نشرت صحيفة "موند أفريك" الفرنسية تقريرا تحدّثت فيه عن قرار كل من تونس والمغرب بناء جدران عازلة لحماية حدودها من خطر الإرهاب والتهريب، الذي عمق الفجوة بين دول
المغرب العربي.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن مدينة "غدامس" القديمة، التي تقع في منطقة صحراوية غرب ليبيا، صنّفت من قبل منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو" كمنطقة تاريخية، وهي الآن تحت حمايتها.
وذكرت الصحيفة أن هذه المنطقة الليبية تمثل نقطة التقاء الحدود البرية لكل من "برج الخضراء" التونسية و" دبداب" الجزائرية. وقد ساهم موقعها الاستراتيجي هذا في تنامي عمليات التهريب، في هذه البلدان الثلاثة، عن طريق استعمال الشاحنات والسيارات وحتى الجمال. وقد شمل التهريب منتجات متعددة وامتد حتى إلى تجارة الأسلحة.
وذكرت الصحيفة أن السلطات التونسية قررت بناء جدار يعبر صحراء برج الخضراء ليقطع الشمال الغربي ويحاذي "البحيرات المالحة" في تونس، وستكون نقطة نهاية هذا الجدار بين "سهل جفارة" غرب ليبيا و"بحيرة البيبان" في منطقة بن قردان التونسية.
كما قالت الصحيفة أن محاولة إيجاد حلول للرياح الرملية التي تخلق مشاكل عديدة في المنطقة، ليست الهدف الحقيقي لهذا المشروع، وإنما هي محاولة للحد من نشاط وتنقل الإرهابيين. فمنطقة رأس جدير، الشمالية-الشرقية الحدودية، لا تبعد سوى مئات الكيلومترات عن مدينة طرابلس الليبية، وهو ما يزيد من تنامي الخطر الإرهابي وإمكانية تسلل الجهاديين بين البلدين.
وأشارت الصحيفة إلى أن الإرهابي سيف الدين الرزقي، الذي قام بالهجوم الإرهابي على إحدى النزل في ولاية سوسة الساحلية في الصيف الماضي، كان قد اجتاز الحدود التونسية عبر نقطة رأس جدير. ليتدرب بعد ذلك على استعمال الأسلحة في ليبيا. ثم سافر للقتال في سوريا قبل أن يعود إلى بلده متشبعا بالفكر الجهادي.
أما عن مشروع بناء جدار فاصل بين المغرب والجزائر، فقد قالت الصحيفة إن الحدود بين هذين البلدين ليست صحراوية، كما هو الحال بين تونس وليبيا. إذ إن نقطة "العقيد لطفي" الحدودية تعرف بمناظر طبيعية جميلة؛ أين توجد أشجار عريقة، مغروسة منذ سنيين عديدة، وأنهار متدفقة. وبسبب البطالة قام سكان المنطقة الحدودية بحفر أنفاق أرضية لتهريب السلع بمختلف أنواعها. لكن قرر الجانب المغربي بناء جدار يفصل بين البلدين، ليعمق بذلك القطيعة الموجودة بينهما، منذ سنوات طويلة، بسبب إغلاق الحدود.
كما أفادت الصحيفة أنه دارت شكوك حول تورط أطراف جزائرية في عملية اغتيال جدت في المغرب سنة 1994. تسببت في فرض السلطات المغربية تأشيرات على السياح الجزائريين. وكرد على هذا الإجراء، بادرت الجزائر بغلق حدودها. ولم يقف ذلك عند هذا الحد، بل وصل إلى حد إعلان المغرب إنشاء جدار على حدوده مع الجزائر، ليصبح المغرب بذلك منعزلا، بين المحيط الأطلسي من الغرب، والبحر الأبيض المتوسط من الشمال، وسلسلة جبلية من الشرق.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب سبق له أن قام بتشييد ستة جدران تفصله عن الصحراء الغربية، التي تقع شمال غرب إفريقيا، لدفع "جبهة البوليساريو" الانفصالية إلى عمق الصحراء. وقد مثلت هذه النقطة، أيضا، محور صراع قديم بين البلدين، لا يزال قائما إلى حد الآن، يتمثل في صعوبة إقامة استفتاء يهدف إلى تقرير مصير هذه الصحراء، بسبب مشكلة تتعلق بتعداد السكان الذين سيشاركون فيه. وتعتبر هذه المسألة السبب الرئيسي في الاحتقان بين المغرب والجزائر، التي ساهمت في دعم الانفصاليين. لتدور مواجهات مسلحة بين البلدين في الستينيات، سميت بـ"حرب الرمال". وقد انتهت معركة أمغالا الأولى بفوز المغرب، في حين انتصرت الجزائر في معركة أمغالا الثانية.
وأضافت الصحيفة أن قادة كل من تونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا كانوا قد تعودوا على الاجتماع، في "اتحاد المغرب العربي" الذي أنشأ سنة 1989، بهدف توحيد حوالي 100 مليون شخص وستة ملايين كيلومتر مربع من الأراضي الشاسعة.
لكن بسبب العداوات المتواصلة التي صنعتها هذه الدول فيما بينها، لم يلتق رؤساؤها رسميا تحت راية هذا الاتحاد، منذ أكثر من عشرة أعوام.
وزيادة على المبادلات التجارية ومشاكل الحدود العالقة، فقد تسببت تسمية "اتحاد المغرب العربي" في سوء تفاهم آخر بين هذه الدول الخمس، فقد أعلن الأمازيغ ( البربر )، السكان الأصليون الذين يمثلون عشرين مليون نسمة متفرقين في جميع أنحاء المنطقة، عن عدم قبولهم نسب صفة "عربي" لهذا الاتحاد.
وقالت الصحيفة، إنه في إطار مبادرة لرد الاعتبار للبربر في المغرب، اقترح وزير الشؤون الخارجية في المملكة حذف كلمة " العربي " لتصبح التسمية "الاتحاد المغاربي" بدلا من "اتحاد المغرب العربي"، ليشبه بذلك تسميات كل من "الاتحاد الإفريقي" و "الاتحاد الأوروبي". وقد لاقى هذا الاقتراح ترحيبا من طرف موريتانيا، في حين عارضته تونس وليبيا والجزائر، بالرغم من أن الأخيرة عرفت خلال الثمانينيات مواجهات بين السكان الأمازيغ والعرب.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن دول المغرب العربي متقاربة ترابيا، لكن توجد حواجز عديدة تعمق الهوة بينها. وأنه في إطار الفوضى المنتشرة في المنطقة، يظل المستقبل بين أيدي أولئك الذين يبنون من الأسفل إلى الأعلى.