نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا للصحافي كيم سينغوبتا، يقول فيه إن الهجوم الذي قام فيه تنظيم الدولة، بالقرب من مزار شيعي في بلدة بلد، الذي قتل فيه 35 شخصا، كان هجوما مخططا له بشكل جيد، وأعاد للذاكرة دوامة العنف التي تستمر اليوم في
العراق، بعد 13 عاما من "تحريرها" على يد جورج بوش الابن وتوني
بلير.
ويشير التقرير إلى أن بلد، التي تقع على بعد 50 ميلا شمال بغداد، كان لها دور مهم، لا يعرف عنه الكثير، في الحرب الوحشية في الظل، التي تبعت الغزو، حيث كان يدير القائد العسكري الأمريكي ستانلي ماكريستال عمليات مكافحة التمرد، التي كانت تقوم بها القوات الأمريكية والبريطانية، وأطلق على تلك العمليات اسم "
العمليات السوداء"، التي كانت فعالة بشكل كبير، وأدت دورا في قتل واعتقال 3500 من المتمردين، بالإضافة إلى أنها تسببت بخلافات بين الأمريكيين والبريطانيين.
ويورد الكاتب أن تقرير
تشيلكوت تحدث عن تزايد التوتر بين القوات الأمريكية والبريطانية، عندما بدأ الوضع الأمني في البلد يتداعى، مستدركا بأن التحقيق لم يتطرق إلى عمليات بلد السرية، حيث إن المهمة كانت مرتبة بشكل استثنائي، فكان داخل غرفة القيادة مثل فيلم الخيال العلمي "ذي ماتشين"، وكانت الواجهات مليئة بالشاشات، التي تبث الصور الحية لكاميرات المراقبة، ومنها يتم اختيار المشتبه بهم للاعتقال أو للاغتيال.
وتقول الصحيفة إن "العنف كان في وقتها دون توقف، وكان ذلك جزئيا؛ بسبب قرار الحاكم الأمريكي المدني بول بريمر بحل الجيش العراقي والشرطة العراقية؛ للتخلص من حزب البعث، ولذلك لم تبق أي قوة محلية تستطيع التعامل مع الجهاديين، ما أدى إلى تكليف الجنرال ماكريستال بحل المشكلة".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "الفريق الذي يعمل تحت إمرة الجنرال ماكريستال كان مكلفا بالبحث عن أسلحة صدام حسين للدمار الشامل، الذي سرعان ما اكتشف أن المهمة عبارة عن حملة ميؤوس منها، وقام بالتركيز على المخاطر المباشرة المتمثلة في التمرد، حيث إن ماكريستال عادة ما كان يقود قوة دلتا، التي كانت تحت إمرته، بنفسه خلال المداهمات، وكان الفريق يخبر في آخر لحظة أن قائده سينضم إليه في المهمة الخطيرة، لكن القليل من الناس في واشنطن كانوا يعلمون حقيقة الحملة الإرهابية والحملات المضادة التي تحصل في العراق".
ويذكر سينغوبتا أن بعض الضباط البريطانيين الكبار كانوا غير راضين عما يحصل، وعن مشاركة القوات البريطانية الخاصة (SAS) و(SBS)، حيث تساءل أحد القادة العسكريين البريطانيين، الذي كان عضوا سابقا في القوات الخاصة، قائلا: "لماذا نشارك في إدارة فرق موت، على شاكلة فرق الموت في أمريكا اللاتنينية؟"، مشيرا إلى أن القوات الخاصة البريطانية منعت مرتين على الأقل من القيام بعمليات شبيهة في الجنوب، الذي كانت تديره
بريطانيا.
وتفيد الصحيفة بأنه تم طرح أسئلة حول كيفية الحصول على المعلومات حول المشتبه بهم في بلد، لافتة إلى أنه كان هناك تحقيق غير رسمي في معاملة السجناء في القاعدة، لكن لم تكن هناك أي أدلة تشير إلى تورط الجنرال ماكريستال.
وبحسب التقرير، فإنه كانت هناك نجاحات في بعض العمليات، التي شاركت القوات البريطانية في بعضها، مثل تحرير الرهينة البريطاني نورمان كيمبر، وكسر سلاسل الإمداد للمتفجرات المستخدمة ضد القوات البريطانية في البصرة، مشيرا إلى أنه بعد ذلك، حصل النجاح الكبير في الحصول على المعلومات التي قادت إلى مقتل قائد تنظيم القاعدة في العراق أبي مصعب الزرقاوي، الذي قاد القتال إلى مستوى جديد من العنف.
وينوه الكاتب إلى أن أصداء عمليات القوات الخاصة في العراق توالت، حيث إنه بعد ستة أعوام، وصلت إلى الجنرال ماكريستال، الذي أصبح قائدا عسكريا بأربع نجوم في أفغانستان، شكوى من رئيس القوات الخاصة البريطانية؛ بسبب تحدثه عن عمليات شاركت فيها الـ (SAS) و(SBS) في العراق وأفغانستان، لافتا إلى أنه في الوقت ذاته تم الطلب من مقدم يعمل مع (SAS) عدم الدوام في مقر فوجه في هريفورد.
وتكشف الصحيفة عن أن "تقرير تشيلكوت تحدث عن اختلاف الاستراتيجيات بين أمريكا وبريطانيا، حيث ركزت بريطانيا على القوات المتعددة الجنسيات في المنطقة الجنوبية الشرقية عام 2003، ونتيجة لذلك كانت أولوياتها تختلف عن أولويات الأمريكيين، ولم تشارك إلا هامشيا في المهمات المركزية لاستقرار الحكومة العراقية في بغداد، وإدارة الانقسامات الطائفية، في الوقت الذي رأت فيه مهمتها في البصرة هي الإبقاء على الوضع هادئا لتبرير الانسحاب".
وينقل التقرير عن رئيس الأركان البريطاني لتوني بلير عام 2006، الجنرال السير مايك جاكسون، قوله: "إن التصور في الأوساط العسكرية الأمريكية، سواء كان ذلك صحيحا أو خاطئا، هو أن المكاسب السياسية السريعة لانسحاب مبكر تحرك المملكة المتحدة، أكثر مما تحركها أهمية إنجاز المهمة طويلة الأمد، ولذلك كان موقف القوات المتعددة الجنسيات في المنطقة الجنوبية الشرقية يقوم على مبدأ عدم التدخل، ويفتقد إلى المبادرة".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أنه بعد ثمانية أشهر، قال السفير البريطاني في أمريكا السير ديفيد ماننغ، إن وزيرة الخارجية الأمريكية حينها كونداليزا رايس، سألته "بأن يخبرها بأمانة إن كانت المملكة المتحدة تسعى للخروج في أسرع وقت ممكن"، لافتة إلى أن الجواب لكل من كان يراقب الأحداث على الأرض هو بالتأكيد "نعم".