي راشد أو يحيى رحيم صفوي، أهمّ المستشارين العسكريين للمرشد الأعلى. وعلى نحو لافت للنظر، يمكن اعتبار عودة رضائي الأخيرة إلى الخدمة العسكرية محاولة مفترضة للوصول إلى رئاسة هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، من هنا يُبرّر غيابه من حفل تنصيب باقري بعد أن تمّ تجاهله مرّة أخرى".
واعتبر نديمي أن هناك عاملين يبرزان بين الأسباب الأكثر احتمالا لإحلال حسين باقري مكان فيروز آبادي، وحددهما في المشكلات الصحية التي يعاني منها آبادي، زيادة على عدم رضى خامنئي عن المسار العام للقوات المسلحة الإيرانية.
وقال نديمي إن خامنئي كتب في مرسومه الذي بموجبه أعلن عن التغيير: "يُنتظر منك أن تشرف على عملية تحسين للجيش (الإيراني) وقدراته الأمنية وجهوزية قوّاته المسلحة والـ"باسيج"، الذي يحظى بدعم شعبي، وأن تقوم بتحسين قدرته على الاستجابة في الوقت المناسب لأي خطر يهدّد الجمهورية الإسلامية على أي مستوى، مستخدما العزم الثوري".
وأوضح أن الجملة الأخيرة هي رمز واضح لأولوية الحرس الثوري المتواصل في الفكر العسكري الإيراني.
وكشف المحلل الأمني أن باقري حمل في الماضي "مشاعر سلبية تجاه جيش الجمهورية الإسلامية، ما قد يؤثّر بصورة أكبر على اتجاه هيئة الأركان العامة في المستقبل. وعلى الرغم من أنّ خامنئي عيّن أيضا نائب رئيس لباقري من صفوف جيش الجمهورية الإسلامية في إيران -حلّ اللواء عبدالرحيم موسوي محل اللواء راشد في الحرس الثوري- إلّا أنّ هذا قد كان فعلا موازنا أقدم عليه المرشد الأعلى، ومن غير المرجّح أن يغيّر حساباته الإجمالية الموالية للحرس الثوري. وفي الخامس من تموز/ يوليو، تمّ تعيين راشد رئيسا لأركان حرب "خاتم الأنبياء" المركزي، الذي تقضي مهمّته بتخطيط العمليات في القوات المسلحة بأكملها وتنسيقها".
وأشار نديمي إلى أنه "خلال العقود الثلاثة التي ترأس فيها هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، تمكّن فيروز آبادي من الحفاظ على علاقات عمل مع حكومات مختلفة تمثّل أجزاء مختلفة من طيف السلطة الإيرانية، لكن يجب الانتظار لرؤية ما إذا سيكون باقري قادرا على إظهار مزايا مماثلة في التأقلم مع سياسات البلاد المتغيّرة".
وفيما يتعلّق بالسياسة الخارجية، يقول نديمي: "من المتوقّع أن يتّبع (باقري) تقليد قادة عسكريين إيرانيين آخرين كانوا جريئين جدّا في مهاجمة الغرب وإسرائيل. وفي بيانه الصحفي الأوّل رئيسا لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، دعا إلى "تحرير" جميع أراضي المسلمين" على حد تعبيره.
وأضاف: "كما تشير خلفية باقري أيضا إلى أي استراتيجيات وتكتيكات عسكرية قد تشدّد عليها إيران في المرحلة القادمة. ويتمتّع أيضا بعلاقات وثيقة مع "قوة القدس" التابعة للحرس الثوري، وحدة النخبة المسؤولة عن العمليات التي تتجاوز الحدود الإقليمية، وقد ذكرت بعض التقارير أنّه خطّط وساعد على تنفيذ مهمّات في عمق العراق في التسعينيات، مستهدفا جماعات كردية إيرانية متمركزة هناك".
وتابع: "كما ساعد على توسيع استخدام طائرات دون طيّار، وجمع معلومات استخباراتية تدخلية".
واستطرد: "وتمشيا مع هذه الاتجاهات، قد توسّع إيران استخدامها للضربات الوقائية والعقابية، ومن المتوقع أن يصبّ باقري المزيد من التركيز الاستراتيجي على عمليات خاصة مصمّمة، وعلى نواحي جمع المعلومات الاستخباراتية لـ«قوة القدس» والأذرع الأخرى الخاصة. وقد يعني تعيينه بالتالي المزيد من العمليات العسكرية في شمال العراق، وربّما في القسم الباكستاني من بلوشستان، مستهدفا مخابئ ومعسكرات تدريب لمتمرّدين أكراد إيرانيين وبلوشيين. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تصبح القوات المسلحة أكثر مرونة تحت قيادته، ناشرة المزيد من الطائرات دون طيّار المسلّحة وطويلة المدى، بدلا من تلك الأكثر تكلفة وتعقيدا".
وزاد نديمي: "وعلى نطاق أوسع، يُقال إنّ باقري هو أحد العقول الاستراتيجية الموجّهة في الحرس الثوري، ومؤمن كثيرا بالردع القوي ضد التهديدات الخارجية المدركة، لاسيّما الردع الصاروخي والبحري للحرس الثوري. ويُعتقد أنّه المنظّر وراء مبدأ "التهديد مقابل التهديد"، فكرة الحرس الثوري الحديثة لتصعيد موقفه العسكري خطوة بخطوة بشكل مناسب إلى مستوى التهديد الذي تواجهه الجمهورية الإسلامية".
وأكد نديمي أن "باقري كان دعم ذات مرّة وجودا عسكريا ناشطا في أعالي البحار، حتّى في أماكن بعيدة مثل القطب الجنوبي. كما أنّه يُفضل الصين على روسيا؛ لذا قد يُنبئ تسلمه منصبا عسكريا رفيعا بتوسيع العلاقات العسكرية مع بكين"، على حد قوله.