كتاب عربي 21

من المُلام على الإسلاموفوبيا؟

1300x600
عمل الزعيم الإيراني الراحل الخميني "قيمة وسيما" للروائي سلمان رَشدي، (ولعلم القارئ العربي، فإن اسمه ينطق بفتح الراء وليس بضمِّها، ما يعني أن اسمه ليس من الرشد في شيء وليس من رشد، يرشد، فهو رشيد ورُشدي)، عندما رصد خمسة ملايين دولار لمن يقتله بسبب روايته "سيتانِك فيرسيز/ آيات شيطانية"، التي تهكم فيها على الإسلام ونبي الإسلام عليه السلام، وأم المؤمنين عائشة، ورغم أن الجائزة كانت مغرية لشخص مثلي عاش في الجزيرة العربية وشهد قادسية صدام ومعركتي صفين الثانية والثالثة (الرمادي والفلوجة) في العراق حالما بالثراء، ويعرف أنه لو قتل رشدي هذا فلن يصدر عليه حكم بالإعدام لأن وطنه - بريطانيا - لا يمارس الإعدام بحق أي مجرم، إلا أنني كنت مدركا، بل على يقين تام بأن الخميني لم يقرأ ذلك الكتاب، وأصدر حكمه بناء على بيِّنات سمعية عن محتوياته، فقررت أن أنظر في أمر الفوز بالجائزة بعد أن أقرأ الرواية بنفسي.

ووصلت لندن في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ومن مكتبة في مطار هيثرو اشتريت الآيات الشيطانية وقرأتها. أستغفر الله. حاولت قراءتها. وصلت حتى الصفحة رقم 60 ولم أجد أي عنصر تشويق يحملني على مواصلة القراءة، ولكن النفس الأمارة بالثراء والحالمة بالملايين الخمسة، حملتني على الاستمرار في القراءة، وقرأت نحو 60 صفحة أخرى، وأدركت تماما أن رشدي هدفَ من إصدار ذلك العمل الذي لا يمكن وصفه بـ"الرواية"، ليستخف بالقرآن وبالإسلام.

فعل رشدي ذلك بأسلوب تقريري فج وركيك، ولم أجد في الكتاب أي لمسة فنية أو ذكية ليأتي هجومه على الإسلام في قالب يروق حتى لألدّ أعداء الإسلام منذ أيام بني النضير، إلى أيام الهولندي خيرت فيلدرز صاحب المقولة المشهورة "لا يوجد إسلام معتدل ولكن يوجد مسلمون معتدلون"، ولم أصدق أن صاحب رواية "أبناء منتصف الليل" التي استحقت جائزة بوكر عن جدارة هو نفس المخطرف صاحب الآيات الشيطانية.

وأيقنت أنني ناقد أدبي فذ عندما انهال كبار النقاد الفرنجة على رأس رشدي، واصفين كتابه هذا بأنه لا ينتمي إلى أي جنس من الأدب، بل حتى دون "قلة الأدب" بكثير، ولم يقولوا ذلك لأن قلوبهم كانت على الإسلام، بل لأن الكتاب كان سقطة فنية وانتحارا مهنيا لكاتب كان قبلها محل احترام كل الدوائر الأدبية في قارات الله الخمس.

ثم أهدر الخميني دم رشدي، فتهافت الناس لاقتناء الكتاب وتمت ترجمته الى 17 لغة، وكسب رشدي الملايين، وعاش تحت حماية الأجهزة الأمنية لعشر سنوات، تزوج خلالها ثلاث مرات، إحداهن راقصة ستريبتيز (فسخ الملابس قطعة تلو الأخرى).

وفتوى الخميني تلك جعلت شعوبا في الشرق والغرب تصف المسلمين بأنهم سفاحون، وخلال السنوات الأخيرة ظهرت مجموعات محسوبة على الإسلام شوهت صورة الإسلام بأكثر مما فعل الخميني، ولا أعرف هل حسب مرتكبو المجازر العشوائية في بروكسل ونيس في فرنسا وأورلاندو في الولايات المتحدة ومطار إسطنبول؛ أن قتل العشرات من طرف سيساعد على نشر الإسلام؟ هل قتل بضع مئات من المدنيين في مواقع مدنية سيردع واشنطن وحلفاءها عن حشر فوهات بنادقهم في صدور مسلمين هنا أو هناك؟ أم سيعطيهم الذريعة للتمادي في حشر تلك الفوهات؟

وكيف نغضب أو نستنكر ما يسمى بالإسلاموفوبيا (الخوف من كل ما هو مرتبط بالإسلام) في الغرب، ونحن نعرف أن العديد من المجازر ارتكبت في الغرب وزعم الجناة أنهم بذلك ينتصرون للإسلام؟ ألا يعاني أهل العراق من تلك الفوبيا وهم يرون مليشيات الحشد الشعبي ترتكب المجازر باسم الإسلام (الشيعي) بحق مسلمين آخرين؟ وفي سوريا وليبيا تقوم منظمات تدعي الإسلاموية باستهداف إخوتهم في الدين؟ وهل واجه غالبية مسلمي اليمن الموت على يد إسرائيل أم "أنصار الإسلام - الحوثيين"؟ وأجزم بأن كثيرين من الكتاب الصحفيين المسلمين يعانون من درجة مقلقة من الإسلاموفوبيا وهم يتحدثون عمن يمارسون القتل العشوائي في أوربا أو الولايات المتحدة أو سوريا أو العراق.

هل يحتكم قاتلو المدنيين إلى قرآن غير الذي بيدنا ونقرأ فيه (لكم دينكم ولي دين)، و(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ)، و(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، و(لعلك باخع نفسك * ألا يكونوا مؤمنين * إن نشأ ننزل عليهم آية من السماء فظلت أعناقهم لها خاضعين)، و(لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة)؟

والشاهد: لا يجوز معاتبة من يعانون من الإسلاموفوبيا، قبل معاتبة وتجريم من تسببوا فيها.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع