نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للكاتبين ويليام بوث وروث إغلاش، يتساءلان فيه: هل يستعد
الإسرائيليون والفلسطينيون للعودة إلى مفاوضات السلام؟ ويجيبان بالقول: "تنفسوا نفسا عميقا وانتظروا".
ويشير التقرير إلى أن التعثر في المفاوضات، الذي دام عقودا، يتم دفعه للأمام، لافتا إلى أن آخر اللاعبين هو الرئيس
المصري عبد الفتاح
السيسي، الذي أرسل وزير خارجيته إلى القدس مساء الأحد.
ويذكر الكاتبان أن وزير الخارجية الأمريكي، الذي توقف عمليا عن المحاولة في التوسط للتوصل إلى صفقة في الأشهر المتبقية من رئاسة أوباما، يشجع تحرك السيسي، مشيرا إلى أن المبعوث المصري
سامح شكري، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو مرتين يوم الأحد، في اجتماع ثنائي موسع، وبعد ذلك على مأدبة عشاء في سكن نتنياهو الرسمي، حيث شاهد الرجلان بعض الدقائق من نهائي بطولة كرة القدم الأوروبية معا، بحسب الصور التي نشرها المكتب الإعلامي الحكومي الإسرائيلي.
وترى الصحيفة أن زيارة شكري لإسرائيل، وهي الأولى التي يقوم بها وزير خارجية مصري منذ تسع سنوات، تعد إنجازا بحد ذاته في الشرق الأوسط اليوم، مشيرة إلى أن الدبلوماسيين الإسرائيليين قالوا إن الزيارة مهمة؛ لأنها تمت في العلن بصفتها زيارة رسمية وبتصريحات رسمية.
وينقل التقرير عن السفير الإسرائيلي السابق في مصر إسحاق ليفانون، قوله: "تعد مصر، بعد الولايات المتحدة، اللاعب الأكثر ملاءمة للدبلوماسية المكوكية بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
ويلفت الكاتبان إلى أن شكري زار رام الله قبل 10 أيام، للاجتماع بشكل هادئ مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي أغلقت أمامه السبل لمواجهة الاحتلال الإسرئيلي (للضفة الغربية)، الذي امتد ما يقارب الخمسين عاما، حيث يجد عباس نفسه أقل شعبية من أي وقت مضى، بحسب استطلاعات الرأي الحديثة.
وتورد الصحيفة نقلا عن الدبلوماسيين الإسرائيليين والفلسطينيين، قولهم إن السيسي مهتم بدفع الطرفين للقيام بخطوات بناء ثقة يمكنها أن تخفف من الصراع، لافتة إلى أن هذه الثقة لم تعد موجودة؛ بسبب عشرة أشهر من هجمات السكاكين والسلاح والسيارات، التي يقوم بها الشباب الفلسطينيون ضد الإسرائيليين، وبسبب ردود الفعل الإسرائيلية القاسية، بما في ذلك "أخطاء" القوات الإسرائيلية المسلحة بفتح النار على سيارة مليئة بالأبرياء.
ويرجح التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن تتضمن إجراءات بناء الثقة تجميد إسرائيل لبناء المستوطنات في الضفة الغربية، أو أن يقوم الفلسطينيون "بإسكات التحريض على الاستشهاد".
ويورد الكاتبان أن وزير الخارجية المصري ردد المشاعر العالمية، حيث قال: "منذ توقف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين عام 2014، كان الوضع على الأرض في حالة تراجع مستمرة على المستوى الإنساني والاقتصادي والأمني، ويبقى حلم السلام والأمن يبتعد عن المنال طالما استمر الصراع".
وتنوه الصحيفة إلى أنه منذ قيام الانقلاب العسكري عام 2013، الذي جاء بالسيسي إلى سدة الحكم، فإن قادة الجيش الإسرائيلي تحدثوا للصحافيين عن تعاون عسكري- عسكري لم يسبق له مثيل بين الجيشين والمخابرات التابعة لهما، مشيرة إلى أن البلدين يواجهان عدوا واحدا، يتمثل في "التطرف الإسلامي" في شبه جزيرة سيناء، حيث بايعت القبائل المعادية للقاهرة تنظيم الدولة، وأعلنت نفسها ولاية تابعة لما يسمى الخلافة.
ويعلق التقرير بالقول إنه "لا أحد يدري إلى أين ستصل محاولة مصر، فمن الممكن أن تكون تجديدا للعلاقات بين مصر وإسرائيل، أكثر من تعلقها بالقضية الفلسطينية".
ويذكر الكاتبان أن إسرائيل تواجه اتحادا أوروبيا مضطربا، يدعم المبادرة الفرنسية للسلام، التي تدعو إلى انسحاب القوات الإسرائيلية، وإقامة الدولة الفلسطينية، لافتين إلى أن هناك إشارات توحي بأن مجلس الأمن قد يستمع مرة أخرى لقراراته حول القضية.
وتنقل الصحيفة عن نتنياهو، الذي يقود أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية في التاريخ، قوله إنه يعارض المناورة الفرنسية والجهود الدولية الأخرى، مثل التحركات الموازية في الأمم المتحدة، وأضاف رئيس الوزراء أن "المفاوضات الثنائية غير المشروطة" فقط يمكنها أن تنتج سلاما دائما.
ويفيد التقرير بأن الفلسطينيين لا يزالون متشككين، ويشيرون إلى وعد نتنياهو المشهور الذي أخذه على نفسه عشية الانتخابات لدروة رابعة في الحكومة، بأنه لن تكون هناك دولة فلسطينية خلال حكمه، حيث قال دبلوماسي فلسطيني، اشترط عدم الكشف عن اسمه؛ لحساسية الموضوع: "يقوم الإسرائيليون بكل ما يستطيعونه؛ لإثبات أنه لا حاجة للمبادرة الفرنسية"، التي يوافق عليها عباس.
ويشير الكاتبان إلى أن المحللين يراقبون الوضع، ويتعاملون مع التطورات بحذر، حيث أوردت صحيفة "المصريون" أن أحد الأكاديميين الذين انتقدوا التحرك المصري، قال: "كان هذا مسمارا آخر في نعش العرب"، بينما وصف آخر تحرك السيسي بأنه: "خطوة إيجابية في حل الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية".
وبحسب الصحيفة، فإن المحاضرة في تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب ميرا تزوريف، حذرت قائلة: "هذه ليست قضية إسرائيلية فلسطينية، إنها قضية إسرائيلية مصرية فلسطينية"، وأضافت أن "مصر لاعب فريد، فقد تكون هناك مبادرة فرنسية، أو مبادرة سعودية، لكن مصر هي المقبولة من الطرفين، وهذه رسالة للأمريكيين بأن السيسي زعيم يستطيع أن يفعل شيئا، ليس فقط داخل مصر، لكن خارجها أيضا، فقد نجح السيسي حيث فشلت أمريكا".
ويجد التقرير أنه مهما حصل، فإن السيسي أدخل نفسه في الحوار، وقد دعا في خطاب له في أيار/ مايو، الأحزاب الإسرائيلية المتناحرة إلى إنشاء تحالف للتوصل إلى صفقة سلام مع الفلسطينيين، التي ستقوم الدول العربية بدعمها.
ويكشف الكاتبان عن أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير يقوم بدور مستشار غير رسمي للسيسي، مشيرين إلى أن بلير، الذي يواجه غضبا في بلده؛ بسبب قراره شن حرب على العراق، يبقى لاعبا صغيرا في مسلسلات الدراما الشرق أوسطية، حيث وصل يوم الاثنين إلى القدس لمقابلة نتنياهو.
وتنقل الصحيفة عن السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر ليفانون، قوله: "يرى المصريون أن لدينا شرق أوسط يتمزق في الأزمات، بالإضافة إلى سفك الدماء، ولا يوجد حل يلوح في الأفق لا لسوريا ولا لليمن ولا لليبيا ولا للعراق، وعليهم التعامل مع الإرهابيين المحليين أيضا، وفجأة يرون شيئا لم يكن موجودا قبل عدة سنوات؛ الدولة الصغيرة إسرائيل تبني علاقات جيدة مع روسيا، ولديها قنوات مفتوحة مع السعودية، وتصالحت مع تركيا، واجتمعت برؤساء سبع دول أفريقية الأسبوع الماضي".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول ليفانون: "نحن الآن في وضع من الأفضل فيه لمصر أن تكون إلى جانب إسرائيل من ألا تكون".