انتفض "مجلس نواب ما بعد الانقلاب" في
مصر ضد ما اعتبره عدد من أعضائه "انتهاكات" ارتكبتها
الشرطة الأمريكية بحق مواطنيها من الملونين والسود، في مقابل تجاهل هذا البرلمان التام لانتهاكات الشرطة المصرية، برغم رصد تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان (هيئة حكومية)، قبل أيام، لجوانب عدة أبرزها إساءة معاملة السجناء، والاختفاء القسري.
وأثارت أحداث مدينة
دالاس بالولايات المتحدة، التي لقي فيها خمسة ضباط مصرعهم، وأصيب العشرات من الشرطة، على خلفية قتل الشرطة الأمريكية اثنين من السود، اهتمام الدوائر المصرية، والبرلمانية بصفة خاصة، التي هاجمت ما اعتبرته "تفشي ظاهرة العنصرية، وانتهاك حقوق الإنسان، وإهدار مبادئ المواطنة والمساواة بين الأمريكيين، وازدواجية التعامل الأمريكي مع مثل هذه الملفات".
وطالب عدد من أعضاء البرلمان المصري الشرطة الأمريكية بالتحلي بروح الصبر، وعدم انتهاك حقوق الإنسان، أثناء تظاهرات السود الغاضبين، ودعا البعض الآخر
الولايات المتحدة إلى أن تحسن مستواها في ملف حقوق الإنسان.
كما طالبوا الخارجية المصرية بإدانة قتل الأمريكيين السود بشكل رسمي، وهاجموا الإدارة الأمريكية التي تتجاهل المعاملة العنصرية من قبل الشرطة الأمريكية للأمريكيين الملونين والسود، وذلك في مقابل ثنائهم على الشرطة المصرية.
ماذا قال التقرير الحكومي عن انتهاكات الشرطة المصرية؟
وكان التقرير السنوي الحادي عشر للمجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي أصدره، الأحد، أشار إلى سلسلة من حالات الاختفاء القسري التي تقف وراءها الشرطة المصرية، موضحا أن مكتب الشكاوى التابع له أبلغ بحصول 266 حالة اختفاء قسري خلال عام 2015.
وانتقد التقرير عجز الحكومة عن تمرير تشريعات فعالة للحد من التعذيب. وقال إنه تلقى 296 شكوى عام 2015، مضيفا أن الكثير منها يرتبط بانتهاكات يتم ارتكابها في السجون ومراكز الاحتجاز الأخرى، وأبرزها التعذيب، والمعاملة القاسية.
وتابع التقرير أن التعذيب ما زال معتمدا إلى حد كبير، لاسيما في مراكز الاحتجاز الأولية، وأن مراكز الاعتقال ما قبل المحاكمة تستوعب أعدادا تفوق قدرتها بنحو 300 بالمائة، وأن المعتقلين "يتناوبون على النوم بسبب عدم وجود مساحة كافية".
ووصف المجلس الانتهاكات بأنها "بقع سوداء"، موضحا أنه من بين الانتهاكات التي طالب بوضع نهاية لها: "استفحال ظواهر من قبيل كثافة الحبس الاحتياطي، وأوضاع مراكز الاحتجاز الأولية، من ناحية كثرة الأعداد، وسوء المعاملة والإعاشة، والاحتجاز غير القانوني الذي أثار التباسات بشأن اختفاء قسري لبعض المحتجزين"، وفق قوله.
وكشف رئيس المجلس، محمد فائق، في مؤتمر صحفي عن ثلاث حالات وفاة تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز أقرت بها الشرطة خلال فترة التقرير، لكنه أضاف أن هناك 20 حالة وفاة في أماكن الاحتجاز نتجت عن ظروف أوضح أن البعض يقول إنها ترقى إلى الوفاة تحت التعذيب.
البرلمان يتجاهل التقرير ويحيله لإحدى اللجان
والأمر هكذا، لم يضبط أي من أعضاء مجلس النواب المصري متلبسا بالتعليق على التقرير، أو داعيا إلى بحثه وتدارس ما فيه، ولم تصدر دعوة واحدة من أي عضو فيه لوضع حد للانتهاكات الشرطة المصرية بحق المواطنين التي أشار إليها التقرير.
واكتفى البرلمان بإعلان أن لجنة حقوق الإنسان فيه سوف تقوم بدراسة التقرير.
وقال رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، بهاء أبو شقة، إن البرلمان أمام نصوص إجرائية تنظم مدد الحبس الاحتياطي، واصفا مقترحات القومي لحقوق الإنسان بأنها جديرة بدراستها لمناقشة وجاهة الرأي وسند هذه الآراء.
وقال وكيل لجنة حقوق الإنسان، عاطف مخاليف، إن لجنته ستتدارس تقرير المجلس بمطالباته، مؤكدا أن حالات الوفاة نتيجة عدم تهيئة السجون يتمثل في حل بناء سجون جديدة، مشيرا إلى أن الدولة تفعل ذلك (!)
ودافع عضو المجلس عن محافظة الدقهلية، وعضو لجنة حقوق الإنسان به، اللواء بدوي عبد اللطيف، عن الشرطة المصرية قائلا إن العقيدة الشرطية تغيرت، وإن ما يتم رصده من تعذيب لبعض المتهمين هي حالات شاذة بين أفراد الشرطة، وليست القاعدة السائدة، كما أن الوزارة تقوم بالتفتيش الدائم على أماكن الاحتجاز.
أما رئيس لجنة حقوق الإنسان بالمجلس، محمد أنور السادات، فطالب رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بعقد اجتماع عاجل مع أعضاء اللجنة والمتخصصين في المجتمع المدني لمناقشة التقرير، و"التعرف على رؤية الرئيس والدولة بشأن هذه الملفات"، على حد قوله، وهو ما لم يبد السيسي أو مؤسسة الرئاسة أي استجابة له، كما لم يردا على مطلب "السادات".
النواب يشتعلون غضبا لانتهاكات الشرطة الأمريكية
في المقابل، أعرب أعضاء البرلمان المصري عن غضبهم الشديد من "انتهاكات الشرطة الأمريكية". وطالبوا الخارجية المصرية بالرد عليها وإدانتها بشكل رسمي، وهاجموا الإدارة الأمريكية التي تتجاهل المعاملة العنصرية من قبل شرطتها لمواطنيها، واستشاطوا غضبا مما اعتبروه تجاهل المنظمات الحقوقية المحلية "الممولة" لإدانة تلك الانتهاكات لحقوق الأمريكيين الملونين والسود، وفق تعبيرهم.
وطالب عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، مصطفى كمال الدين حسين، وزارة الخارجية المصرية بالتعليق على أحداث "دالاس"، ومطالبتها للولايات المتحدة بالالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، مؤكدا أن الخارجية المصرية جهة رسمية، وأن من حقها أن تستنكر قتل الأمريكيين السود على يد الشرطة الأمريكية.
وتابع: "منذ سنوات ولعبة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتاجر بها أمريكا وتستغلها للضغط على الدول انكشفت وتعرت وتبين كذبها.. السود في أمريكا يقتلون بدم بارد منذ مدة"، على حد قوله.
وأصدر النائب عبد الرحيم علي بيانا أدان فيه واقعة دالاس، قائلا: "أين أصوات وبيانات التنديد والشجب من المنظمات المشبوهة لحقوق الإنسان في أمريكا وأوروبا وهنا في مصر من مثل تلك الأحداث؟.. لماذا صمتت تلك المنظمات في الوقت الذي تتغنى فيه وتبث سمومها وأكاذيبها وافتراءاتها ضد أي أحداث تقع في مصر؟ وفق تساؤله.
وتابع علي: "هناك ازدواجية في المعايير التي تتعامل بها أمريكا وأوروبا وجميع المنظمات الحقوقية الغربية المشبوهة في مثل تلك الأحداث التي لو وقعت في أي دولة عربية لكانت قد صدرت بيانات التنديد والشجب من الإدارة الأمريكية ومنظماتها الحقوقية الكاذبة التي تلعب على أوتار حقوق الإنسان والوحدة الوطنية كذبا وزورا وبهتانا"، وفق قوله.
وعلى المنوال نفسه، قال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، حمدي بخيت، إن صمت بعض منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان عما تفعله الشرطة الأمريكية في حق الأمريكيين السود من قتل يعود لأنهم "أولياء نعمتهم، وأنهم ليسوا برءاء في تصرفاتهم وحرصهم على أمن وسلم الإنسان في العالم كافة كما يدعون".
وتساءل "بخيت": "لماذا تكون هذه المنظمات أكثر عنفا مع الشرطة والجيش المصري في الداخل، ولا تتحدث بكلمة المؤسسات الأمنية في الخارج؟"، مؤكدا حق الشعب المصري كله والدولة في محاسبة أمريكا على تقارير حقوق الإنسان، وأنه على وزارة الخارجية المصرية أن تعلق على الأحداث، ولكن بدبلوماسية، ودون أن تظهر أنها في موقف الضعيف العاجز.
وأدان عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان نفسه، إلهامي عجينة، أحداث "دالاس" مطالبا الشرطة الأمريكية بالتحلي بروح الصبر، وعدم انتهاك حقوق الإنسان، في أثناء تظاهرات السود الغاضبين على مقتل العشرات منهم على يد الشرطة.
وأكد أن هناك ملايين الأمريكيين من الأفارقة والعرب. وقال: "لن نقبل أن يعتدي عليهم أحد أو أن ينتهك حقهم الإنساني". وتابع: "على أمريكا أن تحسن مستواها في ملف حقوق الإنسان، وأن تلتزم بما تطلقه من ادعاءات في هذا الشأن".
وأضاف "عجينة" أنه فور انعقاد جلسات المجلس، والعودة من إجازة عيد الفطر سوف يطالب وزير الخارجية بمخاطبة السفير الأمريكي بالقاهرة، وإبلاغه بسرعة إرسال نتيجة التحقيقات في أحداث "دالاس"، وما سوف يستجد من أحداث.
وشدد على أن الديكتاتورية متغلغلة في أنظمة الحكم الأمريكي والأوروبي، وأنهم يعاملون مجتمعاتهم بعنصرية وتفرقة طبقية.
أما وكيلة لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، مارغريت عاز، فعلقت بالقول إن أحداث مدينة دالاس تكشف ادعاءات أمريكا وبريطانيا تمسكهما بحقوق الإنسان ونشرها في العالم كافة، بينما هما من أكبر الدول التي تنتهك حق الفرد، وتميز بين البيض والسود، وتضع أصحاب البشرة السمراء في الأعمال المتدنية، وحال تولي أحد السود لمنصب أو قيادة ما لا يكون إلا ديكورا فقط أو لتجميل صورتها أمام العالم.
أمريكا تحترق بنيران العنصرية
وكانت الصحف المصرية توسعت في نقل "انتهاكات الشرطة الأمريكية"، وردود الأفعال عليها.
وتحت العنوان السابق قالت صحيفة "اليوم السابع"، السبت، إن عنف الشرطة الأمريكية ضد المواطنين السود قد تحول إلى عنف مضاد من قبل المحتجين على عمليات إطلاق النار القاتلة، مما أسفر عن مقتل خمسة ضباط حتى الآن، على يد قناصة في مدينة دالاس بولاية تكساس، وإصابة ستة آخرين، في الوقت الذي اكتفى فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالدعوة لتطهير الشرطة.
وأضافت الصحيفة أنه تأكيدا لحالة العنصرية المستشرية في الولايات المتحدة، التي كانت السبب في أغلب حوادث قتل الشرطة الأمريكية للسود، قال مارك دايتون، حاكم ولاية منيسوتا، إن العرق لعب دورا في مقتل فيلندو كاستيل الذي أطلق عليه النار في الولاية أثناء إبرازه رخصة القيادة.