كتاب عربي 21

توني بلير وجورج بوش هما اللذان أوجدا داعش

1300x600
قبل ثلاثة عشر عاماً استعان توني بلير بأدلة باطلة ليبرر إقحام بريطانيا في الحرب على العراق. اختار حينها، ولأسباب يعلمها هو أكثر من غيره، الانحياز إلى جانب إدارة جورج دبليو بوش التي كان يهيمن عليها المحافظون الجدد. وفي ذلك الوقت، كنت شخصياً وكثير من زملائي في حركة مناهضة الحرب قد حذرنا توني بلير وحكومة المملكة المتحدة من العواقب الخطيرة المحتملة لمثل هذه الحرب. 

ولكن، وبدلاً من الأخذ بنصائحنا، تعرضنا للسخرية، وكثيرون منها وقع إقصاؤهم وحرمانهم من المشاركة في اللقاءات والمشاورات التي كانت تجريها الحكومة البريطانية حول مختلف القضايا ذات العلاقة بالعرب والمسلمين، والتي كنا نستشار فيها بشكل دوري قبل معارضتنا للحرب. بل ذهبت حكومة بلير إلى أبعد من ذلك، حيث بدأت تعاملنا باحتقار وكما لو كنا أعداء للدولة البريطانية. 

واليوم، أثبتت نتائج تحقيق تشيلكوت أننا كنا على حق. فليس العراق وحده اليوم في حالة من الفوضى العارمة، بل المنطقة بأسرها تكاد تغرق في بحيرة من الدماء. شهدت السنون منذ عام 2003، تصاعداً مستمراً في وتيرة التهديد الإرهابي. ومن رحم القاعدة ولد فصيل أنكى وأخطر هو تنظيم الدولة الإسلامية الذي يعيث الآن فساداً وقتلاً وترويعاً للآمنين في مختلف أرجاء العالم. ولقد استفاد هذا التنظيم، كما استفادت القاعدة من قبله، من تفشي مشاعر اليأس والإحباط والمرارة العميقة، فذهب يجند المئات، إن لم يكن الآلاف، من الشباب الغاضب ليس فقط من داخل المنطقة بل ومن كل أرجاء المعمورة. 

والآن، بتنا نعلم يقيناً، حسبما نشرت صحيفة الغارديان، أن غزو العراق كان له دور أساسي في زيادة الخطر الإرهابي المحدق بالمملكة المتحدة، وأن هذا الغزو هو الذي أدى في النهاية إلى ولادة تنظيم الدولة الإسلامية. وتقول الصحيفة إن هذه الاستنتاجات مؤيدة بوثائق استخباراتية نشرت للمرة الأولى كجزء من تقرير تشيلكوت. 

ما زلت أذكر جيداً أنني حذرت من هذا المآل قبل ذلك بوقت طويل، وكذلك فعل رفاقي في الحركة المناهضة للحرب. لم يتطلب توقع ذلك عبقرية أو ذكاء خارقاً، بل كان ذلك بوضوح أمراً منطقياً. لقد حذرت من هذا المآل مراراً وتكراراً عبر مقابلات تلفزيونية وإذاعية كثيرة، ثم في الكلمة القصيرة التي ألقيتها في الجموع المليونية التي احتشدت في حديقة هايد بارك في لندن قبيل الحرب بقليل في عام 2003، للاحتجاج على الهجوم الذي كان يعد له وللضغط باتجاه التراجع عن توريط بريطانيا في الحرب الأمريكية. ثم في الصباح التالي، خرجت إحدى الصحف اليمينية المؤيدة للحرب لتسخر مني وتستخف بتحذيراتي من أن الحرب ستؤدي إلى انتشار الإرهاب الذي سيتفاقم ويتعاظم خطره. 

وبعد الحرب بعامين، وتحديداً في السابع من تموز/ يوليو 2005، تعرضت لندن لهجوم إرهابي كبير أعلنت القاعدة حينها المسؤولية عنه انتقاماً لتورط بريطانيا في الحرب. واليوم، وبالنظر إلى ما مررنا به حتى الآن، لربما بدت القاعدة لطيفة مقارنة بخلفها تنظيم الدولة الإسلامية الذي انبعث من تحت رماد الحريق الذي أشعلته بريطانيا وأمريكا في العراق. 

لا ينبغي أبداً أن يسمح لتوني بلير وجورج بوش، ولا لمساعديهم والمتورطين معهم في صناعة الحرب، بالإفلات من المساءلة والعقاب على ما أحدثوه في عالمنا وما تسببوا به من كوارث. هؤلاء هم الذي يتحملون المسؤولية الأولى عن خلق الظروف التي سمحت لتنظيم الدولة بأن يتخلق ثم ينمو وينتشر.

إن من حق ضحايا غزو العراق، بما في ذلك عائلات الذي قضوا نحبهم وهم يقاتلون في هذا الجانب أو ذاك، أن ينصفوا وأن تمنحهم العدالة حق القصاص، ولا يمكن للعدالة أن تختزل في اعتذار أو بعض دمعات من دموع التماسيح.